قال رئيس المجلس الاعلى لمجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية في ايران "مولوی اسحاق مدني" : إذا اراد المسلمون حقاً، أن يحلّوا مشاكل العالم الإسلامي، فلابدّ لهم من تحكيم لغة الحوار، كذلك لابدّ من التحقيق والمناظرة، على ان يتمّ ذلك بين من هم أهلٌ لهذا الأمر، وبين من هم يتمتعون بالإخلاص، وبين الساعين وراء الحوار والذين يريدون حل المشاكل.
"مولوي اسحاق مدني"، صرح بذلك في كلمة ادلى بها خلال الاجتماع الافتراضي للمؤتمر الدولي للوحدة الاسلامية الـ 37؛ حيث هنأ لمناسبة حلول "أسبوع الوحدة" (12 الى 17 ربيع الاول 1445 هـ) الذي يتزامن مع ذكرى مولد النبي الاكرم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه واله وسلم)؛ مؤكدا بانها "مناسبةٌ تبعث السرور والسعادة في قلب جميع المسلمين وليست هناك فرقةٌ من الفِرق الإسلامية لا يُسرّها ولا يُسعدها هذا اليوم ولا تفرح به".
وفيما يلي نص كلمة رئيس المجلس الاعلى للتقريب بين المذاهب الاسلامية مولوي اسحاق مدني خلال مؤتمر الوحدة الدولي الـ 37 – الندوة الافتراضية :
يقوم مجمع التقريب الإسلامي كل عام بمناسبة أسبوع الوحدة الذي يكون متزامناً مع مولد الرسول الأكرم بدعوة ممثلي المسلمين والعلماء الأفاضل والشخصيات المثقّفة من كل أنحاء العالم طبعاً في حال الإمكان ومن دون أعذار ويتم البحث في مؤتمرٍ دولي حول مواضيع مختلفة عن العالم الإسلامي. مؤتمر الوحدة هذا العام هو المؤتمر السابع والثلاثون ويفخر مجمع تقريب العالم الإسلامي بهذه المناسبة أيضاً أن يتم الخوض بما يخص مشاكل العالم الإسلامي وبمواضيع مختلفة.
ما أودُّ أن أتطرق إليه وأتحدث به على مسامعكم هو موضوع الاختلاف. الاختلاف هو موضوعٌ موجودٌ بين البشر شئنا أم أبينا، حيث إنّ الاختلاف ينشأ من الفكر، والناس لهم أفكارٌ مختلفة سواءً كانوا أناساً متدينين أو غير متدينين. نرى وجود اختلاف في علوم السياسة، في الاقتصاد هناك اختلاف، في المسائل الاجتماعية هناك اختلاف، كذلك لا مهرب من الاختلاف بين العلماء والمتخصصين في القضايا الدينية والمذهبية، لأن الوقائع التي تحدث في العالم لم يكن فيها اختلافٌ في زمن النبي (ص) عندما كان ينزل الوحي، بل ظهرت هذه الاختلافات في الواقع بعد النبي بشكلٍ عام، والسبب في ذلك ظهور قضايا جديدة وعندئذٍ ستكون الانطباعات مختلفة وسيقع الخلاف شئنا أم أبينا.
في الوقت ذاته، فإنّ الاختلاف أمرٌ ضروري، حيث يتوجب على العلماء أن يعطوا رأيهم في تلك القضايا الجديدة الواقعة وكذلك المجتهدون والمثقّفون في العالم الإسلامي يتوجب عليهم إبداء الرأي وبكل تأكيد لن تكون هذه الآراء على سويةٍ واحدة، فهذا ليس وحياً يوحى من قِبل الله، أو لو كان وحيّاً نازلاً، فمن الممكن أن يقع الخلاف فيما نزل.
اذن الاختلاف أمرٌ حتمي ولا مهرب منه، ومن الممكن وقوع خلافات في المستقبل أيضاً. ولكن ماذا لو كان هذا الاختلاف من باب الحرص على الإسلام وفي سبيل خدمة الأمة الإسلامية وأن نعتقدَ أنه ليس فقط أمراً غير سيئ بل إنه سببٌ في الخير والبركة؛ في عالم اليوم الجميع لديهم برلمانات، يجلس في تلك البرلمانات ممثلون عن الناس وعادةً ما يكون هناك حزبان، حزبٌ مؤيد وحزبٌ معارض ولكلٍ منهما قيادته ويقومون بهذا العمل عمداً، فلن تتوضح الأمور ما لم يكن هناك مؤيدون ومعارضون، يقومون بتبيين الأمور ويتحدثون بها، عندئذٍ يعملون وفق ما تقوله الأغلبية.
المسائل الدينية والمذهبية لها نفس الطريقة، حيث يحدث هذا الاختلاف على أساس المبادىء الاجتهادية وتلك الأسس التي يستند إليها العلماء، وإذا يحصل هذا الاختلاف بإخلاص وحسن نية مع تلك الأهداف التي يرمي إليها الإسلام، فذلك سوف يؤدي إلى التطور والتنمية. ولكن إذا يكون الاختلاف على أساس الأنانية أو سوء النية وأن يعمل الفرد وفق كلامه وفكره معتبراً إياه صحيحاً دون الاكتراث لآراء الآخرين فهذا بكل تأكيد سوف يؤدي إلى الفتنة والمشاكل وقد مررنا في الإسلام بهذين النوعين.
لقد حدث خلافٌ في صدر الإسلام وكان خلافاً كبيراً، لكن في ذلك الوقت لأن الهدف الأساسي كان سمو الإسلام رأينا أن هذا الخلاف لم يسبب أي أذى للأمة الإسلامية في ذلك الوقت، فالجميع كانوا معاً من أجل تطور الإسلام وتبيين الأحكام الإسلامية وهداية المسلمين والدعوة للإسلام بأنه دينٌ مقبولٌ لدى الناس وهكذا تم تقديمه للعالمين وانتشر في مدة قصيرة واعتنقت البلدان الإسلام زمراً زمراً، لكن فيما بعد عندما حلّت الأنانية وكانت الخلافات تتبع غايات خاصة للأشخاص الذين يقومون بتأجيج هذه الخلافات وكان الجميع بعيدين عن الإخلاص، فعند ذلك أخذ هذا الخلاف طابع الحرب والشجار حتى أن بعض الأمور حدثت في الإسلام وهي تتعارض أساساً مع روح الإسلاح.
لقد سمعتُ فيما مضى عندما كان الروس مخالفين لإيران وكانت قد بدأت الحرب، فقد قيل في بعض الدول الإسلامية، دعوهم لا تدعموهم، حيث إنّ الشعب الإيراني والحكومة الإيرنية طلبا التضامن وساهموا فيه، لكن حتى العلماء هناك قالوا دعوا الروس يقتلونهم.
عندما يكون لأحد المسلمين مثل هذه العقيدة تجاه مسلمٍ آخر نتيجة الخلافات فيما بينهما ويطرح هكذا مسألة، فبكل تأكيد هناك خطرٌ على الإسلام.
أو عندما نرى مثلاً في زماننا أن أحدا من اتباع المذاهب سواءً من الشيعة أو السنة يتحدث ولا يكون مصيباً في كلامه ولا يكون سائراً في طريق الاعتدال، فنرى أنه يبيّن القضايا بشكلٍ غير مستحسن وخاصةً اليوم.
في الماضي إذا كانت ثمة خلافات، كانت تستغرق وقتا لكي تصل آثارها إلى أماكن بعيدة، لكن اليوم تقوم وسائل الإعلام بإيصال هذا النوع من القضايا بنفس الدقيقة ليس فقط الى العالم كله بل إلى جميع المنازل، أي أن مسافة آلاف الكيلومترات تحولّت إلى لحظة واحدة، فتصل هذه الخلافات في لحظة واحدة إلى أماكن أخرى وتسبّب البضغاء والحقد وحتى القتل والنهب والمجازر والهدر في أموال الغير وآلاف المصائب والمشاكل الأخرى للإسلام.
لذلك إنّ التحقيق والحوار ليسا مذمومين في الإسلام بل على العكس إنهما جيدان، لكن بشرط أن يراعي الجانبان الإخلاص وأن يتحدث كلاهما بكلامٍ منطقيٍ وصحيح وأن يقدّم الجانبان طرقاً وحلولاً للإسلام والمسلمين بما يعزز الإسلام ويوضّح القضايا والأمور. إذا كان الأمر هكذا فإنه ممدوحٌ ومستحسنٌ للغاية. لكن إذا كان هذا الخلاف يرتكز على الإساءة لبعضنا البعض، يرتكز على تبادل التهم فيما بيننا وتكون هذه الخلافات والكلمات التي نتكلم بها اليوم أحادية الجانب من خلال بعض وسائل الإعلام، بحيث أحدهما يتكلم والآخر غير موجود وأن نقوم بالافتراء كيفما نشاء ونسخر من مقدّسات بعضنا البعض ونضع علامات الاستفهام عليها وأن يقوم مذهبٌ بالدعوة والتبليغ لنفسه طبعاً لا مشكلة في هذا إذا كانت حيثيات الدعوة إيجابية لكن ذلك التبليغ الذي يحمل السلبيات في طياته، فيخطّىء الجانب الآخر ويسخر منه، فهذا جميعه يؤدي إلى خلق المشاكل في العالم الإسلامي.
أساس العمل هو أنه، إذا اراد المسلمون حقاً، أن يحلّوا مشاكل العالم الإسلامي، فلابدّ لهم من تحكيم لغة الحوار، كذلك لابدّ من التحقيق والمناظرة، على ان يتمّ ذلك بين من هم أهلٌ لهذا الأمر، وبين من هم يتمتعون بالإخلاص، وبين الساعين وراء الحوار والذين يريدون حل المشاكل.
إذا يكون هذا الأمر مطروحاً للعموم ويشارك فيه أشخاصٌ لا يهضمون هذه القضايا ولا يدركونها ولا يفهمونها أو لا يأخذون مصالح الإسلام بعين الاعتبار، فبكل تأكيد سيشكل ذلك ضرراً على العالم الإسلامي، كما هو الأمر عليه الآن بوجود جماعات متطرفة في المذاهب الإسلامية المختلفة حيث تتعامل بتطرف مع القضايا الواقعة. بحول الله وقوته نتمنى الإستفادة القصوى من هذا النوع من المؤتمرات والفرص بما يحقق مصالح الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي.
نهاية المقال