الصهاينة هم وراء "الإسلاموفوبيا" والتحريض ضد المسلمين
ما يجري حالياً في الولايات المتحدة ضد المسلمين هو نتيجة التطرف في صفوف الحركة الإنجيلية الصهيونية في الولايات المتحدة، وفي الحقيقة فإن الكيان الصهيوني الذي يقود الحركة الإنجيلية الصهيونية يوجه سيلاً من الاتهامات الواهية ضد كل القضايا والمواقف الإسلامية، مستخدما في ذلك وسائل الإعلام سعياً إلى إثارة الناس والمجتمع ضد الإسلام والمسلمين.
شارک :
وكالة أنباء التقریب (تنا) : على هامش إجتماع أعضاء المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الذي عقد مؤخراً في العاصمة طهران، التقى مراسل وكالة أنباء التقریب بالمفكر الإسلامي الدكتور محمد العاصي عضو المجلس الأعلى للمجمع وأحد أبرز الشخصيات الإسلامية في الولايات المتحدة وإمام المسجد الكبير في واشنطن، فكان هذا الحوار:
س: نرحب بكم في هذا الحوار، ولنبدأ أولاً بالأوضاع التي يعيشها المسلمون في الولايات المتحدة الأميركية، ما هو تقييمكم لهذه الأوضاع على الصعيدين الإجتماعي والإقتصادي؟
- بداية يجب التنويه إلى أنه ليست هناك إحصائية دقيقة لعدد المسلمين في الولايات المتحدة، إذ ليست هناك في الحقيقة رغبة لدى أحد بإجراء إحصائية في هذا المجال، ورغم أن بعض الدراسات الجامعية الأميركية تقدر عدد المسلمين في الولايات المتحدة بحوالي ثمانية ملايين نسمة، إلا أن البعض يعتقد أنهم عددهم يتجاوز ذلك، كما يرى آخرون أنهم أقل من هذا العدد، لكن يمكن اعتبار الإحصائية المذكورة متوسط عدد المسلمين في أميركا.
ويمكن تصنيف أصول المسلمين في الولايات المتحدة إلى ثلاث مجموعات، فهناك الجاليات المسلمة التي هاجرت من بلدانها الأصلية باتجاه الولايات المتحدة واستقرت فيها، وهناك المسلمون الذين ولدوا في أميركا ونشأوا ابتداءا في بيئة غير إسلامية كالمسيحية أواليهودية أو... ثم تدينوا بعد ذلك بدين الإسلام بمحض رغبتهم وإرادتهم الشخصية بعد أن اطلعوا على المعاني والمفاهيم الإسلامية، والمجموعة الثالثة عبارة عن المسلمين الذين ولدوا في الولايات المتحدة، وهم لا يعتبرون أنفسهم مهاجرين إليها لأنهم لم يتركوا بلدانهم الأصلية، ويعود الكثير منهم -إن لم نقل معظمهم- إلى أصول أفريقية وأميركية، وهم الذين يعبر عنهم هناك بالمسلمين السود. هذه المجموعات الرئيسية الثلاث تشكل ما يبلغ مجموعه حوالي ثمانية ملايين مسلم في الولايات المتحدة.
أما بالنسبة للأوضاع الإجتماعية والإقتصادية لمسلمي أميركا، يمكن القول بصورة عامة أنهم ينتمون لشريحة الطبقة المتوسطة من شرائح المجتمع الاميركي، وهذا لا يعني أنه لا يوجد فيهم فقراء، شأنهم في ذلك شأن سائر أتباع الديانات الأخرى، لكنهم بشكل عام في مستوى الطبقة المتوسطة فما فوق.
ويعيش معظم مسلمي أميركا في المدن الرئيسية الكبرى مثل ديترويت ونيويورك ولوس أنجلوس وهيوسطن ودنيفر وميامي و...
وفيما يرتبط بالحالة المذهبية، فمسلمي الولايات المتحدة وكسائر مناطق العالم، فيهم من يعتبر نفسه سنياً، وآخر يعتبر نفسه شيعياً، كما أن هناك من ينتمون إلى الصوفية سواء من الشيعة أو السنة.
س: تحدثتم عن تغيير المعتقد والتدين بدين الإسلام في أميركا، ولكن هناك قضية أخرى تطرح بشكل متزايد هناك، وهي مسألة التخويف والترهيب من الإسلام أو ما يصطلح عليه بـ"الإسلاموفوبيا"، ما هو تقييمكم حول هذا الموضوع؟ وأي الحالتين تطغى على الأخرى؟
- حسناً، حينما تتحدث حول الإسلاموفوبيا، هذه المسألة هي في الحقيقة أداة بيد الحكومة والسلطة، الترهيب من الإسلام ليست حالة وظاهرة وجدت بصورة طبيعية في المجتمع الأميركي، هذه الظاهرة برزت في العشر أو العشرين سنة الأخيرة، أو الثلاثين سنة الأخيرة كحد أقصى، أتذكر حينما عدت للولايات المتحدة في السبعينات من القرن الماضي، كنت أصوم في شهر رمضان، وكان زملائي يستغربون من هذا العمل، إذ لم يكونوا يعرفون شيئاً عن شهر رمضان والصيام والدين الإسلامي، كل شيء كان غريباً ومبهماً بالنسبة لهم، وحينما يكون الشيء مبهماً وغير واضح بالنسبة للناس، فهذا لا يستوجب بالضرورة أن يتخذوا تجاهه موقفاً سلبياً وعدائياً، إلا أن الأوضاع السياسية العالمية تغيرت بوتيرة متسارعة في العقود الأخيرة، وبطبيعة الحال فقد أدى الإسلام دوراً كبيراً في هذه التغيرات، فبرزت إثر ذلك دول زعمت تدخل الدول الإسلامية في تعيين مصيرها، واعتبرت أن ذلك يضر بما سمته مصالحها القومية، وعلى هذا الأساس شرعت تلك الدول بنشر الإشاعات السلبية والتحريض ضد المسلمين، وهكذا نشأت ظاهرة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة وتخويف المجتمع الأميركي من الإسلام.
في الحقيقة إن ما يتم طرحه عبر وسائل الإعلام المناهضة للإسلام قد أثر بشكل كبير على تزايد إقبال المجتمع الأميركي على معرفة المزيد عن الدين الإسلامي، أي أن الناس يقولون "ما هذا الإسلام الذي يتحدثون عنه؟ سمعنا الكثير عن هذا الدين من خلال وسائل الإعلام التي تتحدث عنه برؤية سلبية ونريد أن نعرف المزيد عن الإسلام". حب الإستطلاع هذا تسبب في أن يتوجه الناس إلى محلات بيع الكتب والمكتبات لاكتساب معلومات أكثر حول الإسلام، بل حتى ان بعضهم اتجه إلى الإسلام نتيجة ذلك.
أعتقد أن الرؤية المذهبية الضيقة هي التي جعلتهم يتخوفون من الإسلام، إنهم خائفون من تزايد التوجه نحو الإسلام في المجتمع، وهذا لا شك يعود بالأساس إلى الجهل وعدم المعرفة بالإسلام.
س: تطرقتم إلى مسألة الجهل وعدم المعرفة، هل إن هذا الجهل هو السبب في القيام بإحراق القرآن؟ هل إنهم لا يعلمون حقاً ما هو مذكور في القرآن الكريم؟
- المجتمع الأميركي شهد لحد الآن العديد من الأعمال التخريبية والإجرامية ضد المسلمين، وحتى أن أحد المسلمين قتل طعناً بالسكين في نيويورك، كما أحرقت بعض المراكز الإسلامية، ولم يعرف لحد الآن هوية منفذي هذه الحوادث، أضف إلى ذلك أن بعض المسلمين في أنحاء مختلفة من البلاد يطالبون السلطات بإعطاء تراخيص لبناء مساجد في مناطقهم، لكنهم لم يحصلوا عليها لحد الآن.
هذه الأمور وغيرها تشير في الحقيقة إلى التطرف الموجود حالياً في صفوف الحركة الإنجيلية الصهيونية في الولايات المتحدة، في الحقيقة، فإن الكيان الصهيوني الذي يقود الحركة الإنجيلية الصهيونية يوجه سيلاً من الاتهامات الواهية ضد كل القضايا والمواقف الإسلامية، مستخدما في ذلك وسائل الإعلام سعياً إلى إثارة الناس والمجتمع ضد المسلمين، وهذه الظاهرة تشهد حالياً نمواً متزايداً.
وبصورة عامة فالقول بأن المجتمع الأميركي بأسره يعادي الإسلام كلام غير دقيق، ولكن يجب القول بأن وسائل الإعلام وما وراءها من أهداف وسياسات حكومية هي التي تعادي الإسلام وتثير الناس ضده، واذا استمرت هذه الحالة وهذه السياسات المتبعة فيجب علينا أن ننتظر تزايد التوجهات المعادية للإسلام داخل المجتمع الأميركي في المستقبل القريب.
س: فيما يرتبط بالعلاقة بين المسيحيين واليهود والمسلمين، هل قدم المسلمون في أميركا شيئاً في هذا المجال؟ وهل هناك خطوات وأنشطة فاعلة على صعيد الحوار بين الأديان؟
- نعم هناك بعض التواصل بين أتباع الأديان الثلاثة في العقد أو العقدين الأخيرين من خلال ملتقيات دينية يجتمع فيها المسيحيون واليهود والمسلمون فيما بات يعرف بمؤتمرات حوار الأديان ليتعرفوا من خلالها على بعضهم البعض، وقد تعقد العشرات من هذه الملتقيات طوال العام في أنحاء متفرقة من الولايات المتحدة، ولكن دعني أقولها بكل صراحة، هذه الملتقيات رغم كونها تبدو في الظاهر أمراً جيداً، لكنها فارغة عن المحتوى والمضمون، فالناس يذهبون إلى هذه الإجتماعات ويجلسون مع الآخرين، وقد يتكلمون بأمور تعجب الحضور والمشاركين، لكنهم لا يرغبون في طرح المسائل والقضايا الأساسية والهامة، وبالتالي لا تحقق هذه الإجتماعات أهدافها الرئيسية، ولا تترك أي أثر إيجابي في الخارج، والنتيجة هي استفراد وسائل الإعلام بالجماهير في الولايات المتحدة بمواقفها المناهضة والمعادية للإسلام والمسلمين، وحث الرأي العام على الإعتقاد بأن الإسلام أمر غير مرغوب فيه وأنه لا يتلاءم مع النسيج الإجتماعي في أميركا، هذا هو بالضبط ما يجري على أرض الواقع، نعم هناك الكثير ممن لهم نوايا حسنة سواء من المسيحيين أو المسلمين، لكن المشكلة هي أنهم لا يستطيعون مواجهة هؤلاء لأنهم يفتقدون الأدوات والإمكانيات المادية اللازمة، وللأسف فإن جميع الإمكانيات والوسائل هي بيد مثيري المشاكل الذين يعاني منهم المجتمع الإسلامي وكذلك المجتمع المسيحي في الولايات المتحدة، والذين يستخدمون قدراتهم وإمكانياتهم لإثارة العصبيات والخلافات الدينية في المجتمع.
س: ما هو تقييمكم حول مستوى العلاقات بين المسلمين أنفسهم في الولايات المتحدة؟
- أعتقد أنهم بعيدون عن بعضهم البعض، لو كان بإمكانهم أن يتوحدوا لاختلفت الأوضاع عما هي عليه الآن .....
س: أين تكمن المشكلة بالتحديد؟ هل إن المسألة المذهبية مطروحة هناك أيضاً؟
- هذا جزء من المشكلة.
س: الجميع مستغربون، كيف أن الشيعة والسنة الذين يؤمنون بإله واحد، ويعتقدون بنبي واحد، ويتوجهون نحو قبلة واحدة، ولهم كتاب واحد و...، كيف يمكن لهم أن يختلفوا؟ نعم هناك اختلافات بسيطة بينهم في بعض المسائل الجزئية والهامشية، لكن السؤال هو أنه كيف ولماذا يتم تضخيم هذه الإختلافات الجزئية بهذه الصورة التي أدت إلى تفرقهم وتشتتهم؟
- الجواب بسيط، إنهم لا يعرفون بعضهم البعض، المسلم السني لا يرغب بالذهاب إلى مساجد الشيعة، والمسلم الشيعي لا يرغب بالذهاب إلى مساجد السنة، كيف يمكن لهم إذن أن يتعارفوا فيما بينهم.
في الحقيقة حينما يتعارفون مع بعضهم، سيقول أحدهم للآخر: "مهلاً... ليس هنالك بيننا اختلاف يذكر... إلهي! كنا نتصور أن الإختلافات كثيرة جدا".
أجل، إن الإختلافات بينكم كثيرة جداً، لأنكم ابتعدتم عن بعضكم كثيراً، وطالما استمر هذا الإنقطاع والتدابر، استمرت التشكيكات والشبهات والمعلومات المغلوطة عن بعضكم الآخر، وحينما ترفعون الفواصل والفروقات بينكم، ستعرفون كم إن الإختلافات بينكم هامشية وجزئية.
س: الفتوى التي أصدرها قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي بخصوص حرمة النيل من رموز المسلمين وحرمة الإساءة لأم المؤمنين السيدة عائشة، قوبلت بردود فعل إيجابية في أوساط أهل السنة في مختلف أنحاء العالم، ما رأيكم حول هذا الموضوع؟
- قبل كل شيء أود أن أشير إلى أن فتوى الإمام الخامنئي كانت فتوى حكيمة للغاية، وهي تؤكد أن سماحته حريص على شؤون المسلمين جميعاً، وأنا أعتقد أن هذه الفتوى ينبغي أن تكون مرجعاً للجميع بأن كل من اكتسب احترام النبي (ص) ومحبته ورعايته، يجب على المسلمين جميعاً أن ينظروا إليه نظرة إيجابية.
هناك في لندن، وفي إحدى أيام شهر رمضان المبارك، يظهر فجأة كويتي ربما كانت له تجارب سلبية في حياته الشخصية، ويتخذ قراراً بالعودة إلى رفاقه، في الحقيقة، إن بريطانيا قد مضى عليها مئات السنين وهي تحاول خلق الفتن وإيجاد الإختلاف بين المسلمين في العالم الإسلامي. هناك فرق مختلفة متواجدة في البلدان الإسلامية، تم إنشاؤها وصناعتها على يد الإنجليز، البهائية في إيران، الغريانية في باكستان، كلها في الواقع منتجات إنجليزية، وحتى أن بإمكاننا اليوم أن نلمح الأيادي الإنجليزية في هذه الفرق والجماعات.
وهكذا تتكرر الحكاية، في بريطانيا، مهد إثارة المتاعب للعالم الإسلامي، يعقد شخص اجتماعاً في إحدى أيام شهر رمضان، يتهجم فيها بألفاظ بذيئة على أزواج النبي، وكان من الممكن لهذه الحادثة أن تظل بعيدة عن عيون وسائل الإعلام، لكننا نرى أن هذا لم يحصل، ولهذا السبب نستنتج أن هذا الشخص إما أن يكون عميلاً لأجهزة المخابرات، أو أن تكون له علاقة وثيقة مع هذه الأجهزة ويأتمر بأوامرها لزرع الخلافات بين المسلمين، فالمسألة ذات الأولوية القصوى بالنسبة للإمبرياليين والصهاينة في الوقت الراهن، هو إيجاد الفرقة وإثارة الخلافات بين المسلمين، بمختلف الطرق والأساليب.
إن فتوى الإمام الخامنئي هي فتوى حكيمة للغاية صدرت في وقت مناسب جداً لتضع حداً للتطرف والعصبيات، فالمتطرفون موجودون في كلا الطرفين. حينما يتكلم أحد المتطرفين من الشيعة بمثل ما تكلم به هذا الكويتي، يظهر في أهل السنة شخص متطرف يتحدث بأمر آخر يسيء فيه للشيعة، وهكذا يستمر الإثنان في العزف على الوتر الطائفي وإثارة النعرات الطائفية، حينها سيتفرق المسلمون، ويتشتت شملهم، ويرتاح بال المخططين لهذا الأمر بأن الفرقة بين المسلمين باتت مترسخة ومتجذرة. من هنا فإن هذه الفتوى صدرت في وقت مناسب للغاية، وكان لها وقع مؤثر في أوساط المسلمين ممن لهم رؤى منفتحة وأفكار سليمة ومعتدلة، وقد قوبلت بإشادة وترحيب بالغين على جميع المستويات.
وفي المقابل، يجب على السنة أو سائر المدارس الفكرية الأخرى، أن يشمروا عن سواعدهم ويبادروا إلى إصدار فتاوى بخصوص التصريحات السلبية التي يصدرها المتطرفون السنة، لتكتمل بذلك حلقة التأثير. ما أعنيه هو أن الإمام الخامنئي قد أصدر هذه الفتوى في إطار من النسيج الشيعي ضد المتطرفين من الشيعة، ولذا يجب أن تكتمل حلقة التأثير بإصدار فتوى داخل إطار النسيج السني ضد المتطرفين من السنة، فإن مسألة التكفير هي من المسائل التي ابتلينا بها بكثرة، وكان من الجدير في مقابل هذه الفتوى أن يتم إصدار فتوى داخل إطار النسيج السني تقف بوجه التكفير وتتصدى للتكفيريين.