حالة التجاذب بين اطراف النظام العربي الرسمي والخوف من انتقال "العدوى" الديمقراطية الى عواصم عربية اخرى هما العاملان المسؤولان عن حالة الشلل العربي الرسمي حيال ما يجري في مصر
حالة من الشلل تسيطر على الانظمة بانتظار الحلول من امريكا . لم يتوان معظم زعماء العالم عن التعليق على الاحداث الجارية في مصر ومتابعة تطوراتها, وشكلت الدول الكبرى مثل امريكا وبريطانيا وفرنسا "خلايا" لادارة الأزمة واوفدت مبعوثين الى القاهرة. ولا تمر ساعة من دون ان نسمع تصريحا صحافيا لمسؤول امريكي او غربي حول مصر, ولا تخفي دول مثل الولايات المتحدة دورها في اقتراح حلول للأزمة وسيناريوهات لانتقال السلطة. اسرائيل بالطبع حاضرة في المشهد المصري بقوة ومنذ بدء الانتفاضة تعقد حكومة نتنياهو اجتماعات مكثفة لمناقشة الاوضاع في مصر ومصير اتفاقية كامب ديفيد ومستقبل العلاقات مع مصر في حال سقوط نظام مبارك.
بمعنى آخر العالم كله مشغول بالحدث المصري باستثناء العالم العربي واعني هنا الانظمة العربية. فمعظمها ما زال تحت تأثير الصدمة بعد الثورة التونسية والانتفاضة المصرية. قلة من الدول العربية استخلصت الدروس مما حدث, فيما الأغلبية تسعى وبكل الوسائل الى صد عاصفة التغيير التي بدأت تضرب العالم العربي, وسارع زعماء عرب - كانوا بالأمس القريب يستهترون بحق الشعوب في الديمقراطية وتداول السلطة - الى التراجع عن خططهم للاستمرار في الحكم او توريث السلطة لأبنائهم وتستعد انظمة اخرى لانهاء حالة الطوارئ وتوسيع هامش الحريات.
لكن التداعيات الداخلية لعاصفة الشعوب لا تلغي السؤال المطروح حول دور النظام العربي الرسمي فيما يجري بمصر. فهل من المنطق ان يتخلى العرب عن مساندة مصر وشعبها في هذا المنعطف التاريخي ويتركوا للقوى الدولية تحديد مصير الدولة الأكبر والأهم في العالم العربي.
رغم الحساسيات والاعتبارات الكثيرة التي تحول دون اتخاذ مواقف صريحة وعلنية الى جانب النظام المصري او ضده, فان المراقب لتوجهات الأنظمة العربية يمكنه ان يقسمها الى مجموعتين: الأولى: دول عربية تتمنى فشل الانتفاضة المصرية لتبقى هي في مأمن من استحقاقات التغيير, من جهة, ويستمر النظام المصري الحالي بالخط السياسي نفسه الذي يخدم مصالح وارتباطات عدد غير قليل من الأنظمة العربية من جهة اخرى.
الثانية: مجموعة تريد سقوط نظام مبارك ليس من باب الحرص على تحقيق الديمقراطية للشعب المصري, وانما لرغبتها في تحسين موقعها السياسي المناوئ لنهج النظام المصري وحلفائه الاقليميين والدوليين في سياق الصراع الدائر بين الولايات المتحدة واعدائها في المنطقة. حالة التجاذب بين اطراف النظام العربي الرسمي والخوف من انتقال "العدوى" الديمقراطية الى عواصم عربية اخرى هما العاملان المسؤولان عن حالة الشلل العربي الرسمي حيال ما يجري في مصر, وامتد هذا الأمر ليطال مؤسسة الجامعة العربية التي لم يحتمل أمينها "المصري" عمرو موسى دور المتفرج ونزل الى ميدان التحرير بصفته الشخصية كما قال واطلق عدة تصريحات توحي كلها بأن الرجل ينوي الدخول الى حلبة المنافسة على رئاسة مصر في مرحلة ما بعد مبارك.
باستثناء مداخلة موسى "المصرية" لم تتحرك أي دولة عربية للمساهمة في الوصول الى حل للمأزق المصري او اقناع مبارك بالتنحي لتجنيب مصر وشعبها المزيد من التضحيات والخسائر. والمفارقة المأساوية في هذا الصدد ان الحديث الذي يجري عن دور محتمل للدول العربية قد جاء عبر البوابة الامريكية وبطلب مباشر من اوباما. كما لو ان ما يجري في مصر هو شأن امريكي او غربي وليس قضية عربية ستحدد مستقبل النظام العربي برمته.