يأتي كتاب (مدارس القدس ومكتباتها) لمؤلفه "محمد عيد الخربوطلي" والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب في سياق سلسلة كتب صدرت عن الهيئة تحاول إحاطة هذه المدينة المقدسة من نواح متعددة لكي تبقى حاضرة في الذاكرة وهي التي صمدت لنوائب الزمان وطوارئ الحدثان، كانت ولا تزال المنارة التي تستهدي إليها وبها قلوب العرب والمسلمين رغم كونها سجينة تتعرض كل يوم لمحاولات تشويه جوهرها ولكن هيهات فما مر عليها عبر القرون جعلها أصلب وأقوى مدن الأرض قاطبة، لا تلين بسهولة ولا أحد يستطيع أن يطمس معالمها أو أن يغيّر من وجهها العربي مهما اجتهد.
و افاد مراسل وکالة انباء التقریب فی سوریا نقلا عن صحیفة "الوطن" السوریة انه في مقدمة كتابه يتحدث الخربوطلي عن فضائل بيت المقدس ويؤكد أن أدب فضائل المدن «من أشهر أصناف أدب الفضائل وهو نوع من التاريخ المحلي لمدينة معينة يتحدث عنها ويصف محاسنها»، والعناصر التي تقاس بها المدن من حيث قداستها ثلاثة عناصر أساسية وهي: الفضل الذي تتمتع به المدينة بسبب تبركها بقبور الأنبياء أو الصحابة أو بعلاقتها بالأنبياء والرسل والصالحين إضافة إلى الدور الذي خصص للمدينة في خلق الكون والدور الذي ستلعبه المدينة يوم القيامة وبمقتضى هذه المقاييس – كما يورد الكاتب- نالت مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس المكانة الأولى بين المدن في فضلها.
ويشير الكاتب إلى أن المصادر الأولية التي استند إليها كتّاب الفضائل لتأكيد قداسة بيت المقدس «كثيرة متنوعة لكن سندها الأساسي القرآن الكريم وتفاسيره» والمصدر الثاني لكتب الفضائل الأحاديث النبوية «وهي أغزر المصادر فقد حفلت كتب الفضائل بالأحاديث النبوية التي تتصل ببيت المقدس» ويورد الكاتب عدداً منها ولعل أشهرها: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي يا هذا، والمسجد الأقصى». في القسم الأول من الكتاب يتناول الكاتب مدارس القدس حيث يؤكد أن الباحثين لم يعثروا في تاريخ القدس على مدارس عُرفت قبل العصر الأيوبي «إلا مدرسة واحدة أنشأها الفاطميون» ويضيف: عصر المدارس ا
لحقيقي بدأ في القدس بعد تحريرها عام ۵۸۳ للهجرة فقد كان من أول أعمال صلاح الدين بعد الفتح تأسيس المدارس والمعاهد العلمية وزاد في خزانة كتب المسجد الأقصى.
ومن بعده سار الأيوبيون سيرته فأسسوا المدارس وأكثروا منها وكانوا ينتقون لمدارسهم أنفس المخطوطات وأصحها كما كانوا يختارون مدرسيها من خيرة أفاضل العلماء ومن بعد الأيوبيين جاء المماليك الذين امتاز عهدهم بالعمران وكان نصيب القدس من هذا البناء عظيماً وتهدم بعض المدارس التي أقامها المماليك مع بداية العهد العثماني الذي خفتت خلاله أسهم المدارس وارتفعت أسهم الزوايا والتكايا.
وقدم الكاتب تفاصيل تاريخية تخص أغلب مدارس القدس بدءاً بالمدرسة الأشرفية والأفضلية والإبراهيمية والأباصيرية مروراً بالمدرسة الأسعردية والأمينية والأوحدية والبدرية والبلدية والبارودية والتنكزية والخاتونية والحنبلية والجراحية وانتهاء بالمدرسة الجوهرية والدوادارية، والسلامية والصلاحية والوجهية ودار القرآن السلامية ودور الحديث في القدس وسواها.
الزوايا في القدس
يتناول الكتاب الزوايا في القدس حيث يؤكد الكاتب أن الزوايا عُرفت في جميع أنحاء البلاد العربية الإسلامية وكانت بمنزلة مدارس دينية ودور لضيافة الفقراء، ومعظم زوايا القدس التي ما زالت قائمة تعود إلى عصر المماليك الذين أكثروا منها وقد عرفت القدس أكثر من أربعين زاوية منها ما هو مرتبط بالمتصوفة حيث قدم الكاتب فكرة مبسطة عن كل زاوية من زوايا بيت المقدس.
وتناول أيضاً (الرباط والربط في القدس) حيث أوضح أن الرباط والمرابطة ملازمة القرى والمدن والمواقع التي تكون حدوداً وفيما بعد اتخذ اسم الرباط معنى اجتماعياً مدنياً فقد يكون الرباط مأوى للفقراء والعجزة والأرامل وقد يكون مركزاً للمتصوفة إذا تفرغوا للعبادة وطلب العلم، وأشهر الربط في القدس يعود إلى العصرين الأيوبي والمملوكي ومن أشهر هذه الربط: الرباط الصلاحي الذي أنشأه صلاح الدين الأيوبي بقرب كنيسة القيامة والرباط الحموي ورباط الملك الأوحد نجم الدين ورباط المارديني وسواها كما تحدث عن (التكايا في القدس) حيث كانت هذه المدينة المقدسة تحوي تكايا لسبعين طريقة صوفية.
مدارس القدس العربية الإسلامية الحديثة
احتوى الكتاب على فصل عن هذه المدارس التي كانت في عام ۱۹۴۵ سبع مدارس إسلامية خاصة هي: دار الأيتام الإسلامية، مدرسة البنات الإسلامية، كلية روضة المعارف الوطنية، الكلية الإبراهيمية، المدرسة المحمدية، مدرسة الفلاح، مدرسة الحكمة وكان في القدس في ذاك العام ۱۱ مدرسة حكومية عربية (إسلامية ومسيحية) أهمها: الكلية العربية، دار المعلمات، الرشيدية، البقعة، المأمونية، النهضة وسواها.
وكان لكل طائفة مسيحية مدارس حيث كانت الطوائف المسيحية كلها تعيش في القدس كما كانت هناك مدارس يهودية ويورد الكاتب أن عددها في عام ۱۹۴۹ كان ۵۹ مدرسة.
مكتبات القدس
يقدم الكتاب لمحة عن المكتبات الشهيرة التي كانت موجودة في القدس وأقدمها مكتبة الأسقف (اسكندر) قبل سنة ۲۱۲ م ويؤكد أن نهضة مكتبية شهدتها القدس في العصرين الأيوبي والمملوكي وإن معظم تلك المكتبات قد ضاعت. وفي القرن التاسع عشر ازدهرت الاتصالات بين فلسطين وأوروبا حيث دخلت المطابع إلى فلسطين وتم فتح مكتبات عديدة، وفي القرن العشرين لم يعط الإنكليز أي اهتمام للمكتبات حيث لم يكن هناك غرف مخصصة لها بل كانت مجرد خزائن ولكن الأمر تغير بعض الشيء بعد النكبة حيث ظهر العديد من المكتبات وقد فصّل الكاتب بالمكتبات التي كانت موجودة في القدس وقدم عن كل واحدة منها لمحة بسيطة.
ويشير الكاتب في ختام كتابه إلى أن غايته تذكير الأمة وأبنائها بقدسهم الجوهرة المغتصبة لينقذوها من الأيدي الصهيونية.