تاريخ النشر2017 28 September ساعة 23:57
رقم : 286036

أزمة برزاني بين خياري التراجع والانفجار

تنا
الرئيس حيدر العبادي الذي منحه البرلمان العراقي تفويضا بنشر قوات عسكرية في كركوك والمناطق المتنازَع عليها، يضع موضع التنفيذ الإجراءات الكفيلة بنزع الكثير من صلاحيات الإقليم قبل الاستفتاء. ومنها تصدير النفط والمنافذ البرية والبحرية والجويّة، بل يذهب أبعد من ذلك في بسط سلطة الحكومة المركزية على الإقليم في إعداد آليات المراقبة وتعقّب المسؤولين عن هدر المال العام واستغلال السلطة.
أزمة برزاني بين خياري التراجع والانفجار
قاسم عزالدين
 الضغوطات العراقية والإيرانية ــ التركية المتتالية على مسعود برزاني، تدفعه إلى الليونة والإنحناء أملاً بانتظار مرور عاصفة الاستفتاء. لكن الجرّة التي كسرها برزاني في علاقة الإقليم بالحكومة العراقية، تصعب إعادتها إلى ما كانت عليه قبل الاستفتاء. وهو الأمر الذي يفضي بجميع الأطراف المعنية إلى البحث عن معادلات جديدة مع برزاني سلماً أو حرباً.استنفار عسكري تركي عراقي بعد الاستفتاءانحناءة مسعود برزاني الرمزية في عرضه على الحكومة الاتحادية مراقبة المطارات في الإقليم، تدل على أن برزاني لم يحسب ما سيقوم به في اليوم التالي لمغامرة الاستفتاء المدوّية. فالعديد من مسؤولي حزبه كانوا مطمئنين إلى "أن القيادة السياسية تتخذ جميع الاحتياطات اللازمة رداً على التحذيرات العراقية والإيرانية"، بحسب إجاباتهم على سؤال ما بعد الاستفتاء. لكن يبدو أن هذا الاطمئنان غير المبرر ليس أكثر من ثقة عمياء بقدرة الزعيم على اجتراح المعجزات. وفي هذا السياق اتهم الرئيس التركي برزاني بأنه لا يميز بين عقلية إدارة دولة وبين عقلية إدارة القبلية.

نجل مسعود برزاني رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان برزاني توعّد "بأننا لن نقف مكتوفي الأيدي وسيكون لدينا ردّ". ولا تبدو ملامح ردّ على تهديد اردوغان بتجويع الإقليم وإغلاق معبرالخابور ووقف الاستيراد والتصدير. وقد يكون من الصعب أن تظهر ملامح رد في المدى المنظور على الإجراءات الإيرانية بتسليم المنافذ إلى الحكومة العراقية، فضلا عن التنسيق الايراني ــ التركي مع الحكومة العراقية والضغوطات المتتالية على برزاني بما في ذلك التهديد باستخدام كل الوسائل المتاحة لمنع الانفصال.

الرئيس حيدر العبادي الذي منحه البرلمان العراقي تفويضا بنشر قوات عسكرية في كركوك والمناطق المتنازَع عليها، يضع موضع التنفيذ الإجراءات الكفيلة بنزع الكثير من صلاحيات الإقليم قبل الاستفتاء. ومنها تصدير النفط والمنافذ البرية والبحرية والجويّة، بل يذهب أبعد من ذلك في بسط سلطة الحكومة المركزية على الإقليم في إعداد آليات المراقبة وتعقّب المسؤولين عن هدر المال العام واستغلال السلطة. وفي مجمل هذه المسائل الشائكة التي تقوّض من نفوذ زعامة الإقليم، لا تبدو ملامح رد من البرزاني وحكومته. ما يشير إلى أن ردود الفعل العراقية والتركية والإيرانية جاءته على حين غرّة وأنه ذهب إلى مغامرة لم يقف على تداعياتها مطمئنا إلى "أن العالم سيعترف بالأمر الواقع" كما أفصح لتشجيع الأكراد وراءه على تأييد الانفصال.

لعل أزمة برزاني في مغامرة الاستفتاء، أعمق من أزمة حسابات في غير محلّها. فهو في اعتماده على الدعم الاسرائيلي ــ الأميركي "في فرض الأمر الواقع" يقع ضحية قصور الرؤية للمعادلات الإقليمية والدولية التي يتخيلها برزاني استمرارا لمرحلة فرضت أقلمة العراق. وفي هذا الصدد فإن تعويله على مفاوضات طويلة مع الحكومة العراقية بعد الاستفتاء من أجل التوصل إلى كونفيدراليةـ تخيب برفض العبادي أي مفاوضات بينما لا تستطيع واشنطن سوى نقد إغلاق المنافذ كما عبّرت "هايزر ناوبرت". ولا ريب أن برزاني يفقد الرؤى نتيجة تشبّع العقلية القبلية فيما تزعمه واشنطن والدول الغربية في دعم حق تقرير المصير ومحاربة الاستبداد ودعم الديمقراطية. ويتخيّل كما أوهم معظم الأكراد بما يعتقدوه "حق بناء دولة قومية" بمعزل عمّا يصيب الانفصال من آثار التجزئة والتفتيت من احتراب مستدام وعمّ يصيب الأكراد أنفسهم جرّاء الصراع على السلطة  وحروب العصبيات.

في هذا الإطار لم ينل العرب حق تقرير المصير في بناء دولة قومية، خلافا لما يسري لغطاً لتبرير حق الأكراد في دولة قومية، بل منعت الدول الغربية مجتمعات المنطقة من هذا الحق في تقسيمها وتفتيتها. ومن ضمن رفض الدول الغربية عملية توحيد المنطقة بين كل أهلها، مزّقت الدول نفسها معاهدة "سيفير" العام 1920 التي تعترف بوجود كردستان في الأمبراطورية العثمانية حين تنازعت على المصالح والنفوذ. وهي الدول نفسها التي أعادت تقسيم الجغرافيا السياسية في المنطقة وإعادة رسم الحدود بحسب مصالح الدول الغربية في معاهدة لوزان العام 1923 ــ 1924، وغيرها.

حقوق الأكراد هي مثل حقوق باقي الجماعات والمجتمعات غير الأكراد، في البقاء معاً أملا بنيل حقوق جامعة مشتركة. لكن برزاني يهرب إلى الأمام في القفز نصف خطوة متوهما نيل حقوق الأكراد بدعم اسرائيل والدول الغربية على حساب أهلهم وأخوانهم من الجماعات الأخرى التي بنت المنطقة طوال التاريخ جنبأ إلى جنب. وفي هذا الصدد يقول قائد من زعماء الثورة الفرنسية "من يقوم بنصف خطوة يحفر قبره بيديه".
https://taghribnews.com/vdcexp8wpjh8v7i.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز