الشام عامة وسورية خاصة تبقى "محمدية" منتمية إلى نهج رسول الله (ص) وآل بيته الأطهار (ع) الذين حافظوا على إبقاء راية الاسلام فوق كل الرايات المتخلّفة المفرقّة على مرّ التاريخ.
شارک :
ارتفعت اخيرًا أصوات محزنة من سورية .. بعضها يقول "الشام علوية" وآخر يقول "الشام أموية"، وكأننا عدنا إلى عصر «الفتنة الكبرى» بين علي ومعاوية.
هذا علما بأننا في القرن الحادي والعشرين.. وفي فترة من أصعب فترات حياة الأمة، حيث التنمّر الصهيوني، واصطفاف أعداء الأمة، وراء هذا العدوّ المحتل الذي تمادي في عمليات إبادة البشر والحجر والشجر، واتسعت أعماله الاجرامية لتشمل صفعًا كبيرًا من بلاد الشام.. ابتداء من غزة ثم الضفة الغربية، ولبنان، وهاهو يواصل جرائمه واحتلاله في سوريا العزيزة.
ومن سوريا التي استباحها العدوّ الصهيوني بالذات، ترتفع تلك الاصوات المحزنة لاستكمال خطة العدوّ الصهيوني في إذلال الأمة وتمزيقها.
غير أن الشام عامة وسورية خاصة تبقى "محمدية" منتمية إلى نهج رسول الله (ص) وآل بيته الأطهار (ع) الذين حافظوا على إبقاء راية الاسلام فوق كل الرايات المتخلّفة المفرقّة على مرّ التاريخ.
وفي تاريخنا الحديث نقف عند رجل من هذا الصقع المبارك حمل راية وحدة الأمة والنهوض بها في دمشق وانتشر صدى دعوته إلى الشام بأجمعها بل إلى العالم الإسلامي بأجمعه وهو "السيد محسن الأمين العاملي"، (ت 1952)، والذي قال عنه لطفي الحضار رئيس الوزراء السوري الأسبق : -
«إن ما كان يتمتع به الإمام العلامة السيد محسن من الزعامة والقوة والحب العميق مِنْ جميع مَنْ عرفه واجتمع إليه من إخوانه ورجاله وأبناء عشيرته وغيرهم، كانت هذه الزعامة والحب قوة لنا لمتابعة الجهاد والنضال دون تردد أو ضعف، وكانت مجالسه كلها التي نغشاها من حين إلى آخر مجالاً للدعوة الصالحة في وجوب التضامن والائتلاف ونبذ السخائم والخلافات والترفع عن الدنايا والإسفاف».
وقال عنه الشيخ هاشم الخطيب من علماء السنة في دمشق :-
«لقد نهض بأبناء طائفته الجعفرية في سوريا ولبنان وجبل عامل نهضة مباركة وخطا بهم خطوة طيبة حببت إليهم جميع إخوانهم من المسلمين والعرب كما حببتهم أيضًا إلى الجميع فكانوا يدًا واحدة إخوانًا متحابين على سرر متقابلين تجمعهم وحدة الإسلام وتنظم أهدافهم وغايتهم المصلحة العامة».
ونقل عنه الدكتور مصطفى السباعي : -
«إن شخصًا جاء إليه لينتقل من المذهب السني إلى المذهب الشيعي، فعرفه بأنه لا فرق بين السنة والشيعة في العنوان الإسلامي. وعندما أصرّ هذا الرجل قال له السيد الأمين قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. فقالها الرجل، فقال له: لقد أصبحت شيعيًا. لقد أدرك السيد الأمين (رض) أن الوحدة الإسلامية هي من الممنوعات الاستعمارية. وبذلك كان ثورة على الطائفية في الوقت الذي كان لا يمانع من بحث القضايا المذهبية بذهنية علمية موضوعية، وبروح إسلامية واعية، لأن هناك فرقًا بين الحوار العلمي، والاستغلال السياسي، أو التحرك الغوغائي لأن الحوار يؤدي إلى التفاهم وينتهي إلى الوحدة، بينما ينطلق الاستغلال والغوغائية إلى مزيد من البعد والاختلاف».
ومن أعماله المشهورة التي لا تزال قائمة حتى اليوم مدرسته التي أقامتها «على أتم نظام وأحسن انتظام ذات صفوف ثانوية وقسم داخلي تفوق جميع مدارس دمشق التي من نوعها بحسن تنظيمها والمحافظة فيها على التحلّي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة ونجاح طلابها في الامتحانات مائة بالمائة، وأصبحت الطلاب تتهافت عليها من جميع الأحياء لما يرى أولياؤهم من تهذيب أخلاق أولادهم ونجاحهم حتى صار يضطرنا الحال أحيانًا إلى رد طلبهم لضيق المكان».
إلى جانب ذلك «أنشأ جمعية الاهتمام لتعليم الفقراء والأيتام» وكانت مسؤوليتها تقوم على حصر أسماء الناشئة، وتهيئة الأسباب المادية لضمان متابعتهم الدراسة لأن معظم الأهل بسبب فقرهم يفضلون إرسال أبنائهم إلى بعض المراكز الحرفية لتعليمهم صنعة وهم بحالة الأمية وذلك لحاجتهم الملحة لدخل هؤلاء الأولاد لتأمين الضرورات المعاشية.
ولـمّا لاحظ العلامة الأمين أن الأطفال والشباب بحاجة لرعاية خارج نطاق المدرسة أنشأ جمعية الرابطة الأدبية الاجتماعية لتملأ هذا الفراغ وترفدهم بالنشاط الأدبي والرياضي فكانت هذه الجمعيات تعمل مؤازرة للمدرسة المحسنية والمدرسة اليوسفية تحت إشرافه المباشر وتوجيهه الدائم.
وعن نهجه الوحدوي في التعليم يقول الأستاذ عبد اللطيف الخشن وهو من الذين تعلموا وتربّوا في مدارس السيد الأمين : -
«لم يكن السيد محسن الأمين في معاملاته لغير أبناء الطائفة الشيعية أقل من معاملته الحسنة لأبناء طائفته، ولم أجد في حياتي كلها مؤسس مدرسة في الدنيا لا يبالغ بحب أبناء طائفته أولا وإيثارهم على غيرهم، وجعلهم مقدمين في الوظائف على غيرهم باستثناء مولانا الأمين الذي كان يفتش عن معلمين للمدرسة يحسنون التدريس، دون النظر إلى الطائفة التي ينتمون إليها، إذ كان يفتش عن الإنتاج الفكري، والنضوج العقلي، والوعي في الأستاذ دون أن يسأل عن طائفته، وعن نحلته، وهذا بشهادة جميع الذين لمسوا من الراحل الكريم هذا التسامح وهذه العدالة. لقد كان أساتذة المدرسة من جميع رجال الطوائف، وإني لأذكر على سبيل الاستشهاد والمثال أن معلمي الدروس الصرفية والنحوية كانوا من السنة والشيعة، وكان المدرس للغة الفرنسية مسيحيًا، وكان مدرس اللغة التركية سنيًا. ونظرًا للشهرة التي نالتها المدرسة يؤمئذ أقدم الكثيرون على إرسال أولادهم إلى المدرسة وهم من مختلف الطوائف، ولم يكن في برامج التعليم أية صفة خاصة، أوميزة لفريق دون آخر من التلامذة».
ويصف هذه المدرسة الشيخ هاشم الخطيب بقوله :-
«إن مدرسته المحسنية بجميع فروعها التي أسسها على حب التسامح والإخاء قد أثمرت ولله الحمد ثمرتها المنتظرة ونرجو لها دوام التقدم والازدهار بهمة من يسيرون على نهج مؤسسها المخلص الوفي».
ومن آثاره الخالدة "موسوعة أعيان الشيعة" وتحتوي على تراجم للموالين لآل بيت رسول الله(ص) على مرّ التاريخ؛ وقد يخال المرء بادي الرأي أن الرجل يكرّس الطائفية بكتابه، ولكن مطالعة الكتاب بل مطالعة المقدمة فحسب تفصح أن السيد الأمين أراد أن يبرز التشيّع بأنه مسار علمي فكري جهادي أدبي .. بعبارة أخرى أراد أن يبرز الوجه الحضاري للتشيّع، لينأى به عن الوجه الطائفي. وهذا أكبر عمل يمكن أن ينهض به التقريبيون: أن يحوّلوا المذاهب من حالة تعدّد طائفي إلى حالة تنوّع حضاري، وهكذا فعل السيد الأمين.
والحديث عن هذا المجاهد الفقيه يطول، نسأل الله سبحانه أن يكون خطاب (الأمين) وأمثاله هو الغالب، فهو السبيل الوحيد لانقاذ سورية وسائر بلاد المسلمين من خطر التآمر الصهيوني الذي بدأ يصرّح بدول خجل أو وجل بأنه هو الذي قتل اسماعيل هنية في إيران، وهو الذي اسقط النظام الحاكم في سورية. نعم بكل وقاحة يقول هذا العدوّ المحتل، وبكل وقاحة أيضا يصرّ على البقاء فيما احتله من ارض سورية.
إنها ظروف صعبة تفرض على المخلصين من أبناء أمتنا أن يرصّوا الصفوف لمواجهة القادم. والله سبحانه ينصر من ينصره وهو القوي العزيز.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية