تاريخ النشر2012 3 June ساعة 01:37
رقم : 96766

رئيس "التقدمي" يقيم على حبل توازنات... وفي "منطقة سياسية عازلة"

تنا - بيروت
تحولات جنبلاط ونصائحه الى حزب الله.
رئيس "التقدمي" يقيم على حبل توازنات... وفي "منطقة سياسية عازلة"
صحيح أن النائب وليد جنبلاط ذهب بعيدا في حملته المتجددة على النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، في مغامرة ليست الاولى من نوعها، ولكن الصحيح ايضا أن جنبلاط يحاذر في الوقت ذاته أي صدام مع «حزب الله»، الحليف الإستراتيجي لهذا النظام في لبنان، متجنبا تكرار تجربة بدأت في نهاية العام ٢٠٠٥ حين فتح جبهة مزدوجة ضد دمشق و«حزب الله» في آن واحد، وجرّت لاحقا الى تلك المواجهة الشهيرة في السابع من أيار ٢٠٠٨. 

وإذا كان كثيرون قد اعتبروا في السابق أن المعادلة الجنبلاطية الراهنة، التي تقوم على التمييز بين النظام السوري و«حزب الله»، غير منطقية وغير قابلة للحياة، إلا أن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» يبدو متمسكا بها ومقتنعا بجدواها حتى إشعار آخر، وبالتالي فهو مصر على الاستمرار في تطبيقها، من دون أن يمنعه ذلك من «تلطيش» الحزب بين الحين والآخر وتوجيه بعض الملاحظات إليه، مفترضا أن بإمكانه تنظيم الخلاف معه، على قاعدة احتفاظ كل طرف بخصوصيته السياسية وبتفهّمه لاعتبارات الآخر. 

وفي حين يجزم البعض بأن جنبلاط سيسارع الى استكمال استدارته السياسية وبالتالي الانقلاب على «حزب الله» في حال سقوط النظام السوري، ينقل مقرّبون من زعيم المختارة عنه تأكيده انه لن يغدر بالمقاومة ولن يطعنها في ظهرها إذا رحل نظام الاسد، وانه لن يستقوي بأي تحوّل من هذا النوع للإنقضاض على سلاح «حزب الله»، متطلعا الى ان يمتنع الحزب بدوره عن الاستقواء
بالنظام، إذا بقي، لتحجيم او تهميش شركائه في الوطن. 

ويلفت العارفون بحسابات جنبلاط الانتباه الى أن الرجل يدرك جيدا بأن الوظيفة الدفاعية والإقليمية لسلاح المقاومة لم تنته بعد، حتى يجد الحزب أن التوقيت أصبح ملائما لوضعه بتصرف الدولة. ثم ان جنبلاط الذي يعيش أصـلا على التوازنات، يهمّه أن يبقى التوازن السني ـ الشيعي مصانا ولا مصــلحة له بكـسره او باختلاله حاليا، تمــاما كما يهمّه التوازن المسيحي ـ المسيحـي من خلال ثنــائية ميشال عون ـ سمير جعجع في الوقـت الحاضر. 

ويشير العارفون الى أن أصل الخلاف بين جنبلاط و«قوى ١٤آذار» حاليا يعود أساسا الى اعتراضه على طريقة تعاملها العدائي مع سلاح «حزب الله» بعيدا عن الواقعية السياسية، خاصة أن هناك من يتوقع في المعارضة، أن يبادر الحزب الى استخدام سلاحه لوضع يده على البلد والامساك به أمنيا، في حال انهيار النظام السوري، وهو السيناريو الذي يستبعده جنبلاط، «لأن الحزب أكثر حكمة وعقلانية من أن ينجرّ الى مثل هذا الخيار الذي سيقود الى حرب أهلية، عدا عن أن التجارب أثبتت أن أحدا في لبنان، مهما تعاظمت قوته، لا يستطيع أن يهيمن على بلد يزدحم بهذا الكم من التعقيدات والتوازنات». 

ولما كان جنبلاط يفترض أنه يتصرف بشكل يعكس حرصه على عدم المساس بالمصالح الإستراتيجية لـ«حزب الله»، سواء على مستوى حضوره في السلطة أو على مستوى منظومة السلاح، فهو يفترض أن المطلوب من الحزب في المقابل تفهّما مماثلا، يأخذ بالاعتبار أن المعطيات الداخلية والإقليمية قد تبدلت بعد نشوب الأزمة السورية، وأن عليه ان يتكيف معها وأن يبدي أكبر قدر من «البراغماتية» في مقاربة مفاعيلها.

وما يشغل بال جنبلاط أن سلوك «حزب الله» لا يوحي، من وجهة نظره، أنه يقدّر بما
فيه الكفاية خطورة التأثيرات الناجمة عن تحالفه مع الاسد، وبالتالي فهو يرى أن الحزب معني بأن يراجع حساباته وأن يعيد النظر في دعمه السياسي اللامحدود للنظام السوري، بحيث يقف على مسافة منه، تجنبا للتداعيات السياسية والمذهبية التي تترتب على التصاقه به، خصوصا أن البنية العسكرية للحزب وحيثيته التمثيلية وهويته الدينية تجعل أي فعل او موقف صادر عنه يكتسب حساسية خاصة ووقعا مختلفا، ما يستوجب ان تكون خطواته محسوبة ومدروسة. 

ويرى جنبلاط في هذا السياق، وفق ما يعكسه المقربون منه، أن «حزب الله» مدعو الى مراعاة مزاج الشارع السني في لبنان والمحيط العربي، حيث وصل احتقان هذا الشارع الى ذروته على وقع أحداث سوريا، في موازاة حالة النهوض التي تعيشها التيارات السلفية والاصولية الآخذة بالتمدد، ولذا فإن تفادي الوقوع في فخ الفتنة السنية ـ الشيعية يتطلب من الحزب، برأي جنبلاط، مقاربة أكثر توازنا للأزمة السورية، بما يؤدي الى التخفيف من حدة الاستنفار المذهبي، لاسيما أن أي مواجهة ستكون أكثر حدة هذه المرة بعدما حجزت الجماعات السلفية والاسلامية مقعدا فيها منذ الآن. 

وعلى إيقاع الهواجس ذاتها، يعتقد جنبلاط أن حرص الحزب على حماية تحالفه الإستراتيجي مع العماد ميشال عون، يجب أن لا يمنعه من «ضبط» إيقاعه وعدم الركون لحساباته التي تقوم على استعداء سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي ووليد جنبلاط، بغية شد عصب جمهوره وزيادة شعبيته في الشارع المسيحي، تحت شعار انه يحافظ على حقوق المسيحيين في مواجهة محاولة الآخرين النيل منها. 

ووفق قراءة جنبلاط، فإن الخطاب السياسي الحاد الذي يعتمده عون ضد رموز الساحة السنية يؤدي الى إلحاق المزيد من الضرر بصورة الحزب في هذه الساحة، حيث يجري تحميله وزر الخطاب «البرتقالي»
وتبعاته، انطلاقا من تحالفه مع عون، في حين انه صاحب مصلحة كبرى في التخفف من الأعباء والاثقال التي يلقيها بعض حلفائه على كاهله. 

وتبعا لرئيس «جبهة النضال الوطني»، يجب ألا يفوت «حزب الله» في أي لحظة أن الشيعة والسنة سيكونون وقود أي فتنة، وأن الأولوية يجب أن تكون لمنع انزلاقهم الى صدام عبثي، أما دور المسيحيين والدروز فقد بات ثانويا في هذه المعادلة التي تقوم على استقطاب سني ـ شيعي يعبّر عن الواقع الديموغرافي في الداخل والمنطقة، وإذا كان من دور لهم فهو اقرب الى أن يتخذ شكل المنطقة العازلة بين السنة والشيعة في لبنان، تبعا للقراءة الجنبلاطية التي يعكسها المطلعون عليها. 

وانطلاقا من تركيز جنبلاط على أولوية الاستقرار ومنع الفوضى، يؤكد المحيطون به أنه شخصيا ليس بوارد ان يدفع في اتجاه إسقاط الحكومة الحالية، معتبرا ان أي تغيير من هذا القبيل يجب ان يكون مسبوقا بتفاهم داخلي على رحيل الحكومة واستبدالها بأخرى، وأي سيناريو آخر هو بمثابة قفزة في المجهول. ويكمل جنبلاط بالدعوة الى تلبية دعوة رئيس الجمهورية للحوار في الحادي عشر من حزيران، من دون وضع اية شروط مسبقة سواء من هذا الفريق أو ذاك. 

... قبل فترة، أوصلت «قوى ١٤آذار» عرضا الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، عبر وسيط، تقترح فيه ان يقدم استقالته ثم يترأس حكومة حيادية تشرف على الانتخابات النيابية المقبلة، شرط الا يترشح إليها، فرد ميقاتي انه لا يتمسك ببقائه في السلطة ولكنه يريد ان يسبق رحيل الحكومة توافقا داخليا على البديل عنها، تجنبا للفراغ...
وعندما بلغ اقتراح ١٤آذار مسامع جنبلاط، اكتفى بتعليق ساخر على طريقته، قائلا: في كل حياتي السياسية، لم أسمع بعرض أسوأ من هذا! 


المصدر :  جريدة السفير - عماد مرمل

https://taghribnews.com/vdcfved1.w6dvvaikiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز