نجاح الثورة المصرية المشتعلة الآن سوف يشكل فجراً جديداً للمنطقة بأكملها، وسوف يشكل زلزالاً ضخماً، سوف يطيح بكل الأنظمة العربية المتسلطة التي لا تستمد شرعيتها من شعوبها، آجلاً أو عاجلاً.
الانتفاضة المشتعلة في أرض الكنانة ليست انعطافةً محدودةً في مسيرة الشعوب العربية، إنّها أكبر من ذلك بكثير، وتحمل آثاراَ ضخمة، تفوق ضخامتها ضخامة الحدث المنظور. العالم العربي هو المنطقة الوحيدة في العالم التي ما زالت محكومة بأبشع الأنظمة الديكتاتورية المتسلطة، نظام "الفرد" الواحد المتحالف مع قوى الفساد وشلل المنافع الشخصية والمصالح الضيقة، وفي الوقت نفسه يحيط نفسه بأجهزة القمع المتطورة والمتنوعة، القادرة على كبت الحريات، ومصادرة حقوق الأفراد بالعيش الحرّ الكريم.
إنّ هذه المسيرة الشاذة للعالم العربي، لن تدوم إلى الأبد، فهذا مخالف لسنن الكون، ومنطق الدهر، فأنظمة الظلم والقمع أقصر عمراً من الأنظمة العادلة المنبثقة من ضمير الشعب ومصالحه، ومن هنا فلا محالة من زوال هذه الأنظمة القامعة واستبدالها، فالمسألة مسألة وقت فقط؛ لأنّها تختزن نقاط ضعفها في بنيتها وتشكلها، وتحمل بذور فنائها في أحشائها. فما حدث في تونس ويحدث في مصر، يمثل انطلاقة المستقبل القادم الذي سوف يزلزل الكرة الأرضية، وليس العالم العربي والمنطقة فقط، لأنّ مصر تشكل حجر الزاوية في استقرار المنطقة والنظام العالمي فيما يخص المشروع الأمريكي -الغربي ـ الصهيوني، ولذلك فإنّ أكبر المتضررين من انهيار النظام الحاكم في مصر هو الكيان "الإسرائيلي"، ومن ثمّ المشروع الأمريكي الغربي الذي يساندها بقوة.
ولذلك لا غرابة أن يهب رئيس الحكومة في الكيان الصهيوني لتوجيه النداء إلى زعماء العالم الغربي وعلى رأسهم أمريكا من أجل بذلك أقصى الجهد وبذل المساعي الجادة لمساعدة الرئيس المصري على الثبات والبقاء، أو من أجل ترتيب انتقال السلطة من بعد الرئيس بما يجعل منهج الحكم مستمراً على الطريقة الأولى المرسومة إسرائيلياً وأمريكياً ودولياً، كما أنّ مؤسسة صندوق النقد الدولي هبت لمساعدة النظام المصري اقتصادياً، من أجل مواجهة الأزمة المتفاقمة. ما ينبغي أن يعلمه كل عربي ومسلم، أنّ نجاح الثورة المصرية المشتعلة الآن سوف يشكل فجراً جديداً للمنطقة بأكملها، وسوف يشكل زلزالاً ضخماً، سوف يطيح بكل الأنظمة العربية المتسلطة التي لا تستمد شرعيتها من شعوبها، آجلاً أو عاجلاً.
الثورة المصرية تحتاج إلى دعم ومساندة شاملة ومتنوعة على مختلف الصعد والمجالات، ويجب أن تجود قرائح الشعر والأدب من أجل أن تكون أهزوجة الثورة لحناً عذباً على ألسنة أبنائنا وأحفادنا على امتداد الساحة العربية والإسلامية؛ من أن تصل الثورة إلى أهدافها الحقيقية، والحيلولة دون التحايل عليها أو قطف الثمرة من الأنظمة المتآمرة، وعملائهم في الداخل الذين يعملون على سرقة جهود الثائرين الذين يريدون نظاماً شعبياً جديداً يقوم على الاختيار الشعبي الحر. الشعوب العربية ينبغي أن تقتنص اللحظة في خلق الصيغ الإبداعية التي تتجاوز الماضي كله، بكل أدواته، ووسائله وأطره وتشكيلاته السياسية والاجتماعية؛ من أجل تحقيق النجاح المنشود الذي يلبي طموحات الجماهير وغاياتها في التحرر والاستقلال والكرامة أولاً.
ما ينبغي أن يتزود به كل فرد أو جماعة أو هيئة من دروس الثورة المصرية أن (الحرية) هي مطلوبنا أولاً، وهي أغلى ما نطلب وأغلى ما نملك، ومن أجلها تبذل الأرواح، ومن أجلها تبذل الجهود، وعندما يصبح الشعب حراً، وتصبح الأجيال حرة، فلن يستطيع أن يحكمها ديكتاتور أو متسلط أو فاسد أو مستعمر أو وافد. وعندما تصبح الشعوب حرة، تصبح الأوطان حرة، وعند ذلك يزهر التراب وتخضر الأرض، وينمو الإبداع ويعلو البناء، وتسود العدالة وينتفي الظلم، وتتنتفي العبودية وينتفي الجبن والجبناء ويسود الأحرار ويحكم الأكفياء الأمناء، {والله غالبٌ على أمره، ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}.