لا شك أن الثورات المجيدة التي يشهدها العالم العربي هذه الأيام ستعجل في تغيير الساحة الفلسطينية وفي إنجاح مبادرات شباب فلسطين، الواعي، المجرب، الذي عاش ويعيش تجربة فريدة من النضال ضد إحتلالين داخلي وخارجي.
كان الفلسطينيون يرددون دائما منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة ان تحرير فلسطين لا يتم بدون تحرير بلاد العرب من القمع والظلم والتخلف والأنظمة الفاسدة.
ها هي الشعارات تتحقق، فنحن أمام مشهد قومي عربي يليق بأمة الضاد، ثورات شعبية عارمة من المحيط إلى الخليج تطيح برموز الذل والهوان والخنوع.
إنها الطريق السليم إلى فلسطين حرة، إذن فلا تتعجلوا الأمر يا أهل البلاد المقدسة والمحتلة لأن الدرب الذي سلكته جماهير تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وعمان والعراق سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى بيت المقدس، لأنه نفس درب صلاح الدين محرر القدس وقاهر الصليبيين، الذي سوف يخرج صدى صوته من قبره ليقول للصهاينة والمتصهينين والمرتدين إنني مازلت هنا أحرس فلسطين وقدسها.
للأسف عاش بعض القادة الفلسطينيين الشرفاء الذين رحلوا في السنوات القليلة الماضية آخر سنواتهم في غم وهم ، فرأوا البلاد العربية تتساقط في القبضة الصهيونية الأمريكية بلداً بعد آخر. وكانت قيادة المنظمة هي التي افتتحت طريق الاستسلام العربي السريع عبر اوتوستراد التسوية الذي بدأته من أوسلو، وامتد ليصل إلى البيت الأبيض وباريس وروما ومدريد وشرم الشيخ وايلات، ثم ليستقر في جامعة الدول العربية العاجزة والبائسة وفاقدة كل مقومات التسمية والبقاء.
وقعت قيادة فتح و(منظمة التحرير الفلسطينية) اتفاقية أوسلو بشخص رئيسها ياسر عرفات، مفوضاً من اللجنة المركزية للحركة بغالبية صوت واحد، يقال أنه كان صوت السيد أبو ماهر غنيم، غير آبهة بالشعب الفلسطيني كله ولا بالفصائل الفلسطينية ولا بأي أحد. مقامرة بالقضية والتضحيات والسمعة الوطنية والحقوق الثابتة ودماء الشهداء والجرحى وعذابات الأسرى، كان تصرفها تصرفاً عنجهياً ينم عن لا ديمقراطية متأصلة وموجودة في الفكر والعمل وحتى في العقل والدماء.
بعد أوسلو أصبح الانشقاق علنيا وواضحاً وكبيراً جداً في الساحة الفلسطينية، وتعزز بشكل صارخ ومكشوف حتى داخل فتح، ثم بان فيها الخيط الأبيض من الأسود بعد وفاة زعيمها بلا منازع ياسر عرفات. ومع ذهاب الأخير كادت تذهب فصائل وحركات، كما كادت تذوب حركة فتح نفسها، التي جاءت باتفاقيات أوسلو وبالسلطة المنبثقة عنها.
حركة فتح التي كادت بعد رحيل عرفات أن تنتهي عملياً من الوجود هي اليوم ونقول ذلك بكل صراحة أشبه بالمنتهية بعدما أصبحت حزبا لسلطة فاسدة ومرتهنة للاحتلال، سلطة تنازلات مجانية وبالجملة، سلطة التنسيق الأمني مع الشاباك وجيش الاحتلال، سلطة الوقوف ضد المقاومة والعمل ضد المقاومين. سلطة تضييع وبيع ارض فلسطين وحقوق شعبها بالتقسيط المريح.. سلطة موظفين لدى الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ومكاتب التنسيق مع المحتلين.
إن إنهاء الانقسام في فلسطين شعار رفعته بعض التجمعات الشبابية الفلسطينية في داخل وخارج فلسطين المحتلة، إذ تعمل تلك المجموعات على تفعليه في الشتات العالمي. وتحضر لإقامة حملة تظاهرات واعتصامات كبيرة جدا في كافة أنحاء العالم تطالب بإنهاء الانقسام.
هذا التوجه لدى الشباب الفلسطيني توجه محمود وعقلاني وواقعي ووطني حريص على الوحدة الوطنية. لكن علينا قبل أن نقول يجب إنهاء الانقسام أن نفهم أسباب الانقسام وعلى أساسها نواصل العمل لإنهاء الانقسام. وعندما يقول الأكبر سناً من جيل الشباب هذا الشيء، لا يقولونه فوقياً بل لأجل المصلحة الوطنية، لذا فإن السبب الأول والأخير للانقسام الفلسطيني هو عملية السلام الاوسلوية والمفاوضات المستمرة بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية. هذا يعني بكل بساطة إن إنهاء أوسلو وإسقاطه مرة والى الأبد سيعني إنهاء الانقسام وولادة نهج سياسي فلسطيني جديد، يأتي بعملية انتخابات ديمقراطية للمؤسسات الفلسطينية على أنقاض سلطة أوسلو، كما في منظمة التحرير الفلسطينية، التي اغتصبت وسلبت من الشعب الفلسطيني كما اغتصب وسلب قراره على مر سنوات تواجد قيادة المنظمة على رأس الهرم في القيادة الفلسطينية. فإعادة بناء المنظمة وتنظيفها من رواسب أوسلو وزمن الانحطاط الفلسطيني مهمة أساسية تقع على عاتق الشعب الفلسطيني كله، وفي المقدمة منه جيل الشباب والطلائع الثورية التي بدأت تتحرك.
هناك بالإضافة لمبادرة شباب إنهاء الانقسام توجد مبادرات أخرى مثل إنهاء وإسقاط أوسلو، كما هناك مبادرة إنهاء الاحتلال والعودة عبر الزحف إلى فلسطين عبر كافة الحدود ومن كل العالم وهنا نؤكد على أن إنهاء الانقسام وإنهاء أوسلو وإنهاء الاحتلال شعارات ثلاث في شعار واحد لا بد من العمل فلسطينيا من اجل تحقيقه..
لا شك أن الثورات المجيدة التي يشهدها العالم العربي هذه الأيام ستعجل في تغيير الساحة الفلسطينية وفي إنجاح مبادرات شباب فلسطين، الواعي، المجرب، الذي عاش ويعيش تجربة فريدة من النضال ضد إحتلالين داخلي وخارجي.. كذلك لأن البركان الفلسطيني المختزن في جوف الجبل الشعبي سوف ينفجر. ولا بد أن ينفجر ليحدث المعجزة الفلسطينية في إزالة الاحتلال الصهيوني. لكن قبل أن يحدث ذلك سوف يحتفل العرب كلهم بثوراتهم وتحررهم من الاستبداد والقمع والتبعية، ثم بعد ذلك يأتي دور أهل فلسطين الذين سوف يكونون آخر المحتفلين لأن ختامها مسك كما يقول المثل الشعبي العربي.