تاريخ النشر2014 4 October ساعة 11:06
رقم : 170346
المفتي قبلان لـ "تنـا" : -

الحج محطة لتباحث المسلمين في ما يجعلهم كالجسد الواحد

تنـا – بيروت
في أجواء موسم الحج المبارك، ونظرا لما تمثله هذه المناسبة العظيمة من مساحة تلاق و وحدة بين المسلمين، الذين يتوافدون الى الاراضي المقدسة من كل حدب وصوب لأداء المناسك الابراهيمية؛ وذلك أمام التطورات الاخيرة في مجتمعاتنا الإسلامية، والهجمة التكفيرية التي باتت تشكل الاخطر الاكبر والتحدي الكثر خطورة على مصير العالم الاسلامي بشتى طوائفه ونحله الفكرية والعقائدية..
الحج محطة لتباحث المسلمين في ما يجعلهم كالجسد الواحد
في هذا السياق، وحول كيفية توظيف مناسبة الحج لمواجهة التكفير ونهجه، "وكالة أنباء التقریب" (تنـا) - مكتب بيروت، استصرحت المفتي الجعفري الممتاز في لبنان، الشيخ أحمد قبلان، الذي اكد على اهمية دور علماء المسلمين في هذا الجانب..

وفي ما يلي نص الحوار:
س:  ما هو دور العلماء في شرح معاني الحج وأبعاده و وظيفته في حياة المسلم؟
ج:  للعلماء ورجال الدين دور أساسي في توجيه المسلمين، وفي إرشادهم، وإبعادهم عن طريق الضلال، وهم في هذا الإطار مسؤولون أمام الله والناس، وعليهم واجب ديني وقيمي وأخلاقي في تنوير الأمة وتذكيرها باليوم الآخر، وبضرورة التفكير في هذا اليوم العظيم، والتهيؤ له من خلال التزود بالتقوى والعمل الصالح على قاعدة (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)، فكان طاهراً من كل رجس، لافظاً لكل معصية، طارداً لكل نزوة وشهوة، راجماً لشياطينه، ليس بالمعنى النظري بل بالمعنى الحقيقي والفعلي والعملي، مصداقاً لقوله تعالى [وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون]، لأن محور هذه الدنيا ومحركها هو العمل ثم العمل الذي يؤكد على إلفة أهل الإيمان وأخوتهم لقوله تعالى [إنما المؤمنون إخوة]؛ أخوّة تحفظ الحقوق وتحقن الدماء وتصون الأعراض وتمنع العدوان إلا بالحق.

الحج يجسد مظهر الأمة الاسلامية في توحيدها لله تعالى، في تماسكها وثباتها على دين الله وفي تأكيدها على معاني الود والإلفة والصمود والصلابة في مواجهة أعداء هذه الأمة حيث كثر التكالب عليها واستهدافها بشتى السبل ومختلف الوسائل، فيما المسلمون متلهون
بخصوماتهم ونزاعاتهم وقبلياتهم، متناسين قوله تعالى [إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون].

إن الحج فريضة على كل مسلم آمن بالله واليوم الآخر، واجتماع المسلمين في أيام الحج، مناسبة، بل محطة مهمة لتباحث المسلمين في ما يوحدهم ويؤلف بين قلوبهم ويجعلهم كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

نعم معنى الحج هو نبذ الشرك وطرد الشياطين، والطواف حول البيت بقلوب صافية وعامرة بالإيمان والهدى معتصمة بحبل الله المتين مجاهدة في سبيله، متحفزة دائماً لتطبيق الاسلام، إسلام السماحة والطيبة والطهارة، إسلام الانفتاح والوحدة والتآخي، إسلام "الناس صنفان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق"، كما قال وأوصانا أمير المؤمنين (عليه السلام).

س: لماذا كل هذه الأهمية لفريضة في حياة الإنسان والمجتمع؟ وما هو منشأها؟
ج: الحج فريضة من الفرائض المقدسة، وهو منهج من مناهج الصيرورة المستمرة نحو الله، وتشكل الدرس العملي الذي يجب ان تنخرط فيه الأمة لتطهير صورتها المشرقة والمشرفة، صورة الإسلام التي بكل أسف باتت مهزوزة ومشوشة جراء ما يحدث في منطقتنا، ونتيجة لبعض الممارسات والسلوكيات المشتتة التي ألحقت ضرراً كبيراً وفادحاً وخطيراً بالأمة ومصيرها؛ ففريضة الحج مدرسة لأيام معدودات، تدوّي فيها صيحات "لبيك اللهم لبيك" موصولة بالإستغفار والتوبة النصوح والعودة الى دين الله، دين الرحمة والتواد، دين الإنسانية والقيم والأخلاق، دين الحضارة والترقي الى مراتب الهدى والوعي والإدراك بأن الله هو الخالق وأنه المالك لكل شيء والمدبر لكل أمر.

هذه الفريضة لا يجوز ان نجعل منها فرصة للإستغلال والإتجار، ولتغليب المصالح الآنية والغايات الفئوية؛ هناك مصلحة عليا هي مصلحة الأمة، وأبناء هذه الأمة من فقراء ومساكين، ومشردين ومضللين سياسياً وفكرياً واجتماعياً؛ فالحج مناسبة يلتقي فيها المسلمون من كل حدب وصوب ليطوفوا بالبيت العتيق، ولينزعوا من قلوبهم كل غلّ، وكل ضغينة، وكل حقد، وليتطهروا تطهيراً من كل موبقات الدنيا وأدرانها، وليطلعوا  على أمور بعضهم بعضاً، وليؤكدوا وحدتهم وأخوتهم كي يكونوا في سبيل الله كأنهم
بنيان مرصوص، وهنا تكمن أهمية هذه الفريضة في وحدة المسلمين وتآزرهم وتكاتفهم ووقوفهم صفاً واحداً في مواجهة كل أمر فيه تحد لهذه الوحدة وتهديد لهذه الأمة.

س: أين وكيف يمكن توظيف حج هذا العام في مواجهة التكفير؟
ج:  فريضة الحج لا تنحصر في صورة الحجيج وأزيائهم وتأدية المناسك، بل في كيفية تجسيد هذه الفريضة في داخل الذات الاسلامية، وفي أن يتوجه كل من استطاع الى الحج سبيلاً بالسؤال الى ذاته، هل فعلاً أنا حاج؟! هل حقيقة أنا مسلم؟! هل أطبق الإسلام على نفسي وعلى أسرتي وفي بيتي ومجتمعي ومع أمتي؟! هل فعلاً تحررت من هذه الدنيا وما فيها من نوازع شريرة وشيطانية وتوجهت الى الله توجهاً صادقاً مخلصاً؟ هذه أسئلة يجب ان يتساءلها كل مسلم، مسؤولاً كان أم عادياً، من الحاكم الى المحكوم.

إن السؤال موجه الى هذه الأمة، بحكامها وعلمائها، بمرجعياتها ومثقفيها، بطوائفها ومذاهبها، هل ترضيكم هذه الصورة لهذه الأمة؟! هل ما يجري في بلاد المسلمين، وبين المسلمين من اليمن الى ليبيا الى الصومال الى العراق الى سوريا الى لبنان الى فلسطين له علاقة بالإسلام؟! وبرسول الإسلام محمد (ص)؟! هل التكفير مذهب من مذاهب هذا الدين الحنيف؟! لا والله إن الإسلام بريء من كل ما تقوم به هذه العصابات المستأجرة لأغراض أصبحت مكشوفة الغايات، ومعلومة الأهداف، إنهم يريدون إيقاع الفتنة بين المسلمين، وضرب هذه الأمة، فهل من ينادي وا إسلاماه وا صحوة توقظ الأفئدة والعقول والقلوب وا نهضة تعيد لهذه الأمة وحدتها، وتمهّد لإنتفاضة إسلامية عارمة تطهر الأمة من شياطين الفتن، وتضع حدّاً لمثل هذه الفتاوى المدمرة والأفكار الظلامية التي أصبحت تصيب الأمة في صميم وحدتها وعقيدتها.

من هنا ندعو الى تكاتف المسلمين وليس الى تكاذبهم، ندعوهم الى نزع الأقنعة عن الوجوه المشبوهة ومواجهة الواقع مواجهة إسلامية حقيقية وبما جاء به الإسلام ونبي الإسلام الذي بعث لإتمام مكارم الأخلاق ورحمة للعالمين، لا للذبح ولا للتعدي ولا للظلم، نعم للإنفتاح، ولمد الأيدي، والتعاون على البر على قاعدة لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالقتوى، نعم التقوى هي المعيار، وهي المقياس الذي يمتن حبل التواصل والتآلف بين الشعوب والأمم وليس العدوان. نعم بهذه المنهجية وبهذه المسلكية نكون قد أدينا فرائضنا وعباداتنا من حج وصلاة وصيام وخمس وزكاة...

س:
أين يتجلى البعد السياسي والإجتماعي لفريضة الحج؟ وهل نوظف كمسلمين معاني الحج في حياتنا العملية أم لا؟

ج: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز [واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فآلّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً]. فالإعتصام بحبل الله يجب ان يترجم بكل مناحي حياتنا العادية والمسلكية والتعاملية مع الآخرين، إذ من دون الإعتصام بحبل الله، والخوف والخشية من الله يكون عملنا في الإتجاه المعاكس، أي في المنحى الذي يغضب الله ، ويجعلنا في موقع العاصي والخارج عن طاعة الله.

لذا نحن نؤكد ونشدد على ضرورة الإلتزام بالعبادات، خاصة فريضة الحج التي تحمل ـ إضافة الى أبعادها الإجتماعية ـ بعداً مهماً وأساسياً يدخل في الإطار السياسي الذي له علاقة في وحدة الأمة والمجاهدة من أجل تدعيم هذه الوحدة وتثبيتها، وجعلها خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه مهما كانت الظروف ، ومهما تعرضت الأمة لضغوطات، من هنا أو هناك؛ فوحدة المسلمين أمانة في رقاب كل المسلمين؛ ومسؤولية ترجمتها وتأكيدها تقع على عاتق الجميع. ولا مبرر لأحد كي يتلكأ، أو يتهاون، أو يتساهل؛ كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته، هكذا رسول الله (ص) أوصانا وأمرنا، لذا نحن بكل أسف نقول: المسلمون مقصرون ومتقاعسون، وقد أفتتنتهم الدنيا وأغرتهم السلطة، فأغشت بصيرتهم وبصائرهم، وما تعيشه الأمة الآن، أشبه بمحرقة؛ نارها مستعرة تحاصر المسلمين من كل الجهات؛ فبدل أن يهب المسلمون ويتعاونوا على إطفائها نجدهم يتدافعون باتجاهها، لماذا؟ لأنهم ابتعدوا عن الإسلام، ونسوا أو تناسوا بأن الإسلام حق، والإسلام وحدة، وحقن دماء، وكف أذى، ورفق بالرعية، ولين في القلب، ودماثة في الخلق، وتسامح وصفح وعفو، وترو في شؤون الرعية، وحسن معاشرة وعدل واستقامة.

نسأل الله أن يوفقنا جميعاً ويهدينا إلى صراطه المستقيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...

حوار : عادل حاموش
https://taghribnews.com/vdcaywn6i49n0e1.zkk4.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز