هناک تساؤولات دائما تطرح عند بعض الناس ما یعنی المرجعیه وكان الناس في حياة الأئمة المعصومين علیهم السلام يأخذون أحكامهم الفقهية من الأئمة بشكل مباشر أوعن طريق أصحابهم، وهم العلماء المجتهدون الذين يعيشون في الأمصار، فيستفتيهم الناس فيجيبون بالنيابة عنهم، واما بعد ذلک ممن یاخذون احکامهم الفقهیه ؟
شارک :
حول هذا الموضوع حاورت مراسلتنا الاستاذ عبد الاله علی حسن البلداوی من لندن خريج كلية الشريعة وماجستير فلسفة في الدراسات الاسلامية للعام ۲۰۰۵.
س:استاذنا الکریم حبذا لو تعطی لنا تعریفا عن المرجعية؟ ج:المرجعیه هي قيادة الأمة الإسلامية في جميع شؤونها ومجالاتها الروحية والاجتماعية والسياسية في مفهومها الإسلامي، والمرجعية تشتمل على جوانب التشريع، والقضاء، والإفتاء، والحكم بما أنزل الله، وإرشاد الناس وهدايتهم الى الصرط المستقيم. ومن ثم فإن المجتمع الإسلامي خاضع لجميع توجيهات مركز القيادة الإسلامية العليا المنصوص عليه من قبل الشارع المقدس نصاً واضحاً. إما بالخصوص كما في الرسول الأعظم(ص) وخلفائه الأثنى عشر صلوات الله عليهم أجمعين. وإما بالعموم كما في فقهاء عصر الغيبة الكبرى فقد جاء النص المشهور: ((من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه)). ولهذه المرجعية الكبرى، والزعامة الدينية العليا: التدخل في جميع أطوار شؤون الأمة الاسلامية من غير استثناء، نظراً لأنها القوة العليا لتنفيذ جميع أحكام الدين، والمسيطرة على الأوضاع الاجتماعية. وبما أن أحكام الدين شاملة لكافة مراحل الحياة، وجميع أوضاعها السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، فإن المرجع الديني الأعلى هو المتكفل لمراعاة هذه الشؤون والأمور بحذافيرها. ومن الطبيعي أن ذلك إنما يكون في حدود قدرته التنفيذية.
ثم إن المرجعية العليا، والزعامة الروحية الكبرى كانت متجسدة في شخص الأئمة الأطهار من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. وهم صلوات الله وسلامه عليهم كانوا يعينون مراجع الأمة الاسلامية في أطراف البلاد وأنحائها: فكانوا بين فقهاء يفتون الناس بما أنزل الله، وبين قضاة عدول يرجع المسلمون اليهم في حل خصوماتهم، وبين وكلاء لقبض الحقوق الشرعية وصرفها في وجوهها الشرعية، ولولا النص الخاص بشأنهم لم يراجع أحد من المؤمنين إليهم، هذا في عصر حضورهم صلوات الله وسلامه عليهم وأما في عصر الغيبة عجل الله تعالى فرجه الشريف، فإنه ينقسم الى قسمين:
۱- عصر الغيبة الصغرى (من سنة ۲۶۰ – ۳۲۹هج) ومدتها ۶۹ سنة: بدأت بعد وفاة الإمام الحسن العسكري(ع) عام (۲۶۰هج)، وانتهت بوفاة السفير الرابع في سنة (۳۲۹هج)، وتشمل حقبة التمكن من الأتصال بالإمام عن طريق وكلائه، ولا يعلم بمكانه إلا خاصة شيعته. حيث كان لدى الإمام الحجة المنتظر عجلَّ الله تعالى فرجه في هذه المدة نواب وسفراء أربعة وسيطين بينه وبين شيعته في أخذ معالم دينهم، وعرض الحوادث الواقعة عليه. وبعد وفاة الإمام العسكري(ع) انتقلت أسرته الى بغداد، وفيها كان اتصال وكلاء الإمام المهدي به عليه السلام. وقد جاء المرسوم الخاص من ناحيته الشريفة(عج) بأسم أربعة من هؤلاء السفراء، والإرجاع إليهم. وكان السمري آخر السفراء، وبوفاته انقطعت السفارة بين الإمام والشيعة، وبدأت الغيبة الكبرى، وبأمر من الإمام المهدي(عج). كانت وظيفة هؤلاء السفراء الأربعة تلقي الأسئلة من الشيعة مكتوبة، ورفعها الى مقام الإمام (ع)، وكان الإمام (ع) يوقّع بالإجابة عن السؤال على الورقة المكتوب عليها السؤال، ومن هنا سميت هذه الأجوبة بـ التوقيعات. كانت الغيبة الصغرى، ومن خلال الدور والوظيفة الذي قام به السفراء تمهيداً للغيبة الكبرى، كي يعتمد الشيعة من بعد السفراء على الاستقلال بأنفسهم، وذلك بالرجوع الى العلماء بالتشريع الذين أطلق عليهم فيما بعد بـ(نواب الإمام)، وعبّر عن وظيفتهم الشرعية بـ (النيابة العامة). وفي هدي التوقيع الشريف الصادر من الإمام المهدي (عج) والذي يقول فيه: ((وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم)). أي أن التوقيع ينص على لزوم رجوع الشيعة الى الفقهاء في عهد الغيبة الكبرى.
۲- عصر الغيبة الكبرى( بدأت من سنة ۳۲۹- الى يوم الفرج): ابتدأت الغيبة الكبرى بوفاة آخر سفراء الإمام المهدي(عج)، وهو الشيخ علي بن محمد السمري سنة ۳۲۹هج، وتشمل زمن عدم التمكن من الاتصال بالإمام، ولا يعلم بمكانه إلا خاصة مواليه في دينه، وبإعلان ذلك من قبل الإمام المهدي(عج)، بعد أن أناط مسؤولية رعاية شؤون الشيعة الإمامية فكراً وعملاً، وبخاصة في مجال التشريع بفقهاء مذهب أهل البيت عليهم السلام.
س:ماكانت مهام المرجع العلمية والإدارية؟ ج:مهام المرجعیه کانت: اولا- إدارة شؤون التعليم الديني في مركزه الرئيس وفي المراكز الفرعية. ثانیا- قيامه بنفسه بالتعليم العالي بإلقاء المحاضرات وعقد المجالس للمناظرات والإملاءات. ثالثا - تشييد المدارس لسكن ودراسة الطلاب. رابعا- إجراء المشاهرات المالية لمعيشة الأساتذة والطلبة. خامسا- تعيين القضاة والخلفاء في الأمصار. سادسا- الفتيا والرد على الأسئلة والاستفسارات. سابعا - إنشاء المكتبات ودور العلم واستخلاف الوكلاء في المناطقة البعيدة عن المركز، والرد على الأسئلة التي تأتي من خارج المركز وعلى هذا الأساس برز فقهاء، وعرفوا بين الناس كمراجع يستفتونهم في مسائلهم الشرعية.
س:ما اهداف المرجعیه؟ ج:يقول السيد الشهيد الصدر (قدس الله سره) حول هذا الموضوع: المرجعية لا بدَّ أن تواكب العصر في تقدمه وتطوره وعليها تلبية حاجيات الأمة والقيام بخدمتها في مختلف الميادين ويمكن تلخيص أهداف المرجعية الصالحة رغم ترابطها، وتوحد روحها العامة في خمس نقاط: * نشر أحكام الإسلام على أوسع مدى ممكن بين المسلمين، والعمل لتربية كل فرد منهم تربية دينية تضمن التزامه بتلك الأحكام في سلوكه الشخصي. * إيجاد تيار فكري واسع في الأمة يشتمل على المفاهيم الإسلامية الواعية، من قبيل المفهوم الأساسي الذي يؤكد بأن الإسلام نظام كامل شامل لشتى جوانب الحياة، واتخاذ ما يمكن من أساليب لتركيز تلك المفاهيم. * إشباع الحاجات الفكرية الإسلامية للعمل الإسلامي، وذلك عن طريق إيجاد البحوث الإسلامية الكافية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والمقارنة الفكرية وبقية المذاهب الاجتماعية، وتوسيع نطاق الفقه الإسلامي على نحو يجعله قادراً على مدّ كلّ جوانب الحياة بالتشريع، وتصعيد الحوزة ككلّ إلى مستوى هذا المهام الكبير. * القيمومة على العمل الإسلامي، والإشراف على ما يعطيه العاملون في سبيل الإسلام في مختلف العالم الإسلامي من مفاهيم، وتأييد ما هو حقّ منها وإسناده، وتصحيح ما هو خطأ. * إعطاء مراكز العالمية من المراجع إلى أدنى مراتب العلماء الصفة القياديّة للاُمّة بتبنّي مصالحها، والاهتمام بقضايا الناس ورعايتها، واحتضان العاملين في سبيل الإسلام. وضوح هذه الأهداف للمرجعيّة وتبنيّها وإن كان هو الذي يحدّد صلاح المرجعية ويحدث تغيراً كبيراً على سياستها العامّة، ونظراتها إلى الأُمور، وطبيعة تعاملها مع الأًمّة. أما فكرة العمل المسبق على قيام المرجعية الصالحة، فهي تعني أن بداية نشوء مرجعية صالحة تحمل الأهداف الآنفة الذكر تتطلب وجود قاعدة قد آمنت بشكل وآخر بهذه الأهداف في داخل الحوزة وفي الأمة، وإعدادها فكرياً وروحياً للمساهمة في خدمة الإسلام، وبناء المرجعية الصالحة.
س:استاذنا الکریم إذ ما لم توجد قاعدة من هذا القبيل تشارك المرجع من خلال معطيات تربية ذلك الإنسان الصالح لها، يصبح وجود المرجع الصالح وحده غير كافٍ لإيجاد المرجعية الصالحة حقاً، وتحقيق أهدافها في النطاق الواسع اذن ماهی الاسلوب لتطویر هذا العمل؟ ج:فكرة تطوير أسلوب المرجعية وواقعها العملي، فهي تستهدف:
أولاً: إيجاد جهاز عملي تخطيطي وتنفيذي يقوم على أساس الكفاءة، والتخصص، وتقسيم العمل، واستيعاب كل مجالات العمل المرجعي الرشيد في ضوء الأهداف المحددة. ويقوم هذا الجهاز بالعمل بدلاً من الحاشية التي تعبّر عن جهاز عفوي مرتجل يتكون من أشخاص جمعتهم الصدف والظروف الطبيعية لتغطية الحاجات الآنية بذهنية تجزيئيّة، وبدون أهداف محددة واضحة. ويشتمل هذا الجهاز على لجان متعددة، تتكامل وتنمو بالتدريج إلى أن تستوعب كل أمكانية العمل المرجعي. ويمكن أن نذكر اللجان التالية كصورة مثلى، وهدف أعلى ينبغي أن يصل إليه الجهاز العملي للمرجعية الصالحة في تطوره وتكامله . ۱- لجنة أو (لجان) لتسيير الوضع الدراسي في الحوزة العلمية وهي تمارس تنظيم دراسة ما قبل (الخارج)، والإشراف على دراسات الخارج، وتحدد المواد الدراسية، وتضع الكتب الدراسية وتجعل بالتدرج الدراسة الحوزوية بالمستوى الذي يتيح للحوزة المساهمة في تحقيق أهداف المرجعية الصالحة، وتستحصل معلومات عن الانتسابات الجغرافية للطلبة، وتسعى في تكميل الفراغات وتنمية العدد . ۲- لجنة للإنتاج العلمي ووظائفها إيجاد دوائر علمية لممارسة البحوث، ومتابعة سيرها، وتشجيعه، ومتابعة الفكر العالمي بما يتصل بالإسلام، والتوافر على إصدار شيء، كمجلة، أو غيرها، والتفكير في جلب العناصر الكفوءة إلى الحوزة، أو التعاون معها إذا كانت في الخارج. ۳- لجنة أو (لجان) مسؤولة عن شؤون علماء المناطق المرتبطة، وضبط أسمائهم وأماكنهم ووكالاتهم، وتتبع سيرهم وسلوكهم، واتصالاتهم والإطلاع على النقائص والحاجات والفراغات ، وكتابة تقرير إجمالي في وقت رتيب، أو عند طلب المرجع. ۴- لجنة الاتصالات وهي تسعى لإيجاد صلة مع المرجعية في المناطق التي لم تتصل مع المركز ويدخل في مسؤوليتها إحصاء المناطق ودراسة إمكانات الاتصال بها، وإيجاد سفرة تفقدية إما على مستوى تمثيل المرجع، أو على مستوى آخر، وترشيح المناطق التي أصبحت مستعدة لتقبل العالِم، وتولي متابعة السير، بعد ذلك، ويدخل في صلاحيتها الاتصال في الحدود الصحيحة مع المفكرين والعلماء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وتزويدهم بالكتب، والاستفادة من المناسبات، كفرصة الحج . ۵- لجنة رعاية العمل الإسلامي والتعرف على مصاديقه في العالم الإسلامي، وتكوين فكرة عن كل مصداق، وبذل النصح والمعونة عند الحاجة.
وثانياً: إيجاد امتداد أفقي حقيقي للمرجعية يجعل منها محوراً قوياً، تنصب فيه قوى كل ممثلي المرجعية والمنتسبين إليها في العالم، لأن المرجعية حينما تتبنى أهدافاً كبيرة، وتمارس عملاً تغييرياً واعياً في الأمة لا بدَّ أن تستقطب أكبر قدر ممكن من النفوذ، لتستعين به في ذلك، وتفرض بالتدرج وبشكل وآخر السير في طريق تلك الأهداف على كل ممثليها في العالم.
إن المرجعية الوحيدة التي حققت تلك الأهداف التي ذكرها السيد الشهيد الصدر هي مرجعية الإمام الخميني (قدس الله سره) لقد جهد هذا السيد العظيم على إصلاح الحوزة العلمية في مختلف الجوانب الحوزوية في قم المقدسة وفي النجف الأشرف وتمثل ذلك: ۱- إدخال الدروس الأخلاقية في الحوزة: لقد أدخل الإمام في داخل الحوزة الدروس الأخلاقية والعرفانية والفلسفية في سبيل تطوير الحوزة من الناحية الفكرية والعلمية ودفعها للتقدم والازدهار. ۲- الرعاية الأبوية للحوزة على مختلف طبقاتها. ۳- الحفاظ على الحوزة وعدم التعاون مع الأنظمة الجائرة . ۴- تصدي الإمام للدفاع عن الحوزة العلمية في أراك وفي قم المقدسة وفي فترات متعددة وبالأخص في حادثة المدرسة الفيضية، هذا كله قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران . ۵- إلقاء الدروس في الحكومة الإسلامية: التي ألقاها في النجف الأشرف حول ولاية الفقيه هي نقلة تاريخية في إصلاح الحوزة حيث كانت هذه الدروس بعيدة عن ذهنية الحوزة وتطلعاتها. ۶- الاحتجاجات على الظلم: كان الإمام الخميني (قدس الله سره)"لا يقار على كظة ظالم ولا سغب مظلوم" ففي كل حادثة تجري في العالم وبالأخص في إيران كان يقوم بالاحتجاج والاستنكار على ذلك وإن كان لوحده. ۷- كان السيد الخميني(قدس الله سره) كان مرجعاً وزعيماً وقائداً، يشرف ويراقب ويدير الأمور بنفسه، ولم يسمح بالحاشية في التأثير عليه في اتخاذ القرار.