كتاب "مسيرة الصحوة الإسلامية" تأليف "راشد الغنوشي" نشره مركز الراية للتنمية الفكرية ويتطرق إلى أهم مرتكزات الصحوة الاسلامية.
شارک :
يجيب المفكر راشد الغنوشي في بداية الكتاب عن عدة أسئلة، قد يطرحها من هم خارج الحركة أو بعض أبنائها ممن التحق بها حديثاً أو مضى عليه دهر داخلها دون أن يدرك كلياتها، ومجمل قيمها وغاياتها الربانية ومرتكزاتها الإنسانية الحضارية، الهادفة لتحقيق نهضة الأمة. ومن هذه الأسئلة: ماهية الحركة الإسلامية؟ وماذا يعني مصطلح الحركة الإسلامية؟ وما الصفات المشتركة بين فصائلها؟ وما تقنيتها وأساليبها في التأثير على المجتمع؟ ثم ما إسهامها في تجديد الفكر الإسلامي؟ وما إنجازاتها؟ وما المشكلة الكبرى بالنسبة لها؟ وما مقومات الحركة الإسلامية وإستراتيجيتها؟ وما هو واقع الحركة الإسلامية اليوم؟ وهل هي في أزمة أم في صعود؟ وإلى أين تسير الحركة؟ وما علاقة الحركة الإسلامية بالحكام؟ وهل هي علاقة صدامية؟ وهل يمكن إيجاد تفاهم مشترك بينهما؟ وما مدى جدوى استخدام القوة من قبل الجماعات في إقامة الحكم الإسلامي؟
هذه الأسئلة الإستراتيجية يجيب عنها المفكر الإسلامي راشد الغنوشي في الكتاب بوضوح شديد فيقول: يمكن اعتبار الصحوة الإسلامية اليوم أهم الظواهر الإيجابية لعصرنا بسبب ما تقدمه من آمال متصاعدة لشعوبنا الإسلامية وخاصة لفئة الشباب، بعد أن سقط المثال الشيوعي. ويمضي قائلاً: "الثابت أن الإسلام في حالة صحو متزايد، وأن جاذبيته وخاصة للشباب والمقهورين والمفكرين الأحرار تكاد تكون بلا منافس". ويتوقع الغنوشي أن لا ينتهي القرن الحادي والعشرون قبل أن يكون الإسلام قد أرسى نواة صلبة لعالم إسلامي جديد، وقبل أن تصبح شعوبه غير قابلة لأن تحكم ديمقراطياً دون موافقته.
وتحدّث في الكتاب عن التحديات القائمة أمام الصحوة الإسلامية: "يمكن اعتبار الجهل بالإسلام أعظمها سواء بين المسلمين، وفيهم قطاع حتى من أبناء الصحوة الإسلامية أو من غير المسلمين، كما أن من أعظم الجهل بالإسلام ربطه بالتعصب والتطرف والإرهاب والعدوان على على حريات الأفراد والشعوب". و يشير إلى أن "عملاً عظيماً لا يزال القيام به يمثل أعظم خدمة للإسلام، هو الدخول بالإسلام إلى العصر" أو الدخول مع الإسلام في العصر.
أما التحدي الثاني كما يقول الغنوشي فهو "الاستبداد السياسي الذي يرزح تحته العالم الإسلامي، ومطلوب من أبناء الصحوة أن يخوضوا – بحسب الوسع – جهاداً لا هوادة فيه ضد الطغاة، حتى وإن رفعوا المصاحف، فشرّ الاستبداد ما تسربل بالمعاني الجميلة كالإسلامية والديموقراطية وحقوق الإنسان والوحدة الوطنية، كما يفعل حكام منافقون في بلداننا الإسلامية"، مؤكداً على أنه "ليس هناك من نعمة بعد الهداية أفضل من الحرية".
أما التحدي الثالث الذي يراه المفكر الغنوشي فهو "تقديم نماذج إسلامية للحكم، ونماذج اجتماعية وثقافية تبشر بعدالة الإسلام، وتجسد قدر ما يطيق البشر أسماء الله الحسنى في الأرض، وذلك هو التحدي العظيم والامتحان الحاسم لصالح الصحوة أو عليها...".
أما التحدي الرابع فهو "العداء الغربي للإسلام وأمته" لافتاً الانتباه إلى أن الغرب بعد تخلصه من الكنيسة، سمح بما يُعدّ طبيعياً في الإسلام والتاريخ الإسلامي، وهو السماح للآخرين بإقامة شعائر دينهم مسلمين بوجود مسلمين ومساجد... وجاليات إسلامية". ويحمل الغنوشي الجهات الصهيونية في الغرب جزءاً من مسؤولية التحريض ضد الإسلام" ودعا المفكر الغنوشي لبذل جهود كبيرة لفك الارتباط -كما وصفه- بين الأخطبوط الصهيوني والحضارة الغربية.
الحركة الإسلامية؛ الواقع والآفاق تحت هذا العنوان يقدم الغنوشي تعريفاً للحركة الإسلامية قائلا: "نقصد بالحركة الإسلامية جملة النشاط المنبعث بدوافع الإسلام لتحقيق أهدافه وتحقيق التجدد المستمر له من أجل ضبط الواقع وتوجهه أبداً". ثم يغوص في في واقع الأمة متحدثًا عن التحولات التي تعيشها بعد انبعاث الصحوة الإسلامية أو جهاد الصحوة. ثم يلفت نظر الشباب الإسلامي إلى أن معجزة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي كتاب خالد، بينما معجزات الأنبياء السابقين مادية، مما يعني أن المعرفة والتأليف هي الرهان، أو "يعني أن الإسلام يقوم على الإقناع أكثر من الإخضاع منهاجاً للتعايش".
ويعدد المفكر الإسلامي راشد الغنوشي في كتابه العوامل المساعدة على انتصار الإسلام، والتي نختصرها في هذه النقاط: أولاً: قوة الإسلام الذاتية. ثانياً: حالة هرم المشروع المقابل = العلمانية. ثالثاً: فساد الأنظمة. رابعاً: عمق الإسلام في نفوس الشعوب المسلمة. خامساً: الثروات الطائلة في العالم الإسلامي. سادساً: تقدم وسائل الاتصال. سابعاً: انتشار الإسلام في الغرب. ويشرح الغنوشي كل نقطة من النقاط السالفة مما يستدعي قراءة الكتاب وعدم الاكتفاء بهذ العرض.
ويتحدث الغنوشي عن العوائق التي تقف في وجه الصحوة الإسلامية ومنها: أولاً: استمرار حالة الجمود الفكري. ثانياً: فرض الشعوبية والقومية على العالم الإسلامي. ثالثاً: قضية التعددية التي لا تزال من الصعوبة القبول بها داخل الحركة. رابعاً: العلاقة الإشكالية بين الإسلام والديمقراطية. خامساً: قضية المرأة. سادساً: الحركة الإسلامية والفن. مع شرح كافٍ لما يعنيه من النقاط السالفة. ويوصي الكاتب بتوثيق الصلة بالله حتى ينتصر المشروع الإسلامي.
الحركة الإسلامية بين الدولة والمجتمع وتحت عنوان "حيرة الحركة الإسلامية بين الدولة والمجتمع.. بين الحزب السياسي والجماعة الإسلامية" يقول المؤلف: "إن التحقق بعقيدة التوحيد إيماناً وعملاً على الصعيد الفردي والجماعي، الروحي والمادي هو جوهر الرسالة الإسلامية، وهو محور الجهد الإصلاحي الذي قام به كل الرسل"، متحدثاً عن تجارب بعض الأنبياء في هذا الخصوص، وخلص إلى القول بأن الرسالة المحمدية هي النموذج المتميز بين سائر الأنبياء، شارحاً ومفعلاً حيثيات تلك الحقيقة في عرض لا يقارن. كما تطرق إلى الانقسام الخطير أو الانفصال الخطير بين الدين والسياسة "ومعنى ذلك أن العلماء بعد فتن قاسية أوشكت أن تطيح بالكيان الإسلامي جملة اضطروا إلى التنازل عن السلطة لصالح أصحاب الشوكة والقوة، وبذلك كانت المعادلة أوالصفقة التاريخية كالتالي: السياسة للحكام ولهم الطاعة ما حققوا أحكام الشريعة، وللعلماء ضبط أحكام الشريعة والقضاء والتعليم والإشراف على الأوقاف، المورد الغزير والطوعي للإنفاق على حاجات المجتمع، لكن تلك المعادلة لم تعد قائمة في الوقت الحاضر بذلك الشكل". ولم يغفل الغنوشي عن صور الخداع التي تلجأ إليها الدولة القهرية، بينما تمارس في العلن وفي الواقع المعاش حرباً ضد الإسلام الحي، مقدماً دولة مثل تونس نموذجاً صارخاً على ذلك، حيث يتم حظر الحجاب ومطاردة الدعاة.
قصور الحركة الإسلامية وحول ما يصفه بـ"قصور الحركة الإسلامية" يقول: "حققت الحركة الإسلامية إنجازات عظيمة في محاولتها تحرير الأمة من تراث الانحطاط وآثار الغزو الغربي المدمر، فقد ظلت بعيدة عن تحقيق هذا الهدف "إقامة شرع الله في الأرض". ويفسر ذلك القصور بأنه يعود أساساً إلى نمط التفكير داخل هذه الحركة، والذي لا يزال – على الرغم من المحاولات المتكررة ونجاحه الجزئي- مشبعاً بمثالية عصر الانحطاط لا صلة له بالواقع، إلاّ من خلال شخوص تجمد عنها على ضوء مقولات ومفاهيم تبلورت في عصور أقل ما يُقال فيها إنها تختلف إلى حد كبير عن عصرنا". ويضرب الغنوشي أمثلة على ذلك القصور من خلال العجز عن استيعاب الواقع وفشلها في تسخيره..." متحدثاً عن المنهج القرآني والمثالية والطاقة الجمالية... وعن واقع الحركة الإسلامية.
الحركة الإسلامية أزمة أم صعود؟ وتحت هذا العنوان يرد المفكر الغنوشي على مزاعم بعض المشتغلين بقضايا الفكر الإسلامي من الغربيين من أن "المد الاصولي" في حالة أزمة وتراجع، فيؤكد على أن "مد الإسلام في تصاعد كماً ونوعاً، فعلى المستوى الاول يكاد يتساوى مع عدد النصارى ليتخطاه في القرن الحادي والعشرين". ويمضي قائلاً: "وفي الكيف والفعالية أكثر من مؤشر يدل على أن عملية اكتشاف الإسلام في تقدم مطرد" وعن قوة الإسلام الأيديولوجية يقول: "لقد أمكن للمذهبية الإسلامية أن تدحر أيديولوجيات التغريب في أعرق مواطنها في مصر وتونس والجزائر والمغرب وتركيا والسودان وإندونيسيا أكبر بلد إسلامي". ويؤكد على أن إقصاء الإسلاميين أدى إلى إفلاس الديمقراطية "لطالما أدى إقصاء الإسلاميين إلى إفلاسها والزج بالبلاد في كوارث الإرهاب والحرب الاهلية". ويستعرض الغنوشي بإسهاب ما وصفه بآثار الصحوة الإسلامية المباركة، ويضيف "يمكن أن نمضي في استعراض آثار هذه الصحوة المباركة على الصعيد الفكري؛ فقد انزاحت كثير من رواسب الانحطاط عن قلوب المسلمين عوداً إلى العقيدة الحنيفة الصافية من الخرافة والأوهام والبدع وفشا فكر الاجتهاد على أنقاض فكر التقليد".
الحركة الإسلامية والعلاقة مع الحاكم تحدث الغنوشي في الكتاب عن المحن التي تعرض لها الإسلاميون في سجون الأنظمة الطاغوتية وحتى الاستبدادية، ومن بينها تونس فقط سلط على الإسلاميين حجم رهيب من النكال الاستئصالي "ولأن الدولة في هذه الحالة تتشخص في رئيسها وأسرته كملكية خاصة تغدو معها أموال الناس والأموال العامة جزءاً من هذه الملكية، بما يجعل ما يتسرب من بين أصابع الحاكم من الأموال وتوظيفها لصالح الناس ليس حقوقاً وإنما مكرمات وهبات وعطايا".
وحول اختلاف الحركات الإسلامية يذكر أن "أمتنا لم تفشل في شيء كما فشلت في إدارة الاختلاف و إفراغ المبدأ الإسلامي العظيم "الشورى" من مضامينه منذ ارتفعت المصاحف تمويهاً وتوظيفاً للدين لأغراض السياسة الاستبدادية". ويضيف في موضع آخر "كان ذلك المسؤول الرئيس عن تحول الخلافة إلى ملك عضوض، وسير الأمة من خلال ذلك في طريق الاستبداد مصدر كل شر والنقيض من كل وجه لمقصد من مقاصد النبوة، توحيد الله والكفر بالطاغوت، أو إقامة العدل واجتثاث الظلم".
وبعد أن يستعرض نماذج من التغيير بالقوة كما حصل للثورة الفرنسية والصينية والإيرانية حيث توفرت الأجوبة التي يجب الحصول عليها، وإلاّ فإن جماعات الخارجين على أنظمة العنف بالعنف "تكون قد قدمت لعدوها الفرصة الذهبية التي يتلهف عليها، وقدمت له السكين لذبحها".
وفي موضع آخر يدعو إلى ترتيب الأولويات وتصنيف الخصوم، والبحث عن الأصدقاء، وتقليل الأعداء، والاقتصاد في التضحيات، والتبصر بالعواقب، وتوسيع مجال الشورى، وتوظيف أهل الخبرة، واحترام التخصص، وتوزيع المهام بحسب ذلك، وإرساء العدل سبيلاً لا بديل عنه لتعبئة طاقات الأمة، والتذرع بالصبر والحيلة، وتفويت فرص استدراجنا إلى معارك لا ضرورة لها، ولما تتوفر الفرص لكافية للنجاح فيها.
وعن "مقومات الحركة الاسلامية" يذكر الغنوشي عدة نقاط يقوم بعدها بشرحها بشكل غير مخلّ، وهي الشمول والاهتمام بالقضية الوطنية، واستمداد الإسلام من أصوله دون تعصب، والبعد الإيماني والشعبية. ثم يتحدث عن إنجازات الحركة الإسلامية والمشكلة الكبرى التي تعترضها، ثم الإستراتيجية والتغيير الحضاري، مطالباً بتحويل عملية الجمع والتكديس إلى بناء أصله ثابت وفرعه في السماء، ثم يعرض مبادئ أساسية في إستراتيجية العمل الإسلامي كالموقف من التراث، والغرب، والواقع، وأداة التغيير، والدعوة من خلال حاجات الناس، والتربية الفكرية، وتنمية الروح النقدية، والعالمية تحقيقاً لمبدأ التوحيد، واعتماد التخطيط وروح العصر؛ وهي مباحث جديرة بالقراءة والتمعّن.