تاريخ النشر2015 9 April ساعة 09:42
رقم : 188099

الشَّهيد محمَّد باقر الصَّدر(قده): العالِم والمثقَّف والإنسان

تنا
ذكراك سيّدي تبعث فينا كلّ معنى وقيمة مضيئة في دنيا العطاء، والعزّة، والكرامة، والإباء، والصّدق، والإخلاص، والتّفاني في التزام الحقّ، والعبوديّة لله وحده، والتمسّك بحبله المتين.
الشَّهيد محمَّد باقر الصَّدر(قده): العالِم والمثقَّف والإنسان
    
بقلم : محمد عبدالله فضل الله
 
في ذكرى رحيل العالم الكبير السيّد الشَّهيد محمّد باقر الصَّدر(رض)، يقف المرء أمام هذه القامة العلميَّة والربانيَّة بكلِّ إجلالٍ وتقدير، مستوحياً منها النّموذج الرساليّ والإيمانيّ والتقوائيّ، الَّذي عمل طوال عمره الشّريف، وعلى قصره، (استشهد وهو ابن سبع وأربعين عاماً)، على خدمة الإسلام ومصلحته، درساً وتدريساً وتأليفاً وموقفاً وسلوكاً وسيرةً يشهد لها القاصي والدّاني، ولم تنكسر نفسيّته رغم كلّ المحاولات والتهجّمات والظلامات، حتى من بعض المعمّمين، ولم يسقط تحت الضّغوطات، بل تابع بكلّ همّةٍ وإخلاصٍ وتفانٍ، فهو المؤمن بحقّ، والصّابر والمضحّي في سبيل صون الإسلام وحماية عرى الوحدة بينهم، والتأسيس لذلك منهجاً وسلوكاً.
 
تميَّزت هذه الشَّخصيَّة العالميَّة بعبقريّة فذّة، وقد بدأ يعطي الدّروس للطّلّاب وهو ابن إحدى عشرة سنة، وبلغ الاجتهاد ولم يتجاوز عمره العشرين، وهذا أستاذه السيّد الخوئي(قده)، الّذي حضر دروسه، يقول عنه: "السيّد الشهيد مظلوم لأنّه ولد في الشرق، وإلا لو كان مولوداً في الغرب، لعلمتُم ما يقوله الغربيّون عنه.. إنّه مفخرة من مفاخر البشريّة".
 
كما يذكر أحد المحقّقين في الفكر الغربي في إيران، أنه لا يوجد عالم في الإسلام أعطى نظريّة جيدة على مستوى الفكر البشري، كالّذي أعطاه الشهيد الصدر(قده)، في كتابه "الأسس المنطقيَّة للاستقراء"، فالسيّد الشَّهيد نفسه يقول في أبحاثه: "نحن بكتابنا "الأسس المنطقية للاستقراء"، ملأنا فراغاً في الفكر البشريّ دام ألفي سنة".
 
وهو أوَّل عالِم يبحث ويكتب في الاقتصاد الإسلاميّ، وقام بالردّ على فلسفاتٍ أخرى كالماركسيَّة، كما نجد ذلك في كتابيْه "اقتصادنا" و"فلسفتنا".. فكان الفقيه والفيلسوف والمثقّف الَّذي أعطى الثّقافة الإسلاميّة كلَّ عمقٍ وغنى وانفتاح، ولا تزال الثقافة الإسلاميَّة تغتني بأبحاثه وطروحاته.
 
هو الفقيه المجتهد السَّابر لأغوار الفقه، والمضطلع بغاياته وأبعاده. يقول السيّد الشهيد(ره): "الفقه كالعجينة بين يديّ، أفعل بها ما أشاء".
 
لم يمارس السيّد الشَّهيد(ره) الفقه بعيداً عن وظيفته الإصلاحيَّة الاجتماعيَّة، إذ هبّ مشرفاً على الحركة الإسلاميَّة وتوجيهها وتأسيسها والتّنظير لها، في وجه كلِّ الموجات التي تعمل على محاربة الإسلام والقضاء عليه، فجهِد على أن يبرز أصالة الإسلام في مفاهيمه وغاياته المعرفيَّة والروحيَّة والإنسانيَّة، بغية تربية الأجيال الطّليعية على الذوبان في الإسلام، وحمل المسؤوليّات تجاهه، ولعب دورها في خدمة رسالته بكلِّ وعي ومصداقيّة. من هنا، شكّل السيِّد الشّهيد(ره) ظاهرةً فريدةً على مستوى العطاء والجدّة والأصالة..
 
وهذا المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) الَّذي عاش العلاقة القريبة والقويّة معه، يقول: "كان السيِّد محمَّد باقر الصّدر ظاهرة فكريَّة قلّما تجدها في الأشخاص الَّذين كانوا في مستوى عمره.. أعطى الثقافة الإسلاميَّة في العالم خطّاً جديداً، فكان أوّل كاتب إسلاميّ يؤلّف كتاباً في الاقتصاد الإسلاميّ...".
 
وعن اغتياله، يقول سماحة المرجع فضل الله(رض): "إنَّ اغتيال السيّد الشَّهيد وشقيقته العلويّة، يمثّل جريمةً كبرى تطاول العالم الإسلاميّ كلّه.. ونقول لكلِّ الدّعاة الإسلاميّين: إنَّ الإسلام أمانة في أعناقكم، والإخلاص لدماء الشّهيد الصَّدر هو أن تتوحَّدوا في فكره ونهجه...". [كلام لسماحته من حوار مع تلفزيون المسار العراقي، العام 2009].
 
تطلّ علينا ذكرى استشهاد العالِم والمفكّر السيّد الصدر(رض) هذا العام، والعالم الإسلاميّ منشغل بالنزاعات والفتن، ولو كان حاضراً بيننا اليوم، لعلَّمنا كما كان طوال مسيرته، أن نتوحَّد، وأن نحترم إنسانيّتنا وأخلاقيّاتنا، وأن نرتفع فوق صوت الجهل والعصبيَّة، ونلتقي على حبّ المعرفة والعلم، وتحصين العقول والنّفوس بالوعي، فبالمعرفة والوعي ننطلق لنبني الحياة ونحيي ذكرى الرّسالة وأمانتها.
 
ذكراك سيّدي تبعث فينا كلّ معنى وقيمة مضيئة في دنيا العطاء، والعزّة، والكرامة، والإباء، والصّدق، والإخلاص، والتّفاني في التزام الحقّ، والعبوديّة لله وحده، والتمسّك بحبله المتين.
 
عشتَ واستشهدتَ سيِّدي صابراً مضحّياً عزيزاً أبيّاً معطاءً تقيّاً في جنب الله، عاملاً في سبيل الإسلام الأصيل، إلى أن اختارك الباري عزّ وجلّ إلى جواره صدّيقاً شهيداً.
https://taghribnews.com/vdceov8zojh8v7i.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز