المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية - الشؤون الدولية
الانتخابات في إيران رسائلها إلى العالم الإسلامي
تنا
جرت في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوم الجمعة الماضي الانتخابات الثالثة عشرة لرآسة الجمهورية، كما جرت إلى جانبها انتخابات مجلس القيادة والمجالس المحلية. هذه الانتخابات كانت تنطوي على رسائل مهمة لداخل إيران وخارجها، ونقف عند أهم هذه الرسائل للعالم الإسلامي.
شارک :
الانتخابات في إيران
رسائلها إلى العالم الإسلامي
جرت في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوم الجمعة الماضي الانتخابات الثالثة عشرة لرآسة الجمهورية، كما جرت إلى جانبها انتخابات مجلس القيادة والمجالس المحلية.
هذه الانتخابات كانت تنطوي على رسائل مهمة لداخل إيران وخارجها، ونقف عند أهم هذه الرسائل للعالم الإسلامي.
الرسالة الأولى: حسم الجدل الذي دار منذ أكثر من قرنين حول إمكان اﻻنسجام بين الإرادة الجماهيرية وبين الإسلام المعبّر عن إرادة شريعة السماء.
من الواضح أن الجمهورية الإسلامية قامت قبل اثنين واربعين عامًا إثر هبّة جماهيرية عامة شملت جميع المدن والقرى الإيرانية، وكانت هذه الهبّة من القوة والشمول والاستقامة والمواصلة بحيث لم يستطع نظام الشاه المدعوم من أمريكا واللوبي الصهيوني والقوى العالمية الأخرى والقوى الاقليمية الرجعية أن يقاوم إرادة الجماهير فسقط، وتهاوت قلاعه بسرعة، واستلم الثوار وعلى رأسهم الإمام الخميني (رضوان الله عليه) زمام الأمور.
ومنذ أن تحقق الانتصار عزم الإمام القائد الراحل أن تحمل الدولة الجديدة اسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن قرار هذه التسمية لابد أن يكون وراءه إرادة شعبية، فجرى بعد شهرين من الانتصار استفتاء عام، أعرب فيه الشعب عن رأيه بنسبة تزيد على 95 بالمائة على تسمية الدولة الفتية، فجاء الاسم: الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا كلمة أكثر ولا كلمة أقلّ.
و توالت بعد ذلك الانتخابات: انتخاب مجلس خبراء القيادة، مجلس صيانة الدستور، رآسة الجمهورية، المجالس المحليّة.. و.. و.. وكلها تعبّر عن تحقّق عبارة «الجمهورية» وعن الإرادة الشعبية. ثم إن اقتران الجمهورية بالإسلامية عبّر عن التوجّه الحضاري للنظام الجديد، وهو الحركة التكاملية نحو تحقيق ما أراده الله للإنسان والمجتمع الإنساني من انسجام مع الفطرة الإنسانية التوّاقة للعزّة والكرامة والوسطية والاعتدال والحياة الطيبة.
وخلال العقود الأربعة أثبتت الجمهورية الإسلامية نجاح تجربة «حاكمية الشعب الدينية» من خلال ممارسة استحقاقات الشعب في المجالات المختلفة، ومن خلال المحافظة على القيم الإسلامية التي تصنع «الإنسان» المنسجم مع فطرته وعقيدته وتطلعاته التكاملية. وفي ذلك رسالة إلى دعاة تقليد الديمقراطية الغربية، وإلى المدعين بعدم إمكان الجمع بين إرادة الشعب وإرادة شريعة السماء.
الرسالة الثانية: أن توأمة الإرادة الشعبية مع المشروع الإسلامي للحياة، قد فجّر طاقات الأمة وذلك لشعورها بالاندماج مع الحياة فكرًا وعقيدة، وبذلك شهدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ ولادتها تقدمًا هائلا في حقل التنمية الشاملة، في التصنيع والانتاج الزراعي والتقانة والقدرة الدفاعية.. رغم كل ما واجهته من حروب عسكرية وإعلامية واستخباراتية ومن مؤامرات ضخمة استهدفت وحدة البلد الوطنية ومراكزه الدفاعية وأدمغته المفكرة وهويته الحضارية. والفضل في ذلك يعود بعد الله تعالى إلى هذا الاندماج بين إرادة الشعب وحياته العامة القائمة على أساس إيمانه وجذوره الفكرية والحضارية.
إنها تجربة رائدة لكل الشعوب الإسلامية في حقل نجاعة المشروع الشعبي الديني أو ما نسمية حاكمية الشعب الدينية.
الرسالة الثالثة: إن هذه الانتخابات الأخيرة لرأسه الجمهورية واجهت هجومًا إعلاميًا صهيونيًا وأمريكيا واستكباريا هائلا لتثبيط عزم الإيرانيين بشأن المشاركة في هذه الانتخابات، هجوما إعلامياً ليس له نظير في تاريخ العالم، والغريب أن وسائل إعلام بعض الحكومات التي يتبع شعبها تحت حكم عشائري، ولم تمارس تجربة انتخابية واحدة ولا يعرف مواطنوها الفرق بين صندوق الاقتراع وصندوق الفواكه كما عبّر سماحة السيد القائد.. حتى وسائل إعلام هذه الحكومات أيضًا شنت هجومًا على هذه الانتخابات زاعمة أنها ليست «ديمقراطية»!!
ومع كل هذا الهجوم.. ورغم أخطار جائحة كورونا، ورغم ارتفاع درجات الحرارة، وأيضا رغم ما حدث من خلل في أجهرة الاقتراع الالكترونية مما أدى إلى تأخّر المواطنين في الإدلاء بأصواتهم، رغم كل ذلك لم ينته الاقتراع في الوقت المحدد من يوم الجمعة وهو الساعة السادسة بعد الظهر، بل امتدّ إلى الساعة الثانية من بعد منتصف الليل، بسبب طوابير النساء والرجال التي شهدتها مراكز الاقتراع.
وهذا يعني أن إرادة الشعب أقوى من كل تعكير للأجواء، وأقوى من جميع تخريص الخراصين وتآمر الحاقدين.
الرسالة الرابعة: في هذه الانتخابات تجلّت بوضوح آثار روح الشهداء العظام في دفع الأمة نحو تقرير مصيرها. ولقد تكرر كثيرًا على لسان المقترعين اسم الشهداء العظام وعلى رأسهم الشهيد قاسم سليماني، وكان قائلم من الرجال والنساء يقول أنا أدلى بصوتي كرامة للشهيد سليماني. وهذا يعني أن الدماء التي سفكت في أرض المقاومة قد دخلت في شرايين الملايين من الناس، وتحولت إلى طاقة تدفعهم نحو ميادين العزّة والكرامة وتقرير المصير. من هنا فإن شهداء العالم الإسلامي تجب المحافظة على ذكراهم وعلى إبقاء شعلتهم متوهجة في النفوس، وأن تبقى شجرتهم الطيبة يانعة مثمرة "تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا".
ولا يوجد بلد إسلامي لم يقدم شهداء على طريق الدفاع عن كرامة شعبه وعزّة بلادة، وهي ثروة وذخيرة لابد من إبقائها حية في النفوس والأرواح، وأن لا يُسمح لمن يريد تغييب ذاكرة الأمة عن هذه البطولات والتضحيات.
الرسالة الخامسة: اتضاح أثر التوجيهات القيادة في هذه الانتخابات . فما قدمة السيد القائد الخامنئي من توجيهات قبل الانتخابات قد أحبط كل وساوس اليأس والحرب النفسية التي شُنت تجاه الحماس الجماهيري بشأن المشاركة فيها.
وصوت القيادة نافذ في القلوب والأرواح بسبب اندماج القيادة مع فكر الأمة وعقيدتها وتطلعاتها وأهدافها الرسالية الإنسانية. وهذه رسالة أخرى للأمة مفادها أن القيادة حين تكون منسجمة مع عقيدة الأمة وتطلعاتها الفكرية والحضارية فإن نداءها يكون نافذًا إلى الأعماق، والاستجابة له تكون عن طواعية وإرادة وإيمان.
هذه بعض الرسائل التي تبعثها الانتخابات الأخيرة لرئاسة الجمهورية في إيران، وعسى أن تكون إثراء لتجارب العالم الإسلامي في مجال حركة الأمة نحو استعادة مكانتها اللائقة بين أمم الأرض، والله ولي التوفيق.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية