تاريخ النشر2016 5 June ساعة 09:13
رقم : 233635

مصر على مر التاريخ لاستقبال شهر رمضان المبارك

تنا
اشتهر المصريون ببعض العادات لاستقبال شهر رمضان، فعن المظاهر والاستعدادات لاستقبال شهر رمضان التي تتم في مصر أيام زمان .
مصر على مر التاريخ لاستقبال شهر رمضان المبارك
كانت  العادة جارية في آخر جمادى الآخرة من كل سنة أن تغلق جميع قاعات الخمّارين بالقاهرة، ويحظر بيع الخمر، ثم رأى الوزير المأمون لما ولي الوزارة بعد الأفضل ابن أميرالجيوش أن يكون ذلك في سائر الدولة؛ فكتب به أمرًا إلى جميع ولاة الأعمال بأن ينادي على الناس أن من تعرض لبيع شيء من المسكرات أو شرائها سرًّا أو جهرًا فقد عرض نفسه لتلفها وبرئت الذمة من هلاكها.

و في عام 155ه خرج أول قاضي لرؤية هلال رمضان وهوالقاضي أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة الذي ولي قضاء مصر، وخرج لنظر الهلال، وتبعه بعد ذلك القضاة لرؤيته؛ حيث كانت تُعَدُّ لهم دكّة على سفح جبل المقطم عرفت ب " دكة القضاة"، يخرج إليها لنظر الأهلة، فلما كان العصر الفاطمي بنى قائدهم بدر الجمالي مسجداً له على سفح المقطم اتخذت مئذنته مرصدًا لرؤية هلال رمضان.

في العصر الفاطمي بمصر والذي كان يُعهد فيه للقضاة بالطواف بالمساجد في القاهرة وباقي الأقاليم؛ لتفقُّد ما تم إجراؤه فيها من إصلاح وفرش وتعليق المسارج والقناديل، حتى إن الرحالة "ناصر خسرو" الذي زار مصر في القرن الخامس الهجري وصف "الثريا" التي أهداها الخليفة الحاكم بأمر الله إلى مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط بأنها كانت تزن سبعة قناطير من الفضة الخالصة، وكان يوقد به في ليالي المواسم والأعياد أكثر من 700 قنديل، وكان يفرش بعشر طبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض، وما إن ينتهي شهر رمضان حتى تُعاد تلك الثريا والقناديل إلى مكان أعد لحفظها فيه داخل المسجد كما أن الدولة في ذلك الوقت كانت تخصص مبلغًا من المال لشراء البخور الهندي والكافور والمسك الذي يصرف لتلك المساجد في شهر الصوم .

كان الاحتفال له تقاليد رسمية، فقد كان الخليفة يخرج في مهرجان إعلان حلول شهر رمضان من باب الذهب "أحد أبواب القصر الفاطمي" متحليًا بملابسه الفخمة وحوله الوزراء بملابسهم المزركشة وخيولهم بسروجها المذهبة، وفي أيديهم الرماح والأسلحة المطعمة بالذهب والفضة والأعلام الحريرية الملونة، وأمامهم الجند تتقدمهم الموسيقى، ويسيرفي هذا الاحتفال التجار صانعو المعادن والصاغة، وغيرهم الذين كانوا يتبارون في إقامة مختلف أنواع الزينة على حوانيتهم فتبدو الشوارع والطرقات في أبهى زينة.

وكان موكب الخليفة يبدأ من بين القصرين "شارع المعز بالصاغة الآن" ويسير في منطقة الجمالية حتى يخرج من باب الفتوح "أحد أبواب سور القاهرة الشمالية" ثم يدخل من باب النصر عائدًا إلى باب الذهب بالقصر، وفي أثناء الطريق توزع الصدقات على الفقراء والمساكين، وحينما يعود الخليفة إلى القصر يستقبله المقرئون بتلاوة القرآن الكريم في مدخل القصر ودهاليزه، حتى يصل إلى خزانة الكسوة الخاصة، فيغيِّر ملابسه ويرسل إلى كل أمير في دولته بطبق من الفضة مملوء بالحلوى، تتوسطه صرة من الدنانير الذهبية وتوزع الكسوة والصدقات والبخور وأعواد المسك على الموظفين والفقراء، ثم يتوجه لزيارة قبور آبائه حسب عاداته فإذا ما انتهى من ذلك أمر بأن يكتب إلى الولاة والنواب بحلول شهر رمضان.

أما الاحتفال بحلول شهر رمضان ورؤية هلاله في العصر المملوكي، فكان قاضي القضاة يخرج لرؤية الهلال ومعه القضاة الأربعة كشهود ومعهم الشموع والفوانيس، ويشترك معهم المحتسب وكبار تجار القاهرة ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف.

وكانوا يشاهدون الهلال من منارة مدرسة المنصور قلاوون المدرسة المنصورية "بين القصرين" لوقوعها أمام المحكمة الصالحية "مدرسة الصالح نجم الدين بالصاغة"، فإذا تحققوا من رؤيته أضيئت الأنوار على الدكاكين وفي المآذن وتضاء المساجد، ثم يخرج قاضي القضاة في موكب تحف به جموع الشعب حاملة المشاعل والفوانيس والشموع حتى يصل إلى داره، ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنة الصيام.

في عصر الإمبراطورية العثمانية في التاسع والعشرين من شعبان كان القضاة الأربعة يجتمعون وبعض الفقهاء والمحتسب بالمدرسة المنصورية في "بين القصرين"، ثم يركبون جميعًا يتبعهم أرباب الحرف وبعض دراويش الصوفية إلى موضع مرتفع بجبل المقطم حيث يترقبون الهلال

فإذا ثبتت رؤيته عادوا وبين أيديهم المشاعل والقناديل إلى المدرسة المنصورية، ويعلن المحتسب ثبوت رؤية هلال رمضان ويعود إلى بيته في موكب حافل يحيط به أرباب الطرق والحرف بين أنواع المشاعل في ليلة مشهودة.

وفي صباح أول أيام رمضان يصعد المحتسب والقضاة الأربعة إلى القلعة لتهنئة "الباشا" الوالي ليخلع عليهم "قفاطين" كما جرت العادة.

وفى بيوت الأعيان كانت لهم عادات وصدقات في ليالي رمضان يطبخون فيها الأرز باللبن، ويملئون من ذلك قصاعًا كثيرة ويوزعون منها على المحتاجين، ويجتمع في كل بيت الكثير من الفقراء فيوزعون عليهم الخبز ويأكلون ويعطونهم بعد ذلك دراهم، خلاف ما يوزع من الكعك المحشو بالسكر و"العجمية" وسائر الحلوى.

في زمن الحملة الفرنسية في مصر، وفي ليلة الرؤية كان قاضي القضاة والمحتسب ومشايخ الديوان يجتمعون ببيت القاضي "المحكمة" بين القصرين، وعند ثبوت الرؤية يخرجون في موكب يحيط بهم مشايخ الحرف و"جملة من العساكر الفرنساوية"، وتطلق المدافع الصواريخ من القلعة والأزبكية.

وكانت كسوة الكعبة تُودع بمشهد مولانا الإمام الحسين حتى موعد "دوران المحمل"، وفي رمضان 1215ه "توجَّه الوكيل" "الجنرال فورييه" ومشايخ الديوان إلى المشهد الحسيني لانتظار حضور "نابليون بونابرت" بسبب الكشف على الكسوة وازدحم الناس زيادة على عادتهم في رمضان، فلما حضر ونزل عن فرسه عن الباب وأراد العبور للمسجد رأى ذلك الازدحام؛ فهاب الدخول وخاف العبور وسأل من معه عن سبب هذا الازدحام، فقالوا: " هذه عادة الناس في نهار رمضان يزدحمون دائمًا على هذه الصورة في المسجد ولو حصل منكم تنبيه كنا أخرجناهم قبل حضوركم، فركب فرسه وكرَّ راجعًا وانصرف".

وفي العام التالي 1216ه كانت الأوضاع لا تسمح بمظاهر احتفالية، خاصة مع تصاعد المقاومة الشعبية لجيش الاحتلال الفرنسي، ولم تُعْمل فيه الرؤية على العادة؛ خوفًا من عربدة العساكر، وكان نابليون بونابرت يصدر أمره بالمناداة في أول رمضان بألا يتجاهر غير المسلمين بالأكل والشرب في الأسواق، وألا يشربوا الدخان ولا شيئًا من ذلك بمرأى منهم؛ كل ذلك لاستجلاب خواطر الرعية.

كما أقام نابليون عام 1798م في الإسكندرية بطارية مدفع فوق كوم الناضورة مزودة "بكُرة" وتتصل البطارية بمرصد حلوان بحيث يتم إسقاط الكرة ساعة غروب الشمس فتحدث صوتًا، وأصبح هذا الصوت إيذانا بموعد الإفطار وأطلق عليه "كرة الزوال".

مع بداية القرن العشرين في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني انتقل إثبات رؤية الهلال إلى المحكمة الشرعية بباب الخلق، حيث كانت مواكب الرؤية تخرج إلى المحكمة الشرعية: موكب لأرباب الحرف على عربات مزدانة بالزهور والأوراق الملونة، وموكب الطرق الصوفية بالشارات والرايات والبيارق، وفرق رمزية من الجيش والشرطة بموسيقاها المميزة.

وكانت هذه المواكب تمر بقصر "البكري" بالخرنفش، حيث نقيب السادة الإشراف وأمراء الدولة والأعيان يستقبلون وفود المهنئين وتُوزع المرطبات ويتبادل الجميع التهاني، بينما مدافع القلعة والعباسية تدوي وتطلق الألعاب النارية وتضاء الأسواق والشوارع وجميع القباب والمآذن، يوم كانت المآذن تعلو البيوت.

وأما يوم الرؤية، فكان الموكب من القلعة يضم المحتسب وشيوخ التجار وأرباب الحرف من الطحانين والخبازين والزياتين والجزارين والفكهانية وصانعي الفوانيس وحاملي الشموع، تحيط بهم فرق الإنشاد الديني ودراويش الصوفية، وتتقدم المواكب فرقة من الجنود.

وفي العصر الحديث اشتهرت أيضًا مهنة المسحّراتي، وكانت النساء تضع نقودًا معدنية داخل ورقة ملفوفة ويشعلن طرفها، ثم يلقين بها من المشربية إلى المسحراتي؛ حتى يرى موضعها فينشد لهن.

أما ليلة القدر فدليلها في اعتقاد البعض تحوّل المالح حلوا؛ حيث كان الأتقياء يجلسون وأمامهم إناء فيه ماء مالح "وبين حين وآخر يتذوقون طعمه؛ ليروا هل أصبح حلوا أم لا فإذا أصبح الماء حلو المذاق يتأكدون أن هذه ليلة هي القدر".

ربما ترجع فكرة "موائد الرحمن" إلى الولائم التي كان يقيمها الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان في أيام الفاطميين، يروى أن أحمد بن طولون حاكم مصر ومؤسس الدولة الطولونية هو أول من رأى في شهر رمضان مناسبة كريمة لاستثمار الفضائل؛ فأمر بدعوة أغنياء وحكام الأقاليم في أول يوم من رمضان ووزعهم على موائد الفقراء والمحتاجين كي ينفقوا عليها ، وعرفت موائد الرحمن الرمضانية في العصر الفاطمي وسميت "السماط" ، وكان الخليفة يعد مائدة كبيرة في قاعة الذهب بقصره تمتد من الليلة الرابعة من رمضان حتى الليلة السادسة والعشرين، ويدعى إليها كبار رجال الدولة والأمراء والوزير وقاضي القضاة، إضافة إلى موائد أخرى في مسجد عمرو بن العاص والجامع الأزهر، وكذلك إناء مملوءة بالطعام تخرجها مطابخ قصر الخليفة للمحتاجين.

ويعتبر الخليفة الفاطمي العزيز بالله أول من عمل مائدة في شهر رمضان يفطر عليها أهل الجامع العتيق (عمرو بن العاص)، وأقام طعامًا في الجامع الأزهر مباحًا لمن يحضر في شهور رجب وشعبان ورمضان، وكان يخرج من مطبخ القصر في شهر رمضان 1100 قدر من جميع ألوان الطعام، توزع كل يوم على المحتاجين والضعفاء.

وفي العصر الفاطمي كانت تمتد آلاف الموائد المليئة بأطيب الطعام للصائمين غير القادرين أو عابري السبيل، وكان الخليفة العزيز بالله ومن بعده المستنصر بالله يهتمون بموائد الإفطار التي تقام في قصر الذهب للأمراء ورجال الدولة ، وكذا التي تقام في المساجد الكبرى للفقراء والمساكين حتى بلغت نفقات شهر رمضان مدة 27 يوما ثلاثة آلاف دينار.

في العصر الفاطمي أيضا بنى الخليفة الفاطمي العزيز بالله دارا سميت "دار الفطرة" خارج قصر الخلافة بالقاهرة، وقرر فيها صناعة ما يحمل إلى الناس في العيد من حلوى وكعك وتمر وبندق، وكان يبدأ العمل بدار الفطرة من أول رجب إلى آخر رمضان، ويستفيد منها الأمراء والفقراء، حيث توزع عليهم أصنافها كل على قدر منزلته، ويقوم بالتوزيع مئة فرّاش ، وكان يعمل في هذه الدار مئة صانع للحلوى وغيرها من المأكولات، علاوة على ما هو مرتب لخدمتها من الفراشين الذين يحفظون رسومها ومواعينها، وكان يصرف على أجرة الصنّاع والمواعين خمسمائة دينار.

وجرت العادة في هذا العصر أن يحضر الخليفة الفاطمي العزيز بالله إلى دار الفطرة ومعه الوزير فيجلس الخليفة على سريره، ويجلس الوزير على كرسي ، وذلك في النصف الثاني من شهر رمضان، ويدخل معهما قوم من الخواص، ويشاهد الخليفة ما بالدار من الحواصل المعمولة المعبأة مثل الجبال من كل صنف فيفرقها من ربع قنطار إلى عشرة أرطال إلى رطل واحد وهو أقلها، كل على قدر منزلته، وذلك في أوانٍ لا تُرد، ثم ينصرف الخليفة ووزيره بعد أن ينعم على مستخدمي الدار بستين دينارا.
https://taghribnews.com/vdcbffb5srhbf0p.kuur.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز