كان الإجتماع الذي أقامته الجمعية العمومية التابعة للامم المتحدة والذي شاركت فيه وفود عالية المستوي منها وفد من الجمهورية الاسلامية الايرانية مسرحاً للمواجهة وإستعراضاً للقوة بين ايران والولايات المتحدة الأمريكية.
شارک :
وكتب المتحدث باسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي مقالاً في صحيفة «ايران» اليوم الإثنين جاء فيه: إنّ هذا الإستعراض للقوة لم يأت عبر توظيف العتاد العسكري أو المعدات القاهرة بل تم بواسطة آليات دبلوماسية متنوعة ومتعددة الأشكال رغم أنّ العُرف التقليدي السائد علي علم السياسة والعلاقات الدولية يَعتبر القوة العسكرية وخاصةً امتلاك الدول لقوة نووية عسكرية من شأنه أن يمنحها قوة رادعة.
وكان توماس شيلينغ مُنظّر«القوة الرادعة» الشهير يؤكّد أيّام الحرب الباردة علي أهمية الردع النووي العسكري في المواجهة ويصفه بأنه سببٌ للحفاظ علي الإستقرار وإبقاءً لنظام القطبين العالمي لكنّ انهيار الإتحاد السوفييتي بيّن عدم فاعلية هذه النظرية وعدم كفاءة القوة النووية العسكرية في الحفاظ على تماسك تلك القوة الشرقية العظمي.
وأفاد قاسمي في مقاله بأنّ القوة الرادعة تعني إزالة التهديدات ومنع مواجهة وتدخُّل دولة في الشؤون الداخلية لدولة اُخرى ومنع التفرّد والأحادية في الهيمنة العالمية مشدداً على أنّ هذه القوة لن يُكتب لها النجاح الا إذا قامت على سلطة ذات خلفية شعبية واقتصاد حي ومقاوم وكفاءة في توظيف القوة الناعمة خاصة ذلك الصنف الدبلوماسي منها.
وكتب قاسمي بمثال علي ذلك بتسميته سويسرا التي تبنّت نهجاً حيادياً واستقلالاً سياسياً أتحفها لأربعة قرون بالاستقرار والهدوء مؤكداً علي أنّ الأنظمة القائمة علي أصوات الشعب والاقتصاد الحي المقاوم تتمع بضرب من القوة الرادعة إزاء الهزات السياسية والأمنية التي قد تشهدها الدول النامية ما يُعطيها تأثيراً ويمنحها دوراً علي الساحة الدولية حتي إن لم يكن في حوزتها ترسانة عسكرية قوية.
واضاف قاسمي: إنّ الجمهورية الاسلامية الايرانية تتمتع بقوة وخلفية ثورية ونظام اسلامي وقوة عسكرية مشروعة مألوفة زادت ايران اليها عنصرا رادعا آخر وهو الديمقراطية والإستناد الى أصوات الشعب والكفاءة الدبلوماسية مشيراً الى مشاركة كبار مسؤولي البلاد في الجمعية العمومية للامم المتحدة لتوظيف هذا العنصر خير توظيف.
و عبّر قاسمي عن إعتقاده بأنّ التواجد المتزامن للوفود الرفيعة ومنها الوفد الايراني في هذا الإجتماع كان بالنسبة لنا مسرحاً لاستعراض قوتنا وكفاءاتنا في المواجهة الدائرة بيننا وبين الولايات المتحدة معتقداً بأنّ الأمريكيين قد تساورهم نفس هذه الفكرة ايضاً.
وصنّف قاسمي هذه القوة الدبلوماسية الرادعة الايرانية في 1- الدبلوماسية الثنائية (كإجتماع بين قادة ومسؤولي ايران وبلد آخر) .
و2- المتعددة الأطراف(كإجتماع وزراء أربعة زائد واحد) و3- دبلوماسية الأوساط الدولية (كالقاء كلمة في الجمعية العمومية)
و4- الدبلوماسية الاعلامية (كاجراء مقابلات مع القنوات التلفزيونية والإعلام الرسمي الدولي والإعلام الخطي أو الإفتراضي)
و5- الدبلوماسية العامة (كإقامة حفل لقاء بالجاليات المسلمة أو الايرانية أو النخبة المثقفة)
و6- الدبلوماسية الافتراضية (أي توظيف الأجواء الافتراضية وشبكات التواصل الاجتماعي).
و إعتبر قاسمي هذه الأصناف من الدبلوماسية التي وظفتها ومازالت توظفها ايران من شأنها نسف المخططات الأمريكية والإستعراض المضحك الذي عادة ما نشهده من قادة الكيان الصهيوني تحت أروقة الامم المتحدة.
وأعرب قاسمي عن دهشته وسخريته إزاء قيام حكومة لاتلتزم بأية قاعدة أو بأية جهة رسمية دولية وتعتزّ بالأحادية الخادمة للمصالح الأمريكية، باللجوء الي منظمة الامم المتحدة واصفاً ذلك من مفارقات القدَر والمشاهد الساخرة المرّة.
وتطرق قاسمي في مقاله الى الولايات المتحدة لافتاً الى عدم مسايرة الأيّام والظروف السائدة لها وعدم إتيان الريح لمشتهاها وكتب: إنّ واشنطن بغية تبرير انتهاكها للقرار رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن ودفاعاً عن تفردها في الإنسحاب عن الإتفاق النووي اضطرّت الى اللجوء الى نفس المجلس الذي أصدر قرار 2231 نفسه الذي يعترف بالتعددية ويدعم الإتفاق النووي.
وأكّد قاسمي علي أنّ هذه الأحداث أقنعتنا بأنّه لايوجد شئ يمكن تسميته بالمستحيل وأنّ ترامب نفسه رغم تمتع بلاده بالقوة العسكرية (الفارغة) لايستطيع الإستغناء عن الآلية الدبلوماسية.
وأشاد قاسمي بالخطاب اللائق والمتحلي بالوقار والمستند الي القوانين الدولية والقائم علي العدالة الذي ألقاه الرئيس الايراني حسن روحاني في إجتماع الجمعية العمومية معتبراً ذلك توظيفاً للقوة الناعمة أو بعبارة اُخري الآلية الدبلوماسية.
وأعرب قاسمي عن إعتقاده بفشل وإنفضاح أمر ترامب في كلمته الاستعراضية التي ألقاها في اجتماع مجلس الأمن والذي تطرق فيها الي قضايا الملف النووي وأطلق مزاعم وإتهامات تعوّدنا علي سماعها، بحيث لقيَت ردة فعل ساخرة من جانب ممثلي الدول ذات العضوية الدائمة وغير الدائمة في مجلس الأمن، وهي مواقف تستحق منا الإشادة وتبعث الي التفكير كونها واجهت عبارات أمريكية حافلة بالأوهام والأنانية والإستعلاء.
وكتب المتحدث باسم الخارجية الايرانية في مقاله: إنّ هذا الحدث بيّن لنا إمكانية التفوّق علي القوة الفارغة من المنطق البشري والمفعمة بالغطرسة والهيمنة السلطوية وذلك عبر توظيف القوة الدبلوماسية لإيقاف الولايات المتحدة عند حدها.
ونوّه قاسمي الي كلمة ايفو مورالس رئيس جمهورية بوليفيا الفقيرة ولكن المتحلية بالعزم والإرادة القويَين في إجتماع مجلس الأمن الذي كان يجلس بمسافة مقعدين من الرئيس الأمريكي المغرور والمتكبّر والتي بيّنت شأن الدبلوماسية في الوقوف بوجه واشنطن.
وكان إيفو مورالس قدأشار في كلمته الي التدخل الامريكي في الشأن الايراني عبر التاريخ ودور هذه الدولة في الإنقلاب العسكري الشهير الذي أطاح بحكومة شعبية وأسس لحكومة ملكية مستبدة والي مؤامرات البيت الابيض التي تلت إنتصار الثورة الاسلامية في ايران استمرت 4 عقود وانسحاب واشنطن من الإتفاق النووي وفرضها حظراً ظالماً علي ايران مندّداً بها جميعاً.