٥ سنوات هي عمرها في القاهرة قبل أن تتقاسم واشنطن »طفولتها« في نصفها الآخر، وتمنحها جنسية أمريكية تجعل من مصر وطناً بعيد الفكرة، مصحوباً بـ »الحنين« الدائم إليه،
والمسافة بينها وبين البيت الأبيض هي ذاتها المسافة بين المصريين وثورة ٢٥ يناير، غير أن اختلافها في أن »ربع قرن« أمريكي خالص بالنسبة لهم لم يتمكن من »محو« ملامحها المصرية الأصيلة من علي وجهها الذي لا يزال حاملاً عبق حي »السيدة زينب« مسقط رأسها، بينما في المدة ذاتها تمكن النظام المصري المخلوع من محو الشخصية المصرية بأكملها من علي خريطة الآدمية في العالم بأسره.
في مطلع العقد الثالث من عمرها كانت داليا مجاهد علي موعد مع التاريخ كأول مصرية تعمل داخل البيت الأبيض كـ »مستشارة« للرئيس الأمريكي »باراك أوباما« لشئون العالم الإسلامي، والمدهش أنها لم تسع إلي الإدارة الأمريكية لشغل منصب يبدو مهماً في ظل علاقة أمريكية - إسرائيلية شهدت توتراً شديداً في مرحلة ما قبل »أوباما« وإنما سعي إليها الرئيس الأمريكي بعد قراءته لكتابها »من يتحدث باسم الإسلام« الذي تدفع فيه إلي أن الأغلبية المسلمة في العالم تقدر قيمة الديمقراطية وترفض الإرهاب، وهو الأمر الذي كان مسيطراً علي غالبية الإدارة الأمريكية.
وعند د. داليا مجاهد تبدو ثورة ٢٥ يناير تنفيذاً لقيم الديمقراطية التي تبناها الشعب المصري في السنوات الخمس الأخيرة وفقاً لدراسة قام بها عدد من الباحثين بالإدارة الأمريكية للرأي العام المصري منذ عام ٢٠٠٥، لكن ذلك لم يمنع انبهار الأمريكيين بالثورة المصرية، بل ويربو علي ذلك انتساب غير المصريين إلي مصر بعد نجاح الثورة.
وثمة شعور بالقلق علي اكتمال ثورة يناير يسيطر علي مستشارة أوباما المصرية، باعتبار أن الفترة القادمة تحتاج إلي الخوف المصحوب بالعمل الجاد كـ »ضمانة« أساسية لتحقيق حلم الديمقراطية.
وبعد لقاء امتد لـ ٣ ساعات مع د. عصام شرف رئيس الوزراء، قالت داليا مجاهد: إن النظام السابق لم يكن مهتماً بالاستماع إليها فيما يخص نشاطها البحثي داخل البيت الأبيض وأن الفرق بين النظام المخلوع ورئيس الوزراء الحالي هو الشعور بالانتماء للشعب من جانب »شرف«.
وفي حوار صحفي وصفت مستشارة أوباما الثورة المصرية بأنها »لحظة فارقة« في تاريخ علاقة مصر بأمريكا، لافتة إلي ضرورة عدم تداول التساؤل حول »ماذا تريد الولايات المتحدة من مصر في الفترة القادمة؟!«، وإنما ما يحتاج إلي إجابة واقعية هو سؤال واحد: ماذا يريد المصريون؟
حول قلق البيت الأبيض من الحركات الإسلامية في العالم العربي والتدخل في ليبيا وشروط الرئيس المصري القادم ومستقبل ثورة يناير كان هذا الحوار:
س : لماذا تأرجح موقف الإدارة الأمريكية صعوداً وهبوطاً تجاه الثورة المصرية منذ بدايتها.. وحتي يوم التنحي؟
ج : حسني مبارك كان صديقاً يعتمد عليه لمدة ٣٠ عاماً، والاتجاه الأول للإدارة الأمريكية هو مساندة الصديق وبعد وقت فهموا أن الشعب المصري لن يرضي إلا بإقالته، فاضطروا إلي تغيير موقفهم ومساندة الشعب ودائماً رد فعلهم يتجه إلي الشارع.
س : إذن.. كيف نفسر موقفهم تجاه التدخل في ليبيا دون غيرها من أماكن الثورات العربية؟
ج : التدخل في ليبيا جاء بعد مدة من بداية الثورة الليبية وجاء بعد تردد كبير داخل البيت الأبيض والجيش الأمريكي لم يتخذ قراراً في ذلك، وإنما كان هناك تدخل من بعض الأفراد في البيت الأبيض لهم علاقة بالبوسنة ورواندا ولم نشبه ما يحدث في ليبيا بأنه تطهير عرقي مثلما حدث في البوسنة، أما الأوضاع في سوريا واليمن تختلف تماماً.
س : هل هناك اتجاه للتدخل في البحرين خوفاً من سيطرة الشيعة والتمدد الإيراني في المنطقة العربية؟
ج : حساباتهم دائماً تقليص التأثير الإيراني في العالم العربي ولديهم قلق مما يحدث في البحرين والعراق خوفاً من التوغل الإيراني في المنطقة.
س : هل بعثت أمريكا برسالة واضحة للرئيس السابق لإرغامه علي التنحي أثناء الثورة؟
ج : داخل الإدارة الأمريكية كان الاتجاه الأكبر أن بقاء مبارك في الحكم ضد مصالح أمريكا، وبالتالي لابد أن يتركه فوراً لأن الشعب أثبت أنه لن يتراجع عن موقفه، وهم كانوا يحاولون يضغطون وبعثوا له برسائل عن طريق أشخاص معينين لكني لا أعرفهم، هذه أمور سرية.
س : وهل كان هناك اتجاه داخل الإدارة الأمريكية يتوقع أن الشعب يمكن أن يتراجع عن مطلب التنحي؟
ج : كنت دائماً أرد علي سؤال »هل الناس اللي في التحرير بيمثلوا الشعب المصري فعلاً؟« لدي الإدارة الأمريكية التي كانت مترددة في مساندة ثوار التحرير وأثبتت بالإحصائيات العلمية أن كل الناس لديهم طموحات ديمقراطية عالية جداً، ويريدون إقالة حسني مبارك، وعلي الإدارة الأمريكية أن تختار بين الديكتاتورية والديمقراطية.
س : هل هناك قلق أمريكي من الثورات في العالم العربي، التي قد تؤدي إلي صعود التيار الإسلامي في بعض الدول إلي الحكم؟
ج : إدارة أوباما تنقسم من ناحية القلق، فهناك تيار يساوره القلق من صعود الإسلاميين للحكم، بينما الفريق الآخر يري أنهم »سلميون« ولا مانع من التعامل معهم عند وصولهم إلي السلطة.
س : برأيك.. كيف تري الإدارة الأمريكية صعود الإخوان المسلمين السياسي بعد ثورة يناير وهل سيكون هناك ضغط في حالة التأكد من حصولهم علي أغلبية وتشكيل حكومة؟
ج :كما قلت.. نجاح الإسلاميين يسبب قلقاً لدي البعض، لكنهم يفكروا في الموضوع بطريقة واقعية، الإخوان سيكون لهم دور، لكنهم لن يحصلوا علي أغلبية ولن يحكموا مصر في الفترة القادمة، وإنما سيحصلون علي جزء من مجلس الشعب وسيشاركون في الحكومة، وفي الإدارة الأمريكية يقولون »لازم نقبل« لأن الإسلاميين جزء من مصر، وأهم ما في الأمر هو قدرة المؤسسات علي تحقيق الديمقراطية ومنع أي فئة من السيطرة، لأن ديمقراطية المؤسسات هي الأقوي.
س : وماذا عن السلفيين والجماعات الإسلامية.. في أروقة البيت الأبيض؟
ج : ما تراه الإدارة الأمريكية أن الديمقراطية لن تدفع أحداً إلي حمل السلاح، وإنما تجعل من الجماعات الإسلامية أكثر اعتدالاً، والجماعة التي تريد أن تكسب أفراداً لابد أن تحدثهم عن مصلحتهم.
س : إذن.. ما هي أهم الملفات التي ترغب إدارة أوباما في الحصول علي تفاصيلها بالنسبة لشئون العالم الإسلامي حالياً؟
ج : فيما يخص الملفات الدينية، فالعلاقة الآن استشارية لكنهم الآن يستطلعون توصيات من أبحاث حول ما يحدث في الشرق الأوسط، سوريا والبحرين.
س : هل هناك اتجاه لتدخل أمريكي في انتخابات الرئاسة القادمة في مصر؟
ما أعرفه أن لديهم رأياً، لكنهم لن يتدخلوا في التفاصيل، ولن يقولوا ذلك علانية، وسوف يحاولون تسيير الأمور بشكل لا يضر بمصالحهم، لكن في النهاية لازم يعرفوا من خلال الثورة المصرية أنه لما الشعب يقرر أنه عايز حاجة معينة، قوة زي أمريكا لا تستطيع أن تغير شيئاً ما، وقوة أمريكا محدودة علشان كده لازم نفكر إحنا هنعمل إيه، ونقرر إحنا شروطنا إيه، ولازم نشتغل علشان محدش يبوظها علينا.
س : إلي أي مدي قبول فكرة أن أمريكا لن تتعامل مع مصر علي أنها »ند« وستواصل ضغوطها لاستمرار شكل التعامل الماضي؟
ج : غير مقبول هذا الطرح، والسؤال: المصريون هل يقدرون علی التعامل بـ »ندية« او لا؟ .. أمريكا تقبل الواقع.
س : هل لديك قناعة بفكرة الثورة المضادة في مصر؟
ج : أي ثورة حدثت في التاريخ لها أعداء، وأكبر خطر علي الثورة هو الخطر النفسي، بمعني »الزهق من الشغل« والازم في العمل في المرحلة القادمة وهذا أخطر شيء علي الثورة.
س : من هو الأقرب إلي قلب الإدارة الأمريكية من بين مرشحي الرئاسة في مصر خلال الفترة القادمة؟
ج : ليس هناك شخص بعينه تريده الإدارة الأمريكية، أهم حاجة عندهم أن تحدث انتخابات صادقة وصحيحة.
س : إذن.. إلي من تدلي بصوتك في الانتخابات القادمة، من بين الخمسة الذين أعلنوا ترشحهم للمنصب؟
ج : مرشحو الرئاسة كلهم محترمون، لم أقرر بعد اختيار مرشح، وأهم شيء أن تجري انتخابات تليق بالشعب المصري.
س : هل كان لك لقاءات بقيادات النظام المخلوع لمناقشة بعض الأمور المتعلقة بقياس الرأي العام للمصريين؟
ج : لا.. النظام السابق لم يكن مهتماً، والذين كانوا يهتفون فقط هم رجال الدين.
س : التقيت د. عصام شرف رئيس الوزراء في أي شيء تحدثتم؟.. وما هو الفرق بين شرف ورموز النظام المخلوع من وجهة نظرك؟
ج : التقيت الدكتور عصام شرف لمناقشة الإحصائيات التي أعددناها عن مصر قبل الثورة، وأبدي اهتماماً شديداً، وقد كانت هذه الإحصائيات تؤكد أن هناك فارقاً كبيراً بين طموحات الشعب وواقعه قبل الثورة وكانت نسبة ٨٨٪ من الشعب تؤيد الديمقراطية، في الوقت ذاته كانت أقل بلد شعبها يعبر عن رأيه، أما الفرق بين »شرف« والسابقين هو شعوره بأنه »خدام الشعب«.
س : وهل تحملين رسالة ما لرئيس الوزراء من الإدارة الأمريكية؟
ج : أنا لا أوصل رسائل بين مصر والإدارة الأمريكية وأتيت إلي مصر بصفتي مصرية لدي رغبة في مساعدة بلدي.
س : هل يمكن أن تنجح الثورات العربية في إزالة فكرة »الإسلاموفوبيا« من أذهان الغرب الأمريكي في المرحلة المقبلة؟
ج : يمكن أن تتأثر »الإسلاموفوبيا« بالثورات العربية لأنه مبني علي أكثر من اعتقاد، منها أن المسلمين مختلفون عن الأمريكان، وبيكرهونا علشان عندنا حرية، ويمكن لما مصر تكمل في الثورة وتقف كدولة عربية مسلمة ديمقراطية تغير وجه نظر الأمريكيين عن الإسلام والمسلمين.
س : وماذا تحتاج الشعوب المسلمة حتي تمحو صورة الإسلام السيئة في الغرب؟
ج : الشعوب المسلمة تحتاج إلي النجاح وأهم شيء في العلاقة بين المسلمين والغرب هو الاحترام لأن الغرب لا يمنح الاحترام وإنما هو مكتسب.
س : إلي أي مدي تأثير أقباط المهجر سلباً أو إيجاباً علي القضية الفلسطينية »الطائفية« بوضع عام داخل مصر؟
ج : المصريون المسيحيون الأمريكان مثل أي طائفة أخري، يلتقون بحكومتهم مثل أي مواطن ويدافعون عن القضية القبطية، أما تأثيرهم علي الوضع الطائفي في مصر يتحدث عنه أقباط الداخل.
س : هل يدشنون لدي الرأي العام الأمريكي أن الأقباط مضطهدون داخل مصر؟
ج : يختلف الأقباط في المهجر حول اضطهاد الأقباط في مصر، لكن غالبية الشارع الأمريكي يعتقد أن الأقباط مضطهدون في مصر.
س : إذن كيف يمكن حل مشكلة الأقباط في مصر، خاصة أنه يتم تصويرهم لدي الرأي العام الأمريكي علي أنهم »أقلية مضطهدة«؟
ج : أنا أقلية دينية في أمريكا وأفهم مشكلة الأقليات وأفضل شيء تفعله الأقلية حتي تستجيب الأغلبية لها، هو الاتفاق علي هدف مشترك يشتغلوا عليه مع بعض، وأفضل دليل علي ذلك هو غياب المشاكل الطائفية أثناء الثورة.
س : في ظل تواجد العديد من »الأيديولوجيات داخل المجتمع المصري وسعي كل منها عقب الثورة إلي إثبات القدرة علي المنافسة.. هل يمكن تدشين آلية معينة لعبور تلك المرحلة الحرجة؟
ج : الأيديولوجيات المختلفة لابد أن تتفق علي شيء واحد، هو أننا نعيش في دولة واحدة ولن ننجح من غير بعض، وأفضل آلية هي »قبول الآخر« والصدق مع الشعب المصري ونجاح مصر يعتمد علي الوحدة الوطنية، وعلينا أن نعتمد مبدأ »الوطن قبل الجماعة«.
س : إلي أي مدي قبولك لـ »الحريات الدينية« في مصر؟.. وما هو التحدي الأكبر لها بعد الثورة؟
ج : الأغلبية من المصريين يؤكدون أنه في حالة صياغة دستور جديد لابد أن يتضمن مادة تحمي الحرية الدينية، وتريد أن تطبق الحرية الدينية بصفة عامة.
س : إذن.. هل يمكن لـ »تقرير الحريات الدينية« الخاص بالكونجرس الأمريكي أن يكف عن مزايداته تجاه العلاقات الإسلامية - المسيحية في مصر بعد ثورة ٢٥ يناير؟
ج : بالنسبة للتقرير الأمريكي للحريات الدينية بعد الثورة لا نستطيع أن نحكم كيف يرونها في مصر.
س : تحملين الجنسيتين المصرية والأمريكية.. برأيك ما هي أهم الفروق بين الشخصيتين المصرية والأمريكية؟
ج : المصريون لديهم مميزات والأمريكيون أيضاً، والميزة الأكبر لدي المسلمين هو إيمانهم القوي، وعليهم أن يستعملوا الإيمان للتغلب علي المرحلة القادمة لأنها سوف تكون صعبة جداً، ولابد أن يكون عندهم أمل في بناء دولة جديدة.. وعندما تم قياس رغبة الشباب في الهجرة في منطقة الشرق الأوسط وجدنا الشباب المصري هو الأقل رغبة في ذلك، وهو ما يعكس حب المصريين لوطنهم.
س : إلي أيهما تميلين.. الحزب الديمقراطي.. أما الحزب الجمهوري داخل أمريكا؟
ج : أنا مواطنة أمريكية أكرس نفسي لخدمة بلادي، وأري أن فرصتي أكبر داخل أمريكا للتعبير عن المسلمين وطرح مشكلاتهم.
س : هل لديك تطلع فيما يخص مسلمي أمريكا؟
ج : آمالي فيما يخص مسلمي أمريكا هو تمكينهم من الاندماج علي نحو كامل داخل المجتمع، يأتي ذلك بسبب أن الدراسات أثبتت أن المسلمين الأمريكيين في مرتبة متأخرة بالنسبة لمستوي مشاركتهم السياسية والمدنية.
مكتب القاهرة