تاريخ النشر2014 19 July ساعة 14:43
رقم : 163944

معالم من سيرة الإمام علي (ع) المبدئية في ترسيم معالم الدولة الإسلامية

تنا
وإذا أردنا الوقوف على حرص الإمام علي الشديد على بيت المال، لرأينا صوراً رائعة قلّ نظيرها من السابقين واللاحقين، لأن حياته في هذا الاتجاه كانت تتناغم وحياة نبيّه الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).
معالم من سيرة الإمام علي (ع) المبدئية  في ترسيم معالم الدولة الإسلامية

 عدنان الحاج كاظم عليان
كاتب وباحث عراقي ـ لندن

و كان الامام علي (ع) في كل الأحوال والظروف المعاشية التي قاساها هو وخاصته من أهل بيته، يمثل حالات شبه مستحيلة، لا يقوى على تحملها بشر، لاسيّما وهو يمتلك بين يديه مفاتيح بيت المال. انها صور الحرص اللامحدود على أموال المسلمين، وانها مواقف الايثار الذي يتجاوز الخيال، من أجل أن يكون القدوة الحسنة للمسلمين. 

وحتى تكتمل الصورة ومن دون اسهاب، نمر على المجمل العام الذي جسّد الإمام علي فيه النهج المبدئي والأخلاقي، ليس في مجال المال فحسب بل في كل الاُمور التي تخص المسلمين، في اطار التطبيق والممارسة. 

وفي موقف حرص الإمام (عليه السلام) على أن يكون قدوة للحكام والمحكومين، ذكر أبو نعيم بسنده عن هارون عن أبيه: "دخلتُ على علي بن أبي طالب (عليه السلام)بالخورنق، وهو يرعد تحت سمل قطيفة فقلتُ: يا أمير المؤمنين إن اللّه قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال وأنت تصنع بنفسك ما تصنع؟! فقال: واللّه ما  ارزؤكم من مالكم شيئاً وانها لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة".  

أما في موقف حرصه كرّم اللّه وجهه على أموال المسلمين، وهو في دست الحكم، فقد ضجّ منه القريب قبل البعيد، ويترجم الإمام علي هذا الموقف ببلاغته المعهودة، وهو يتعرض لموقفه مع شقيقه عقيل حين جاءه يطلب مالا، قبل أن يخرج حقّه اسوة بالمسلمين، يقول الإمام علي: "رأيت عقيلا و قد أملق حتى استماحني من بركم صاعاً، و رأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الألوان من فقرهم، فعاودني مؤكداً و كرّر عليَّ القول مردداً، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقاً طريقتي، فأحميت له حديدة، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها. فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني إلى نار سجّرها جبّارها لغضبه".
 
أما في الموقف العام فنعرض هذه الصورة المشرقة التي جسّد فيها الإمام علي موقفه في تثبيت مبدأ التواضع للرعية، وعدم التفريق بين الناس من أجل جاه أو مال أو مقام، فالناس عند علي سواسية كأسنان المشط، وهو تجسيد حي لأحكام القرآن والسنّة. وينقل لنا محب الدين الطبري عن راذان قوله: "رأيت علياً (عليه السلام) يمشي في الأسواق فيمسك الشسوع بيده، ويناول الرجل الشسع (النعل) ويرشد الضال، ويعين الحمال على الحمولة، وهو يقرأ هذه الآية: (تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، ثمّ يقول: هذه الآية نزلت في ذي القدرة من الناس" قال: أخرجه أحمد في مناقبه.
 
ولم يقم الإمام علي في إدارته للدولة الإسلامية على احتكار السلطة، عبر اجراءات مباشرة يصدرها ويسنها ويطبقها بنفسه بل كان في صميم قاعدة "كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته " لأنه كان يؤمن بأن المسؤولية هي مسؤولية تكافلية وليست فردية بين أبناء الأمة، ولكنه في موقع المسؤولية والإرشاد، لم يطلق العنان للآخرين ويترك الأمر لهم على الغارب، بل كان في صميم النصح والتوجيه، وإذا ما اقتضى الأمر فالمساءلة والمحاسبة والتوبيخ والعزل، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وكان على اصرار أكيد بخصوص من أين لك هذا؟ كحادثة عزل سعد بن عباد والي مصر، حين وصل لمسامعه ولأكثر من مرة ما دفعه لعزله وهو ما حصل مع أقرب الناس إليه، كحادثة محاسبة ابن عمّه عبد اللّه بن عباس حين ولاّه البصرة . 

وكان كرّم اللّه وجهه حريصاً ودقيقاً في اختياراته للمسؤولين، وفق مواصفات وميزات لا يدخل لها الشكّ، وكان جل نخبته الذين تم اختيارهم لمسؤوليات الدولة المختلفة من خيرة الناس، وكانت اختياراته في صميم مَن عرفوا بالخلق القويم، والصلاح والتفقّه بالدين وعفّة اللسان ونظافة اليد ونقاء النفس والسريرة. ولن ينحاز لقريب بسبب صلة الرحم، أو لانتساب عشائري، ولم ينحز في اختياراته من أجل تعزيز سلطته وحكمه بل كان شديداً في خشية اللّه، في موضع اختياراته، متوخياً في سبيله خير الرعية والدين. ولو أن راعى بعض تلك الطروحات وتنازل عن مبادئه، لأمن شرّ: القاسطين والناكثين والمراقين، ولما حصلت معارك: الجمل وصفّين والنهران. فهو أرادها دولة إسلامية محمدية، وهم أرادوها دولة جاهلية، وشتان بين دولة الحق ودولة الباطل. 

الوكالة غير مسؤولة عن مضمون المقال
 
https://taghribnews.com/vdcgtw9qtak93y4.,rra.html
المصدر : مكتبة الروضة الحيدرية النجف الأشرف
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز