تطرق آية الله الشيخ عيسى قاسم في خطبته السياسية لصلاة الجمعة، الى الظروف الصعبة التي تمر بها الامة الاسلامية في ظل الارهاب التكفيري و الفتن الطائفية و العرقية ، موضحا في خطبة الجمعة امس من جامع الامام الصادق بمنطقة الدراز، أن "خطراً ماحقاً يتهدّد الأمة كلها بل يحيط بها، وإن يأخذ مداه لا يبقى لهذه الأمة شأنٌ في الأرض من بين الأمم؛ إنه خطر مرّكبه الطائفية والإرهاب اللذان غذّتهما وألهبتهما السياسة المنحرفة من أجلّ أنظمة الحُكم السائرة في الأمة حتى آلت هذه الأنظمة نفسها تحت طائلة تهديد الإرهاب والطائفية ، الى المحق والسحق".
و مضى سماحته يقول أن "سياسة المصالح الدنيوية المنحرفة إذا كانت لها هبّة جادّة قويّة ومواجهةٌ غاضبة ضد الإرهاب الذي يتهددها فذلك من منطلق الحرص على مصالحها وكياناتها وامتيازاتها وليس من منطلق معاداة الإرهاب الظالم في نفسه، وهي التي دفعت إليه ما دفعت وبنته بما بَنت واحتضنته ولا زالت مُستعدّة للوقوف معه وتغذيته".
و تابع رجل الدين البحريني : أما الطائفية فإذا شجبتها الأنظمة السياسية الدنيوية الطامعة ، فإنما تشجبها على مستوى الإعلام وبما يدرأ عنها ما تَجدُ فيه تأثيراً ضارّاً على وجودها وإستقراراها. لكن على المستوى الأعمق فهي حريصة كل الحرص على إبقاء نار الطائفية ولو تحت الرماد مؤقتاً وترى فيها ورقة رابحة لا غنى عنها على المدى الأطول لاستغلالها وتوظيفها في تمزيق هذه الأمة وإجهاض أي حركة إصلاحية تستهدف الوضع السياسي الظالم داخل الأمة بتغيير أو تعديل أو إصلاح.
و اردف آية الله قاسم : من هنا تأتي أهمية التفكير عند من يهمّهم شأن الأمة، وشأن دينها ووحدتها وقوّتها ، في طريقة القضاء على الطائفية المتمثلة في انقسام الأمة إلى طائفتين أو طوائف ، تقتتل باسم الدين والتقوى والحمّية الدينية من أجل الدنيا ومصالحها المادية ومكتسباتها .
و رأى سماحته أن كيفية علاج هذه الفتنة الكبرى، وضمان القضاء عليها وعدم تجددّها ، تختلف فيها عقليةٌ تريد الحفاظ على الإسلام وعدم التفريط به على الإطلاق ، وأن تبقى الأمة بهويتها الإسلامية وعلى خط الإسلام آخذةً في حياتها بالمنهج الربّاني الحقّ. وعقلية أخرى كل ما يهمّها أن تنتهي صراعات الأمة وأن تستقر حياتها المادية وتتقدّم في هذا الشأن، ولا يهم بعد ذلك أن تبقى الأمة الإسلامية هي الأمة الإسلامية ومحتفظةً بهويتها، أو أن تنسلخ من واقعها الإسلامي وتصير إلى هوية أخرى غير هويتها ويلّفها التغرّب الكامل عن الإسلام.
و تساءل خطيب الجمعة في جامع الامام الصادق (ع) بمنطقة الدراز البحرينية : إذن ما العمل والطائفية ستأكل هذه الأمة وتحرقُ دينها وتحوّلها إلى جماعاتٍ همجيةٍ شرسة تقتات على دماء الآخرين من أبناء الأمة وتتهدد العالم كلّه بالرعب والفزع والهلاك؟ هل من مخرج؟
و رأى سماحته بان العلاج يكمن في حكم عادل للأمة رحيم بها لا يعتمد في بقاءه على التمييز بين أبنائها من غير عدلٍ وإشعال نار الفتنة والفرقة بين صفوفها، وهذا ما على الأمة أن تسعى مجتمعةً إليه.
و شدد اية الله عيسى قاسم قائلا أن "الحل أو العلاج يكمن في مجلس يضمّ النخبة الصالحة من فقهاء الأمة وعلمائها ممّن يتميزون بالمستوى الفقهي والعلمي المشهود له والنزاهة والغيرة على وحدة الأمة ومصلحتها، ولا يقدمون شيئاً على مصلحة الدين وسلامته، ويُسلّمون للحق ويتنازلون له، ويخلصون العبودية لله، مجلس من هذه النخبة من كل المذاهب الإسلامية القائمة".
ولفت الى المسؤوليات الملقاة على عاتق مثل هذا المجلس بالقول : أن أمام هذا المجلس أكثر من مسؤولية، أمامه مسؤولية البيان لعموم المسلمين بكل وضوح وتركيز وتأكيد بحرمة دم المسلم وعرضه وماله من كل المذاهب، وأن المذاهب السنيّة والشيعية كلّها داخلةٌ في الإسلام وأنّ أتباعها داخلون في هذه الحُرمة، هذا أمرٌ مهمٌ جداً أن يُبيّن لكل أبناء هذه الأمة. وبيان أن اختلاف المذاهب لا يُبيح لأحدٍ من أتباعها ظلم الآخر من مذهبه أو غير مذهبه ، فضلاً عن استباحة دمه أو عرضه أو ماله. ومسؤولية متابعة الاختلافات التي تحدث في صفوف الأمة على أساس مذهبي، وتقديم الحل لها وإطفاء نائرتها. اضافة الى مسؤولية الاستمرار في توجيه جماهير الأمة إلى ما يؤكد على وحدتها ويقطع الطريق على مريدي إشعال الفتنة بين صفوفها. و طالب سماحته بأن يكون لهذا المجلس استقلاليته التامة عن كل الحكومات والارتباطات السياسية الخاصة .
و بالنسبة لانتفاضة الشعب البحريني المضطهد أوضح سماحته : إننا نُصرّ على أن يكون الحراك في البحرين سلمياً بلا إرهابٍ بسفك الدم الحرام ظلماً، وبلا تفجيرٍ وبلا تدميرٍ وأعمال تخريبية. مضيفاً : أننا ننفر من الظلم،و من الإرهاب، ومن سلب الحقوق، ومن هتك الحرمات، ومن التعدي على الدين، ومن إلغاء الآخر، ومن الاستخفاف بالدماء، ومن موجة التكفير وما تسببه من زلزالٍ لأمن الأمة وتقويض ثوابت من ثوابت الدين، ونشر الرعب والفزع في أوساط الشعوب، واقتتالٍ جاهلي بين أبناء أمتنا والوطن الواحد الذي يسكنه شعبٌ من شعوب هذه الأمة.
و لفت آية الله عيسى قاسم : أن قضيتنا في البحرين هي قضية حقوقٍ مسلوبة سياسية واجتماعية ودينية وثقافية ومعيشية وغيرها، ولابد من العمل على إرجاعها، ولا اسلوب غير الأسلوب السلمي في العمل على إرجاع هذه الحقوق، والعودة إلى العدل وحياة المساواة والإنصاف، والأخذ بالسياسة القائمة على احترام حقوق الشعب بكل مكوّناته وما يضمه من فئات.
و في جانب آخر من خطبته سماحته على العدوان الاسرائيلي ضد الشعب المظلوم في غزة متسائلاً : أين فلسطين؟ واين أمة العرب من فلسطين؟ أين الأمة الإسلامية من فلسطين؟ فلسطين إنتُهبت، فلسطين تُحرق، الشعب المسلم يُقتل، يُذلّ، يُسحق، أين أمة العرب؟ أين أمة الإسلام؟ الأمتان في غياب عن القضية الفلسطينية، ماذا يلهيهما؟ قتلٌ ونحرٌ للمسلمين من قبل اشخاص يعدّون أنفسهم من دعاةً للإسلام، من ثورة إسلامية غريبة على الإسلام، من فكرٍ غريبٍ على الإسلام، من مذابح يمارسها المسلمون في حق الأبرياء، الأطفال، الشيوخ، النساء، المصلّين، المتهجدين من أبناء الإسلام. والأمة في غيابِ من سياسات حكومية ظالمة مشغولة باضطهاد الشعوب، بامتصاص دم الشعوب، بسرقة الشعوب، بإذلال الشعوب، بتركيع هذه الأمة.
و خلص اية الله قاسم الى القول، "نريد من أنفسنا أمة جديدة تنتفض من أوساط الشعوب، تولد من أوساط الشعوب، من أوساط الوعي الإسلامي الصحيح، حتى تنهض هذه الأمة وتستردّ كرامتها".
رابط الصور