العلاقة مع العدو الإسرائيلي، السبب الأهم للثورات العربية
وکالة انباء التقریب (تنا) – دمشق 5/4/2011
کتب الباحث "يوسف جاد الحق" مقال نشر فی صحیفه "البعث" السوریه حول اسباب للثورات العربية فی المنطقه.
شارک :
و اضاف، ما من أحد ينكر أن الوطن العربي لم يكن في أحسن حالاته عندما هبت رياح الثورة على كثير من أرجائه.. صحيح أن أسباب هذا الانفجار، البادية للعيان لأول وهلة، هي في المقام الأول أسباب حياتية معيشية يتأثر بها المواطن في حياته اليومية والذي يعاني منها بما يفوق طاقته على الاحتمال، إذ إنه يرى واقعه البائس إزاء ما ينعم به أفراد قلائل تسلطوا على مقدراته، مجموعة جشعة تكاد تستحوذ على كل شيء- كما هو الحال في مصر وتونس- ولا يملك المواطن العادي حيال ذلك سوى الصمت، مقهوراً مكبوتاً. صحيح هذا كله، وهو معروف لدى القاصي والداني بفضل وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة، إلا أن هناك سبباً آخر لا يقل أهمية عما سبقت الإشارة إليه، إن لم يكن أكثر أهمية في واقع الأمر، هو الموقف من القضايا القومية عامة، والفلسطينية خاصة، ونوعية هذه العلاقة بالعدو الإسرائيلي ومنه، وبحليفه الأمريكي تالياً. هذا هو المعيار الأهم الذي على أساسه يقيم المواطن العربي حساباته، ويبني عليه موقفه من السلطة الحاكمة في بلده، سواء جهر الناس بذلك أو آثروا الصمت بحسب ظروفهم وأحوالهم في مختلف بلدانهم. لقد رأينا وسمعنا هتافات الجماهير الصاخبة في ميدان التحرير بالقاهرة، وفي تونس، تندد بتلك الأنظمة، متهمة إياها بالتواطؤ مع العدو والتبعية لأمريكا حليفته وحاميته، الأولى تنتهك القوانين والمواثيق والشرائع فتقيم المجازر، وتسرق الأراضي والمياه من أصحابها، بل تسرق منهم الحياة نفسها، فضلاً عن أسبابها ومقوماتها، يحدث هذا في فلسطين ولبنان، هؤلاء يقفون من أبناء أمتهم، ليس موقف المتفرج وحسب، بل موقف المساندة للعدو، إذ هم يسهمون في عدوانه ويشاركونه رؤاه وينفذون مخططاته بلا تردد أو إبطاء...!. لقد ذهب الأمر ببعضهم أن راح يحض العدو على المضي حتى النهاية في عدوانه، سواء على المقاومة اللبنانية في حرب تموز عام ۲۰۰۶، أو حرب غزة أوائل عام ۲۰۰۹، داعياً إياه بألا يوقف عدوانه قبل القضاء على المقاومة في المكانين، بل إن من بينهم من لم يتورع عما أسموه (بالتنسيق الأمني) مع العدو مشاركاً إياه ممارساته الإجرامية على المقاومين أبناء جلدته من اعتقال وتعذيب حتى الموت أحياناً. أما الثانية (أمريكا) فقد أعطاها أولئك حق الهيمنة، وإملاء الرأي في أخص شؤون بلادهم الداخلية، بحيث أصبحت أمريكا هي الآمرة الناهية المتحكمة في شؤون البلاد والعباد بما يتفق مع مصالح العدو الإسرائيلي أولاً وقبل أي شيء آخر، ما أفضى إلى ما آلت إليه الأحوال من خراب عام شامل على البنى الاجتماعية والاقتصادية، وتهميش للسيادة الوطنية والكرامة القومية، وتراجع في المكانة السياسية. استمر هذا النظام أو ذاك على تلك الحال، لا سيما أنه عاش طويلاً ، لعقود من السنين، والناس تبدي تذمرها واستياءها، وقد تجأر بشكواها عن سوء أحوالها ورفضها لما يجري، ولكن النظام لا يأبه لشيء من ذلك، فقد صور لهم الوهم بأنها خانعة إزاء ما يجري، راضية أو كارهة، فمضى من ثم مستمتعاً بلعبته البغيضة إلى أن طفح بالشعب الكيل فهب منتفضاً ثائراً لكي يطيح بالنظام ورموزه. لم يتورع النظام المصري - على سبيل المثال- من أن يستقبل نتنياهو وباراك واولمرت، في الوقت الذي كان جيش هؤلاء يقصف غزة، فيقتل من يقتل من أهلها، ويدمر بناها محاصرة من البحر والجو والبر، فيمنع عنها الدواء والغذاء القادم إليها كمعونات من جهات عربية وإسلامية وإنسانية أجنبية، ولا ينسى أحد مواقفه من العدوان على سفينة الحرية التركية، ومن النائب البريطاني جورج غالوي، وآخرين من الشعب المصري نفسه. أما النظام التونسي فكان على علاقة حسنة بالإسرائيليين، يأتونه سياحاً وتجاراً وجواسيس أيضاً، يستقبلهم بالترحاب، أصبحت إسرائيل لدى هؤلاء صديقاً، وأصبح الأخ عدواً. الشعب في البلدين يرى ذلك كله، فماذا كان ينتظر منه غير ما حدث، سوى أن يثور وينتفض على الأنظمة المتواطئة ساعياً لاقتلاعها من جذورها والخلاص منها. يمكننا القول، ونحن على ثقة مما نقول بأن البلاد العربية المقاومة للعدو الإسرائيلي، الصامدة في وجه مخططاته التي كانت وما زالت كذلك رغم الضغوط حيناً، والترغيب حيناً، هي التي كسبت رهانها على شعوبها المؤيدة لها في مواقفها، ذلك أن هذه الدول وقوى المقاومة هي التي حفظت لها كرامتها أمام نفسها أولاً، ثم أمام العالم، كما أن موقفها من حليف إسرائيل الأول، المتفاني في سبيلها، الساعي لتحقيق أهدافها بدأب لا يعرف الكلل أو التراخي أبداً (أمريكا)، وتعاملها معها تعامل الدولة الند، وليس الدولة التابعة، يقع ضمن هذا المنحى. هذه البلدان تحديداً هي الأنموذج الذي يحظى بثقة المواطن العربي وتقديره ومحبته، في كل مكان من الأرض العربية، بل والإسلامية أيضاً، وما الموقف من إيران وتركيا سوى مثال صادق دال على هذه الحقيقة الناصعة. الكرامة الوطنية والشخصية يراها المواطن في التصدي للعدو الإسرائيلي، ممانعة ومقاومة، حفاظاً على الحقوق العربية، وصولاً إلى يوم التحرير الآتي.