المجتمعات الإسلامية أصبح لديها قناعة بضرورة اتباع منهجية التقريب
السيد خسروشاهي: المجتمعات الإسلامية سواء على مستوى العلماء والنخب أو الناس العاديين، أصبح لديها قناعة وإيمان بضرورة اتباع منهجية التقريب من أجل تحقيق الأهداف الإسلامية المتوخاة وإيجاد الوحدة الشاملة بين المسلمين، باعتبار أن ذلك هو الطريق الناجع الوحيد للتحرك في هذا الإتجاه.
شارک :
وكالة أنباء التقریب (تنا) : تستضيف العاصمة طهران في ربيع الأول المقبل مؤتمر الوحدة الإسلامية الدولي في نسختها الرابعة والعشرين بمناسبة مولد الرسول الأعظم (ص) وحفيده الإمام الصادق (ع) وأسبوع الوحدة الإسلامية وبمشاركة كوكبة من علماء ومفكري العالم الإسلامي.
المؤتمر الذي ينظمه سنوياً المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، يعتبر أحد أهم الإنجازات المؤثرة التي حققتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ تأسيسها على صعيد التقريب بين المذاهب والتقارب في وجهات النظر والتواصل والتفاعل بين علماء ومفكري الأمة المخلصين والحريصين على وحدتها وعزتها وتماسك أبنائها ووقوفهم صفاً واحداً بوجه التحديات الخطيرة المحدقة بهم في المرحلة الراهنة.
هذا الموضوع كان محور حوارنا مع الأستاذ السيد هادي خسروشاهي أحد الشخصيات العلمية البارزة والذي يمتلك سجلاً حافلاً بالإنجازات والنشاطات القيمة في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية، وإليكم فيما يلي نص الحوار:
س: لنبدأ سماحة السيد بجذور فكرة التقريب بين المذاهب ووحدة الأمة الإسلامية، متى نشأت؟ وكيف؟
- أولاً يجب الإشارة إلى أن أساس فكرة الوحدة الإسلامية والألفة بين المسلمين يعود تأريخه إلى صدر الإسلام وفي حياة النبي الأعظم (ص)، وذلك حينما أمر القرآن الكريم المسلمين أن (اعتصموا بحبل الله جميعاً) و(لا تفرقوا)، مذكراً إياهم بالنعمة الإلهية إذ ألف سبحانه وتعالى بين قلوب المسلمين والتي لم تكن لتتحقق إلا بفضل من الله جل وعلا.
وبعد وفاة النبي الأعظم (ص) وما استتبع ذلك من خلاف على مسألة الخلافة، شهدت الأمة الإسلامية عصر تأسيس المذاهب وتنوع القراءات للدين الإسلامي، فتهيأت الأرضية المناسبة لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى لبث الفتن وإثارة الخلافات بين المسلمين في محاولة منهم لإيقاف عجلة التقدم والإزدهار الإسلامي.
ورغم هذه المحاولات الخبيثة إلا أن جهود أئمة أهل البيت (ع) في نشر العلوم والمعارف الإسلامية كان لها الأثر البالغ في الحد من آثار تلك الدسائس والمؤامرات المشؤومة والتقليل من شأنها، وخاصة ما لو أخذنا بنظر الإعتبار أن بعض أئمة السنة كالإمام أبي حنيفة والإمام مالك قد شاركوا في حلقة درس الإمام الصادق (ع) وتلمذوا عليه، وهذا إن دل على شيء لدل على أن أئمة المسلمين وأكابر العلماء والشخصيات الإسلامية كانوا يولون أهمية كبيرة ويسعون بشكل عملي للتقريب ووحدة الأمة الإسلامية، حتى أنا نجد الإمام الشافعي يقول في إحدى الأبيات الشعرية: إن كان رفضاً حب آل محمد ... فليعلم الثقلان أني رافضي.
وفي المقابل كانت هناك وللأسف محاولات مستمرة سواء من الداخل الإسلامي أو خارجه لضرب وحدة الصف والحيلولة دون انتشار الإسلام والتصدي للمد الإسلامي في المنطقة والعالم، فبرز هناك البعض ممن تلبسوا بلبوس الدين والعلم من المسلمين وراحوا يضعون الأحاديث وينشرون الأكاذيب والإفتراءات لتعميق الفجوة وإثارة الخلافات بين المسلمين حفاظاً على مصالحهم ومنافعهم الشخصية والطائفية.
ولكن كما أشرت فقد كانت لمواقف وإرشادات أئمة أهل البيت (ع) وسائر أئمة المذاهب الإسلامية الدور الفاعل في الحد من تصعيد الخلافات من خلال تأكيدهم المتواصل على ضرورة التآخي والتآلف وتحكيم أواصر الوحدة الإسلامية بين المسلمين، وفي الحقيقة فقد شهدت هذه الفترة أول انطلاقة لفكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية.
س: ما هي المراحل والخطوات التي مرت بها مسيرة التقريب بين المذاهب؟
- نشوء هذه الفكرة وتكاملها خلال الأزمنة الماضية في المجتمعات الإسلامية، لم يكن أبداً على نمط أو سياق واحد، بل إنها كانت تتبع في ذلك مجموعة عوامل ومؤثرات زمانية ومكانية مختلفة، ولا يخفى أن دراسة تأريخ هذه المسيرة الذي يعود إلى أكثر من ألف عام بحاجة إلى تأليف كتاب بل موسوعة ولا يمكن الإحاطة بكافة الجوانب في مثل هذا الحوار أو حتى الإشارة إلى فهارس هذا الموضوع.
س: برأيكم ما هي المكانة التي تحتلها فكرة التقريب في أوساط المجتمع الإيراني سواء على مستوى العلماء والمثقفين أو على مستوى عامة الناس، وخاصة بعد انتصار الثورة الإسلامية؟
- بداية يجب الإشارة إلى أنه رغم كل التحديات التي تواجهها فكرة التقريب من قبل البعض من المتحجرين هنا أوهناك، إلا أنه ولحسن الحظ باتت هذه الفكرة محط اهتمام الحوزات العلمية وفي أوساط الجيل الصاعد من طلاب العلوم الدينية مضافاً إلى العلماء والمثقفين، والسبب واضح، فهم يرون بوضوح أن السبيل الوحيد لمواجهة الأعداء من الصليبيين والصهاينة وكذلك العناصر المشبوهة في الداخل الإسلامي من المتطرفين والتكفيريين، يكمن في التقريب بين المذاهب الإسلامية ووحدة المسلمين.
وبصورة عامة أعتقد أن المجتمعات الإسلامية سواء على مستوى العلماء والنخب أو الناس العاديين، أصبح لديها قناعة وإيمان بضرورة اتباع منهجية التقريب من أجل تحقيق الأهداف الإسلامية المتوخاة وإيجاد الوحدة الشاملة بين المسلمين، باعتبار أن ذلك هو الطريق الناجع الوحيد للتحرك في هذا الإتجاه.
س: فيما يتعلق بالشخصيات التي كان لها دور مؤثر في إشاعة ثقافة التقريب، مَن الذين كان لهم برأيكم الدور الأبرز والأكثر فاعلية على هذا الصعيد؟
- المجال لا يسع هنا للتطرق إلى كل رواد حركة التقريب في العصور السابقة، ولكن يمكن الإشارة إلى البعض منهم ممن برزوا خلال القرن الأخير، وفي طليعتهم السيد جمال الدين الأسد آبادي وتلميذه الشيخ محمد عبده، وجاء بعدهما العديد ممن تخرجوا على هذه المدرسة وواصلوا حركة التقريب، في مصر والعراق وإيران والمغرب العربي وبلاد الشام.
وينبغي الإشارة هنا إلى الدور الأساسي للمرحوم آية الله السيد محمد حسين البروجردي في هذا المجال، والذي كان لتعاونه ودعمه لفكرة التقريب باعتباره من أكبر مراجع الشيعة الأثر البالغ في التسريع بهذه الحركة.
وهكذا كان لسائر العلماء والمراجع العظام في العراق وإيران دوراً فاعلاً في دعم هذه الحركة والمضي فيها وفي مقدمتهم السيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد محمد هادي الميلاني، والسيد كاظم الشريعتمداري، والشيخ محمد الخالصي وغيرهم.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني الراحل (قدس سره) وتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تم اتخاذ الكثير من الخطوات العملية الهامة على هذا الصعيد، وكان الإمام الراحل (قدس سره) يؤكد باستمرار في خطبه وبياناته ولقاءاته مع العلماء والشخصيات الإسلامية على أهمية مسألة التقريب وضرورة الوحدة الإسلامية.
وبعد رحيل الإمام الخميني (ره) وتولي سماحة آية الله السيد علي الخامنئي (حفظه الله) لمنصب قيادة الثورة، وفي خطوة جديرة بالثناء والتقدير، أصدر سماحته أمراً بتأسيس (المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية)، وبذلك تم انجاز خطوة كبيرة وقيمة على هذا الصعيد، وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى فقد حقق هذا المجمع ولا زال نتائج إيجابية كثيرة في كل أنحاء العالم الإسلامي، ولا ننسى هنا أن نشيد بالجهود التي بذلها الأمين العام السابق للمجمع آية الله الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني.
س: ختاماً، ما هو تقييمكم للفعاليات والأنشطة التي قام بها المجمع في الفترة الأخيرة، أي منذ تولي سماحة آية الله الشيخ محمد علي التسخيري لمنصب الأمين العام للمجمع؟
- أعتقد أن الكلام حول تفاصيل نشاطات سماحة الشيخ التسخيري يحتاج إلى بحث مستقل ولا يسع المجال في هذه العجالة للإحاطة بكل الجهود والإنجازات التي حققها سماحته، ولكن يمكن هنا أن نشير باختصار إلى أن سماحة الشيخ التسخيري كان له دوراً هاماً ومحورياً في تأسيس أو إدارة الكثير من المؤسسات والمنظمات الثقافية والعلمية والدينية بالإضافة إلى توليه العديد من المهام والمسؤوليات بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، ومنها على سبيل المثال: المساهمة في تأسيس منظمة الإعلام الإسلامي، والأمانة العامة للمجمع العالمي لأهل البيت (ع)، ورئاسة رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، والعضوية في مجلس خبراء القيادة، ونائب رئيس مجمع فقه أهل البيت (ع)، والعضوية في هيئة أمناء جامعة أصول الدين، والعضوية في الهيئة العلمية لجامعة المذاهب الإسلامية، والمستشار الثقافي لقائد الثورة الإسلامية، والأمانة العامة للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وعشرات المهام الأخرى في المؤسسات والمنظمات الثقافية والعلمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأيضاً في العديد من الدول الإسلامية الأخرى، كالعضوية في مجمع الفقه الإسلامي، والعضوية في اللجنة الفقهية لبنك التنمية الإسلامي في جدة، والعضوية في مجمع اللغة العربية بدمشق و...
وبالإضافة إلى ذلك فقد ألف سماحته عشرات الكتب في المجالات العلمية المختلفة، وكتب المئات من المقالات، وألقى الدروس والمحاضرات في الحوزات العلمية ومختلف الجامعات في البلاد، وأشرف على العشرات من الرسالات الجامعية وفي مختلف المستويات العلمية.
كما شارك سماحته في أكثر من ٢٠٠ مؤتمر وندوة في داخل البلاد وفي العشرات من الدول العربية والإسلامية في اوروبا وأفريقيا وآسيا.
كل ذلك وغيرها مما لا يسع المجال لذكرها تكفي للدلالة على مستوى الجهد المتواصل والعطاء الدائم لهذا الرجل العظيم في سبيل خدمة الإسلام ورفعة المسلمين.
وباختصار فإن آية الله الشيخ التسخيري هو أحد أبرز العلماء الذين قلّما تجد لهم نظيراً في عصرنا الحاضر، بالرغم من أن "حجاب المعاصرة" يحول بينه وبين فهم مكانته العلمية وإدراك تميّزه على المستوى العالمي.