لا نقاش في أن أبرز المتضررين من التفاهم النووي هما السعودية وإسرائيل، وهما أمام وجهتين لا ثالث لهما، إما أنهما سيكونان جزءاً من التطبيع مع هذه العملية التاريخية ويتكيفان مع ديناميات المرحلة الجديدة واما سيسعيان إلى إعاقة نتائج الاتفاق، بعدما فشلا في عرقلة التوصل اليه.
شارک :
ايلي الفرزلي
الاتفاق النووي ليس حالة التطبيع الأولى التي تشهدها العلاقة بين إيران الثورة والمجتمع الدولي. سبق أن دخلت طهران في أمر مشابه عندما وافقت على القرار الدولي رقم 598 (1987) الذي أنهى الحرب العراقية الإيرانية.
وبعدما كانت إيران دولة نووية بقوة الواقع صارت دولة نووية بقوة القانون الدولي، الذي اعترف لها بحق امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية، وأعفاها من معظم العقوبات التي أنهكت اقتصادها وشعبها منذ الثورة حتى الآن، لا سيما في العقد الأخير.
في لبنان، ثمة شعور عام يوحي أن «بلد الأرز» اسمه محفور في قلب الاتفاق. هنا فرح وهناك خيبة. هنا أحلام تتحقق وهناك أحلام تنطفئ. ومع ذلك، لا أحد يملك الجواب الشافي للسؤال الأساسي: ماذا بعد؟
الأكيد أن مرحلة التفاوض أقفلت، بما تتضمنه من ضوابط وأوراق لم يقصّر أي من الأطراف في استعمالها طيلة السنوات العشر الماضية. أميركا فرضت ضوابطها على حلفائها بالرغم من كل مساعيهم لمنع تهور باراك أوباما، قبل أن يتبينوا أن ما كتب قد كتب ولم يكن بحاجة إلا إلى تحديد ساعة الصفر. أما الأوراق، فبدت إيران أكثر خبرة في لعبها، على ما أثبتت في كل مكان وصل نفوذها إليه.
رد الفعل الأولي لدى حلفاء «حزب الله» وخصومه، على السواء، هو أن الحزب شريك في الانتصار، أما كيف تصرف هذه الشراكة، فذلك أيضاً سؤال بلا إجابة.
قلة تعتقد أن إيران بعد تثبيت موقعها سترجع خطوة إلى الوراء اقليميا، محاولة التركيز على الداخل الإيراني، بدل الاستمرار في الاستثمار الخارجي الذي أدى غرضه.
«تلك أمنية للبعض»، يقول أحد المطلعين على السياسة الإيرانية، مشيراً إلى أنه من الطبيعي ان يزداد «حزب الله» قوة في المرحلة المقبلة. إذا صح ذلك، فكيف يمكن أن تنعكس هذه القوة في لبنان؟ هل يتم انتخاب رئيس مقرب من معسكر إيران وسوريا؟ وهل يتراجع حلفاء السعودية أمام النفوذ الإيراني؟ أيضاً لا جواب.. بل مجرد أمنيات وأمنيات مقابلة. لكن المقلق، بحسب الشخص نفسه، هو رد الفعل السعودي، الذي يُتوقع أن لا يقف مكتوف اليدين أمام تثبيت زعامة «عدوه» في المنطقة.
«لبنان من الساحات التي يمكن أن يرد فيها السعوديون، إضافة إلى العراق وسوريا». يخشى المتابع للسياسة الايرانية من انفجار في الداخل اللبناني قبل الانفراج، بما يؤدي عملياً إلى غلبة شعار «اشتدي أزمة تنفرجي»، الذي اختبره اللبنانيون مراراً. القلق نفسه يعتري معارضي الاتفاق النووي في الداخل. طبعاً ليست السعودية مصدر القلق، لكن النتيجة واحدة وهي توقعهم بأن تكون المرحلة المقبلة صعبة، من دون استبعاد حصول تطورات سلبية.
لا نقاش في أن أبرز المتضررين من التفاهم النووي هما السعودية وإسرائيل، وهما أمام وجهتين لا ثالث لهما، إما أنهما سيكونان جزءاً من التطبيع مع هذه العملية التاريخية ويتكيفان مع ديناميات المرحلة الجديدة واما سيسعيان إلى إعاقة نتائج الاتفاق، بعدما فشلا في عرقلة التوصل اليه.
يفصل «حزب الله» بين التوجهين. يدعو حلفاء السعودية في لبنان إلى التكيف مع المناخات الإيجابية التي سيولدها الاتفاق. انطلاقاً من التأكيد أن الحزب لا يفكر بمنطق غالب ومغلوب، يدعو إلى الواقعية المسؤولة التي تقول إن خيارات التصعيد لن تصل إلى نتيجة.
أما في الشق المتعلق بإسرائيل، فيدرك الجميع أن التصعيد ضد إيران ولبنان صار من الماضي. ومع ذلك، لن يؤثر الاتفاق في جهوزية المقاومة أو تمسكها بسلاحها، ولا استعدادها الدائم لمواجهة الأطماع الإسرائيلية في مياه لبنان وأرضه ونفطه. وإذا كان كثر يعتبرون أن إسرائيل صارت أكثر حرجاً وأقل قدرة على تسويق أي خطوة تصعيدية لمعرفتها أنها لن تجد من يوفر لها الغطاء، فإن ذلك لا يلغي حقيقة أن التهديد سيبقى مستمراً، علماً أن التجارب العربية واللبنانية تحديداً تؤكد ذلك. في 25 نيسان 1982 أعادت إسرائيل طابا لمصر، تنفيذاً لآخر بنود اتفاق السلام بينهما، لكنها في 6 حزيران من العام نفسه كانت قد وصلت إلى بيروت!