>> للمقاومة اليد العليا في مفاوضات تبادل الأسرى.. من الوعد الصادق إلى انتصارات المقاومة الفلسطينية في نيتساريم | وكالة أنباء التقريب (TNA)
تاريخ النشر2024 4 May ساعة 00:48
رقم : 634056
د. حامد أبو العز*

للمقاومة اليد العليا في مفاوضات تبادل الأسرى.. من "الوعد الصادق" إلى انتصارات المقاومة الفلسطينية في نيتساريم

تنـا
إن العقبة الأساسية أمام التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، تنبع إلى حد كبير من مقاومة "إسرائيلط لفكرة الهدنة الدائمة. فوفقاً لرئيس الوزراء "الإسرائيلي" نتنياهو، فإن الطبيعة المؤقتة لوقف إطلاق النار المقترح من قبل "إسرائيل" والولايات المتحدة تضمن أنه بمجرد انقضاء المدة المتفق عليها، ستستأنف "إسرائيل" عملياتها العسكرية، وتحديداً استهداف رفح.
للمقاومة اليد العليا في مفاوضات تبادل الأسرى.. من "الوعد الصادق" إلى انتصارات المقاومة الفلسطينية في نيتساريم
موقف "نتنياهو" واضح للغاية وهو، بغض النظر عن أي صفقة محتملة، فإن العمل العسكري ضد رفح وشيك. وعليه فإن عدم التزام "إسرائيل" بوقف دائم للحرب سوف يضر ليس فقط بالمقاومة بل وبالشعب الفلسطيني وذلك لإن "إسرائيل" ستسعيد أسراها وتعطي فرصة استراتحة لقوات جيشها المنهك وستقوم خلال الهدنة باستيراد الأسلحة والذخائر من داعميها الغربيين وستعود بعد ذلك إلى شن عمليات عسكرية ضد الشعب الفلسطيني.

وفي سياق موازي، لا يمكن التقليل من دور الوسطاء في هذه المفاوضات؛ حيث أن الديناميكيات المعقدة للدبلوماسية الدولية تلعب دورها، حيث يواجه الوسطاء (مصر وقطر بشكل أكبر) ضغوطاً كبيرة من الولايات المتحدة لتصوير الفلسطينيين على أنهم العائق الرئيسي أمام
التقدم.

وقد أدت حملة الضغط المنظمة هذه إلى انتقادات علنية أمريكية لقطر، وهي وسيط رئيسي، مما ألقى بظلاله على جهودها للتوسط في السلام. ويبدو أن الاستراتيجية الأمريكية تهدف إلى تصوير المقاومة الفلسطينية على أنها في موقف ضعف، وبالتالي إجبارها على الاستسلام لمطالب لا تتناسب مع مكانتها وتتعارض مع الوضع الفعلي على الأرض.

ويسلط هذا التفاعل المعقد بين الاستراتيجية العسكرية والمناورات الدبلوماسية، الضوء على الصعوبات التي تواجه التوصل إلى اتفاق سلام دائم؛ إن الوسطاء محصورون بين السياسات المتشددة للحكومة "الإسرائيلية" والتكتيكات الدبلوماسية العدوانية للولايات المتحدة، مما يعقد قدرتهم على العمل بفعالية.

إن الرواية الشاملة التي تدفعها الولايات المتحدة، تتطلب أن يذعن الفلسطينيون للشروط التي تقوض مصالحهم وحقوقهم، وهو موقف يتناقض بشكل صارخ مع الحقائق التي يواجهونها. ومثل هذه الظروف تخلق بيئة محفوفة بالمخاطر لأي مفاوضات، مما يجعل احتمال التوصل إلى اتفاق عادل ومستدام بعيد المنال على نحو متزايد.

إن الولايات المتحدة و"إسرائيل" تتجاهلان باستمرار النفوذ والقوة اللتان تتمتع به فصائل المقاومة الفلسطينية، التي تمتلك حاليًا القدرة على إملاء شروط التوصل إلى اتفاق عادل يحمي مصالح الشعب الفلسطيني. وهذه الإغفالات صارخة بشكل خاص بالنظر إلى الخلفية الإقليمية المضطربة حيث تتورط "إسرائيل" في جبهات صراع متعددة يحتمل أن تكون قابلة للانفجار. وإذا استمر العدوان
على غزة دون التحرك نحو وقف دائم لإطلاق النار، فمن المتوقع أن تزداد حدة هذه الجبهات.

أحد التطورات الحاسمة في الديناميكيات الإقليمية والتي تعزز الموقف الفلسطيني، سواء في التفاوض أو في ساحة القتال، هو التحول الملحوظ في ميزان الردع في أعقاب الهجوم الإيراني غير المسبوق على الأراضي الإسرائيلية.

وكانت هذه العملية التاريخية التي سميت “الوعد الصادق”، بمثابة إعادة معايرة كبيرة في حسابات "إسرائيل" الاستراتيجية، خاصة أنه تزامن مع امتناع "إسرائيل" الملحوظ والعاجز عن الانتقام، وهو القرار الذي تأثر بالافتقار الواضح إلى الموارد الكافية للتعامل مع إيران بشكل فعال.

إن عملية الوعد الصادق عملت وتعمل كمطرقة على رأس "إسرائيل" وتحولت إلى كابوس إسرائيلي دائم. هذا الكابوس يدفعهم كل يوم إلى تخزين المياه وإدخال مولدات كهرباء جديدة تحسباً واستنفار أمني وسيبراني دائم خشية من إيران.

ويسلط هذا الوضع الضوء على البيئة الجيو- سياسية المتطورة والمعقدة التي تواجهها إسرائيل بشكل متزايد في الشرق الأوسط، والتي تزداد تعقيداً وحدة بسبب اشتعال الجبهة الجنوبية في لبنان وجبهة البحر الأحمر في اليمن.

وفي داخل قطاع غزة، أصبح صمود أبطال
فصائل المقاومة أكثر وضوحًا. وعلى الرغم من استمرارالحرب لمدة سبعة أشهر، فإن هذه الفصائل لا تحتفظ بالسيطرة على ساحة المعركة فحسب، بل إنها تعمل أيضًا على تشكيل مسار الصراع وأخذ زمام المبادرة.

عززت الأجنحة العسكرية لهذه الفصائل، بما فيها كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب الناصر صلاح الدين، تواجدها على طول نقاط التماس الحيوية داخل القطاع.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك عملياتهم على طول محور نتساريم، وهو ممر استراتيجي يقسم الأجزاء الشمالية والوسطى والجنوبية من غزة. وهنا، اندلعت اشتباكات عنيفة، اتسمت بقصف كثيف بقذائف الهاون وهجمات صاروخية على المواقع الإسرائيلية والمستوطنات القريبة وهو دليل واضح على قدرات المقاومة الفلسطينية العملياتية ورسائلها الاستراتيجية.

يسلط هذا العرض الدائم للقوة الضوء على أنه بعد أكثر من 200 يوم من الحرب، لا تحافظ المقاومة على بنيتها التحتية وخلاياها التشغيلية فحسب، بل تسيطر أيضًا على الديناميكيات التي تؤثر على عملية صنع القرار الإسرائيلي. ويتناقض هذا النفوذ بشكل صارخ مع تطلعات إسرائيل السابقة لوجود دائم في غزة، والذي تضمن إدارة الشؤون اليومية من خلال زعماء قبليين ومدنيين
معينين، أو، على الأقل، تحويل غزة إلى منطقة مرنة ورخوة للعمليات المستمرة.

وفي نهاية المطاف، فإن المقاومة ذات النفس الطويل والدفاع العنيد قد أجبرت "إسرائيل" على التشكيك في استدامة مواقعها العسكرية، وخاصة على طول محور نتساريم المتنازع عليه بشدة. وبينما تفكر "إسرائيل" في الأمور اللوجستية والمخاطر المتعلقة بالحفاظ على قواتها بعد وقف إطلاق النار، فإنها تواجه معضلات استراتيجية حول جدوى وجودها على المدى الطويل في المنطقة، مما يشير إلى إعادة تقييم محتملة لأهدافها واستراتيجياتها في غزة. وتعكس عملية إعادة التقييم المستمرة هذه من جانب إسرائيل الشكوك والتحولات الأوسع قدرات إسرائيل العسكرية، مما يسلط الضوء على التفاعل المعقد بين المشاركة العسكرية والاستراتيجية الجيو- سياسية مما يسمح لأي عاقل بأن يصل إلى نتيجة مفادها بأن هذا النظام المتزعزع داخلياً والمتآكل عسكرياً آيلٌ إلى الزوال.

وفي الختام، فإن المشهد الجيو- سياسي الحالي في الشرق الأوسط، والذي تشكله المواجهات العسكرية والمفاوضات الدبلوماسية، يسلط الضوء على التحديات الهائلة التي تواجه التوصل إلى اتفاق سلام شامل ودائم.

إن المقاومة المستمرة من جانب السياسات الإسرائيلية والأمريكية تجاه وقف دائم لإطلاق النار، إلى جانب التأثير الكبير للفصائل
الفلسطينية في الحفاظ على المواقع الاستراتيجية والقدرات العملياتية، تؤكد وجود اختلال عميق في الأهداف والتصورات.

إن قدرة المقاومة على التأثير على الاعتبارات التكتيكية الإسرائيلية، حتى في ظل الصراع الشديد والضغط الدبلوماسي، لا تُظهر مرونتها فحسب، بل تُظهر أيضًا دورها المحوري في تشكيل مسار الصراع وإدارته وفرض شروطها العادلة لصفقة تبادل الأسرى.

وبينما تقف قضية غزة على مفترق طرق هذه الأيام، يتعين على المجتمع الدولي أن يدرك التعقيدات التي تحيط بهذه الديناميكيات وأن يعيد النظر في النهج الذي ينبغي اتباعه في التعامل مع مفاوضات السلام. ولكي تنجح أي عملية سلام، يجب أن تكون شاملة، وتعترف بالتطلعات المشروعة ونقاط القوة لدى المقاومة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وأمنه.

ولن يتسنى لنا أن نأمل في التوصل إلى حل مستدام إلا من خلال عملية تفاوض متوازنة وعادلة، وخالية من الضغوط الخارجية غير المتناسبة والخطابات المتحيزة. ويتطلب هذا تجديد الالتزام بالدبلوماسية وإعادة تقييم حقيقية للاستراتيجيات التي لم تؤد حتى الآن إلا إلى إدامة دورات العنف وعدم الاستقرار ومزيد من جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الأعزل في غزة.

انتهى 
_________________________________
كاتب فلسطيني/
باحث السياسة العامة والفلسفة السياسية
https://taghribnews.com/vdcdko099yt0sz6.422y.html
المصدر : راي اليوم
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز