تاريخ النشر2023 9 October ساعة 10:38
رقم : 610333
د. سعد ناجي جواد*

غزة العز والكرامة تنتفض من جديد وتُنهي مقولة الجيش الذي لا يقهر

تنـا
عملية "طوفان الأقصى"، قلبت الواقع في غزة وكل فلسطين بل والمنطقة راسا على عقب، ومهما فعل الاحتلال "الاسرائيلي" او ما سيفعله خلال الايام القادمة، فانه لن ينجح في تحسين صورته.
غزة العز والكرامة تنتفض من جديد وتُنهي مقولة الجيش الذي لا يقهر
في كل مرة ينخفض فيه منسوب الثقة بالنفس وبقدرات الامة، وترتفع فيها حالات الإحباط لتعطي زخما للأصوات المتخاذلة المطالبة بقبول الاحتلال الصهيوني كأمر واقع ونبذ المقاومة على اساس انها لم تُنتج شيئا سوى المزيد من القتل للفلسطينيين والعرب، وانه لم يبق للفلسطينيين والعرب سوى القبول بالوجود الاسرائيلي والاعتراف به رسميا، تظهر علينا المقاومة لتزودنا بشحنات من الأمل وبعض الثقة والأمل. ومرة اخرى تتقدم غزة الكرامة والصمود لتثبت لنا وللعالم اجمع بان فلسطين باقية وان الشعب الفلسطيني لن يستسلم ولن يستكين ولن يتنازل عن حقه في العودة وإقامة دولة فلسطين من البحر الى النهر.
 
ما حققته المقاومة الفلسطينية يوم السبت 2023/10/7 كان إعجازيا بكل المقاييس والمعايير؟

ابتداء - استطاعت المقاومة ان تفاجئ اسرائيل بهجوم واسع وكبير لم تستطع كل الأجهزة الأمنية والاستخبارية كشفه، رغم كل ما تتبجح به تلك الأجهزة عن قدراتها على احصاء انفاس ابناء غزة، وما تدعيه وتقوله عن كميات العملاء التي تمتلكها تلك الأجهزة داخل غزة. ان الإعداد لعملية كبيرة كهذه بالتأكيد قد استغرق شهورا طويلة او اكثر من سنة ومع ذلك لم تستطع اسرائيل ان تكشفه وثبت انها لم تكن تمتلك حتى فكرة بسيطة عن خطة الهجوم. واذا كانت اسرائيل في عام 1973 قد استطاعت ان تحصل من مصدرين عربيين على تحذير وتنبيه قبل ساعات من بدء الهجوم المصري-السوري مما جعلها تستعد له ولو بصورة متأخرة جدا، الا ان هجوم حماس كان مفاجئا بكل المقاييس. علما بان حماس ظلت تحذر من التجاوزات غير الأخلاقية على المسجد الأقصى، ومع ذلك لم ترتدع الحكومة الاسرائيلية ولم تمنع تدنيس الأقصى.
 
ثانيا- استطاع مقاتلي حماس من اختراق كل اجهزة الإنذار المبكر والرادارات الإسرائيلية وتحطيم الحواجز والجدار الفاصل مع غزة، والذي قالت اسرائيل بان إنشاءه كلف مليار دولار، وفيه من المميزات التكنولوجية وأبراج المراقبة ما يجعل من اختراقه أمراً شبه مستحيل، ومع ذلك تمكنت المقاومة من تدميره والاندفاع باتجاه الاراضي والبلدات المحتلة. كما ذكرت مصادر اخرى ان حماس شنت حربا سبرانية مبكرة عطلت اجهزة الإنذار المبكر، واعترفت اسرائيل بذلك.
 
ثالثا- استطاع الف مقاتل من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وربما اقل، من كسر غطرسة الجيش الاسرائيلي وأنهوا المقولة الصهيونية بانه جيش لا يقهر. ففي ظرف ساعات قليلة استطاع ابطال المقاومة من اختراق الأراض المحتلة من عدة نقاط وبعمق وصل الى 40 كيلومترا، وأمطرت الارض المحتلة بخمسة الاف صاروخ محلي الصنع كدفعة اولى. علما ان المهاجمين لم يفعلوا ذلك لا بالدبابات ولا بالطائرات وإنما استخدموا وسائل بدائية او بتكنولوجية بسيطة، اقتحموا الحاجز بالسيارات والدراجات النارية، وبمظليين بمحركات طائرة بسيطة وضفادع بشرية من البحر. لقد اعتقدت اسرائيل ان حماس اذا ما ارادت القيام بعلميات في الارض المحتلة، فانها ستعتمد على الإنفاق، واذا بأبطال المقاومة يفاجئون العدو الاسرائيلي باقتحام من البر والجو والبحر وعلى مرأى ومسمع من قواته.
 
رابعا- كما كذبت اسرائيل في حرب 1973، (والتي بالمناسبة اندلعت في نفس التأريخ)، عندما أعلنت بعد بدء الهجوم المصري وعبور قناة السويس، ان الجيش الاسرائيلي افشل الهجوم ودمر القوات المصرية المهاجمة، ثم ظهر ان ذلك كان كذبا فاضحا، فهي تدعي الان انها (طهرت) المناطق التي اجتاحها مجاهدي حماس، وكل الأخبار في ليلة السبت وصباح اليوم الأحد ما تزال تتحدث عن مواجهات وتواجد ابطال حماس في مدن ومستعمرات جدار غزة، كما تحدثت تقارير اخرى صباح الأحد عن تدفق مجاهدين جدد الى الاراضي المحتلة لتقديم الدعم لاخوانهم المتواجدين هناك منذ فجر امس. ناهيك عن استمرار هطول الصواريخ على تل ابيب، مما اضطر مجلس الوزراء الإسرائيلي لتعليق اجتماعاته لمرتين خوفا من وصول صواريخ حماس لقاعة الاجتماعات. وما زال جيش الاحتلال يسعى الى ترحيل المستوطنين من المناطق المجاورة لغزة. وكل ما ذلك يدلل ان هناك معركة طويلة في الأفق.
 
خامسا- وكدليل على العجز الاسرائيلي عن مواجهة ما حدث والأضرار التي احدثها الهجوم مسارعة نتنياهو للاتصال بالرئيس الامريكي، ويبدو انه طلب تمويلا أمريكيا طارئا وربما أسلحة، وهذا كله يدلل على ان اسرائيل قد تكبدت خسائر فادحة وان الحكومة الاسرائيلية متأكدة ان المعركة ستكون طويلة وقاسية وتحتاج الى دعم أمريكي عاجل ومستمر. طبعا لم يكن مستغربا ان يهب قادة العالم الغربي لنجدة اسرائيل إعلاميا واستنكار لعملية حماس، ولكن كل هذه التصريحات لم تعد تسمن او تغني من جوع، وعندما تهدأ المعارك سيقوم كل هؤلاء القادة بالحديث عن ضرورة ايجاد حل للقضية الفلسطينية والتفاوض حول الأسرى. خاصة وان تهمة الارهاب بدأت تتآكل لان اهم هجمات ابطال حماس ركزت على مواقع عسكرية ومراكز للشرطة الاسرائيلية.
 
سادسا- هناك إشارات واحاديث ان أطراف مقاومة اخرى قد تدخل على خط المعركة، التلميحات جاءت ضمنيا في كلمات قادة حماس الثلاثة السادة الضيف وهنية والعاروري. وهناك من قال ان هناك اتفاق إستراتيجي بين حماس والجهاد الاسلامي وحزب الله في المشاركة في اية مواجهة برية. واذا كانت الاتهامات التي تقول ان "لايران يد في ما جرى"، فانه من غير المتوقع ان تقف طهران واجنحة المقاومة الاخرى متفرجة على عملية إبادة لحركة حماس لا سامح الله. كما ان ما يوكد احتمالية توسع المعركة هو تحذير كل من نتنياهو والرئيس الامريكي لأطراف اخرى من مغبة المشاركة في الحرب الدائرة. وعلى كل حال فان اخر الأخبار تحدثت عن تفعيل الجبهة الشمالية بقصف حزب الله لمواقع اسرائيلية.
 
سابعا- لحد اللحظة لم تُنشر ارقاما دقيقة عن عدد الأسرى التي تمكن المقاومون من نقلهم الى داخل غزة، بعض الجهات الاسرائيلية قالت ان عددهم حوالي 40 أسيرا، بينما قالت بعض الأخبار ان العدد هو 140 أسيرا، وفي وقت متأخر من يوم السبت صرح المتحدث باسم حركة حماس السيد ابو عبيدة ان العدد اكثر بكثير مما يعتقده نتنياهو. صباح هذا اليوم بدأت تقارير اسرائيلية تتحدث عن فقدان المئات.
 
ثامنا- واخيرا فانه وللمرة الاولى للمواجهات بين المقاومة الفلسطينية في غزة وقوات الاحتلال تكون خسائر اسرائيل البشرية اكبر من عدد الشهداء الفلسطينيين.
 
خلاصة القول ان عملية طوفان الأقصى قد قلبت الواقع في غزة وكل فلسطين بل والمنطقة راسا على عقب، ومهما فعل الاحتلال الاسرائيلي او ما سيفعله في الايام القادمة فانه لن ينجح في تحسين صورته ولن يتمكن من اعادة صورة "القادر على الردع" لجيش الاحتلال التي هزها ابطال حماس من جذورها ومن كل جوانبها، بدليل ان كل بيانات الحكومة الاسرائيلية ومتحدثي الجيش لم يتمكنوا لحد اللحظة من اصدار ما يمكن ان يطمئنوا به المستوطنين، ليس في محيط غزة فقط وإنما في الاراضي المحتلة كلها. هناك من يقول ان اسرائيل ستلجأ كعادتها الى هجوم جوي وقصف مدفعي مضاد سيكون مزلزلا، ولكن مهما فعلت اسرائيل ومهما كانت الأساليب البربرية التي ستلجأ لها من الجو او بالقصف المدفعي العنيف فان ذلك لن ينهي المقاومة ولن يمحي غزة عن الخريطة، وفي نهاية المطاف ستكون اسرائيل مجبرة على التفاوض من اجل استرداد أسراها.
 
اللهم احفظ غزة وابنائها الأبطال. اللهم انصر جندك من المقاومين في معارك الشرف التي يخوضونها. وإن ينصركم الله فلا غالب لكم.

انتهى
https://taghribnews.com/vdcfmxdvmw6dyma.kiiw.html
المصدر : راي اليوم
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز