حديث التقريب.. في ذكرى المولد النبوي الشريف
النبي الأكرم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام وصفه ربّ العالمين بأوصاف عديدة أشهرها: أنه على خلق عظيم، وأنه المبشَر النذير، و... وأعظمها أنه (رحمة للعالمين)، فهو (رحمة) وأنه (للعالمين) .. والرحمة لها معنى واسع وذات مدلول انساني كبير.. فالإنسان يحمل في وجوده نزعة (الطين) التي تعني الهابط من غرائز الإنسان.. وهذه النزعة تنطوي على النفس الامارة بالسوء.. كل ما تشهده الساحة البشرية من صراع وتحاسد وتباغض وحروب وتطاحن انما مردّه الى هذه النفس الامارة بالسوء، ولا يمكن حلّ الصراع على الساحة البشرية إلاّ برحمة من ربّ العالمين: ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ﴾.وبهذه الرحمة يزول الصراع من داخل نفس الإنسان، وبالتالي من بين المجموعات البشرية.
رسول الرحمة حين بعثه الله للناس شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا انحسرت كثير من الصراعات التي كانت قائمة في الجزيرة العربية بين الاوس والخزرج، وبين القبائل المتناحرة ثم اتسعت هذه الرحمة لتشمل بقاع عديدة في شرق العالم وغربه، لأنه (رحمة للعالمين)، فالعالم بأجمعه ناله بدرجة وأخرى قسط من الرحمة.
والساحة البشرية كلما اقتربت من هدي النبوة اقتربت من الرحمة ومن السلام والوئام، وبابتعادها عن ذلك الهدي يشتدّ الصراع ويغيب السلام والوئام من أوساط المعمورة.
بهذه النظرة الحضارية يجب أن نفهم عظمة المولد النبي الشريف.. إنه مولد الرحمة بأبعادها كلها، وخاصة البعد الانساني الذي يزيل الاحقاد والعداوات من البشر، ويحوّل المتعادين إلى إخوان بعد أن يؤلف بين قلوبهم ﴿ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾.
إذا كانت البشرية بـأجمعها بحاجة اليوم الى نبي الرحمة، فإن أمة محمد(ص) بحاجة أكثر، وأنها تتحمل مسؤولية أكبر لأن تكون حاملةً لمشعل الرحمة المحمدية وتكون الشاهدة الوسط على ساحة التاريخ.. وهل هي اليوم على مستوى هذه المسؤولية؟ هل هذا النزاع القائم في بعض بقاع العالم الإسلامي يتناسب مع مكانتها المطلوبة؟ هل هذا الركون الموجود عند بعض أبناء امتنا إلى الذين ظلموا يليق بأمة القرآن؟ هل هذا السكوت أمام ما ينزل بأهلنا في غزّة هو مما يرضى عنه نبي الرحمة؟ و.. و..
غيرها من مظاهر التخلف والانحطاط السائدة في بقاع من بلاد أمة محمد(ص) هي مما ينكره نبي الرحمة. وكأني أراه ينادي المسلمين قائلاً: أين وديعتي فيكم؟ أين العزّة التي أهبت للمسلمين أن يتمسكوا بها؟ أين الاخوّة التي ناديت بها في دعوتي إليكم؟
أليس من المخجل أن يذهب بعضنا في أيام المولد النبوي الشريف إلى أن يشكك في صحة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. أليس هذا من مظاهر الانحطاط والابتعاد عن مقاصد نبي الرحمة؟
أليس من المؤسف أن يذهب بعضنا ألى التشكيك في صحة السفر لزيارة قبر رسول الله(ص) للدعاء عنده والتوسّل به الى الله؟
إننا بحاجة ماسة اليوم لأن ننظر الى بنينا ومولده وسيرته بنظرته حضارية تتناسب مع أهداف الإسلام السامية، ولهذا فإننا نرى أولوية الأمة الإسلامية هي إقامة الحضارة الإسلامية الحديثة، والله الموفق.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية