كيف يمكن للمواطن البسيط في الدول الإسلامية أن يقبل بتسلط النظام السعودي على مقدساته في وقت يمول فيه هذا النظام الحروب في أكثر من دولة، وبطريق علنية، ناهيك عن تقاسم آل سعود وآل الشيخ المنحدرين من سلالة محمد بن عبد الوهاب السلطة في البلاد.
شارک :
محمود عبد اللطيف
بدوافع سياسية حرم آل سعود السوريين وتحديدا في المناطق التي تسيطر عليها الدولة من الحج، وبدوافع سياسية أيضاً حرم آل سعود اليمنيين من الحج، ولانتشار الفساد في جسد الدولة السعودية شهد موسم الحج الحالي أربع كوارث بشرية، الأولى كانت عبر سقوط رافعة تتبع شركة بن لادن للاستثمارات العقارية على الحرم المكي، ومن ثم حريق في فندق بمكة المكرمة، تلاه انهيار جزء من جبل على منطقة مسكونة بالحجاج، وصولاً إلى حادثة التدافع التي يؤكد الكثير من شهود العيان إنها نتجت عن محاولة أحد أمراء آل سعود المرور بشكل مخالف مع موكبه بين الحجيج، ووقعت الطامة التي تشير إلى أن آل سعود، بتنظيمهم للحج يعرضون قدسية واحد من أهم الشعائر الإسلامية، كما إنهم يعلبون بالحج كورقة سياسية، ثم كيف يمكن تصديق مملكة يصل ملكها الديار المقدسة بحجة الإشراف على الحج ولا يكون واحداً من الحجيج..؟ .
كيف يمكن للمواطن البسيط في الدول الإسلامية أن يقبل بتسلط النظام السعودي على مقدساته في وقت يمول فيه هذا النظام الحروب في أكثر من دولة، وبطريق علنية، ناهيك عن تقاسم آل سعود وآل الشيخ المنحدرين من سلالة محمد بن عبد الوهاب السلطة في البلاد، فللسعوديين السياسية والأرض، وللوهابيين التسلط الديني، وبالتذكير بأن الوهابية هي القاسم المشترك بين السعودية والتنظيمات التكفيرية من قبيل القاعدة وداعش، يمكن القول أن الفكر التكفيري هو من يتحكم بالمقدسات الإسلامية، مما يستدعي ثورة حقيقة من قبل الشعوب الإسلامية لتحرير مكة والمدينة
فعلى الرغم من إن التاريخ الإسلامي لم يذكر أن قبيلة عربية حرمت من الحج في زمن الجاهلية وحينما فتح الرسول محمد بن عبد الله (ص) مكة قال لقريش التي آذته وآذت الصحابة وحاربت الإسلام إن من يدخل الكعبة آمن ، كما إن التاريخ الإسلامي لم يشهد إن الكعبة أغلقت أبوابها بأمر من أحد من الخلفاء أو الأمراء العرب بوجه أي مسلم، فكيف تجرأ آل سعود طوال أربع سنوات مضت على حرمان السوريين من أداء فريضة الحج دون أن يكون ثمة أي ضغط دولي من قبل أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي على آل سعود للعودة عن قرارهم، وكيف لم تحرك القضية منظمات حقوق الإنسان التي تدعي حماية كافة الحقوق لسكان العالم، في حين أنها ترى علانية أن آل سعود حرموا السوريين واليمنيين من حق ممارسة المعتقد الديني الذي تكفله حقوق الإنسان المتفق عليها من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة..؟
إن الحل الأمثل لحماية المقدسات الدينية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، هو تحويلها إلى مناطق محايدة سياسياً، غير خاضعة للسلطة الحاكمة في الجزيرة العربية، بمعنى أن تقوم الدول الإسلامية بتحويل الكعبة والمسجد النبوي والمناطق العائدة لهما والمتعلقة بالحج إلى أراض محايدة بشكل مطلق تتبع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وفق مفهوم التعامل الدبلوماسي مع السفارات في دول العالم، فلا يحق لآل سعود التحكم بالكعبة أو المسجد النبوي الشريف ولافرض الرأي الوهابي على الحجيج في أداء مناسك الحج كما هو المعتاد، فالأمن السعودي إن رأى حاجاً يمارس أي عادة أو معتقد تؤمن به المذاهب الإسلامية عدا الوهابية قاموا بضربه ووصفه بالكافر، كمحاولة التبرك بالكعبة أو ماشابه من أفعال المسلمين، وهي أفعال لا يمكن وصفها إلا بالاعتداء على الحرية التي ضمنها الإسلام للمسلمين في الأمور كافة، وكأن آل سعود يريدون تعويم الفكر الوهابي من منطلق سياسي ليضمنوا تبعية المسلمين لرأيهم من باب الفتاوى التي يصدرها مفتي الديار السعودية أو من لف لفيفه.
استحضار الفكرة الدبلوماسية للتعامل مع الحرمين الشريفين لتحييدهما عن السياسة والمنطق الانفعالي الذي ترمي به التوترات السياسية بين الحكومات، ومن ثم الشعوب، وفق المفهوم والأعراف المتبعة دبلوماسياً، يضمن سيادة السعودية الكاملة على مكة والمدينة المنورة دون أن يكون لها حق حرمان أي مسلم من الحج أياً كانت الأسباب، وبهذه الطريقة يضمن حياد الأماكن المقدسة في أرض الحجاز، على أن تدار هذه الأماكن من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي أو مؤسسة بديلة تنشأ خصيصاً لهذا الغرض بالتوافق بين الدول الإسلامية، من خلال التوقيع على معاهدة دولية يضع بنودها مجموعة من علماء المسلمين والقانون الدولي، وبدورها تقوم هذه المؤسسة سواء أن تم الاتفاق على أن تكون منظمة المؤتمر الإسلامي أو منظمة جديدة باختيار مجلس من العلماء المشهود لهم من كل مذهب بأمور عدة من أهمها.
1- الدراسة الأكاديمية لأصول الدين والفقه والافتاء.
2- اعتدال المذهب وعدم المغالاة واحترام المذاهب الأخرى.
3- ألا يكون من دعاة الحرب، ولا يتدخل في السياسة ولم يسبق له أن فعل.
وتكون مهمة هذا المجلس هي الإدارة الدينية لمراسم الحج، وتقسيم عائداته على الفقراء من المسلمين في مناطق العالم أو من خلال إنشاء مشاريع تكون وقفاً إسلامياً يستفاد من عائداتها في رعاية المسلمين في المناطق الساخنة، فبدلا من انتظار الدول لمنح مساعدات لإغاثة اللاجئين السوريين أو الفلسطينيين أو إعادة إعمار قطاع غزة يكون لعائدات الحج الدور الأكبر في المشاركة في هذه الأعمال، و بذلك يضمن ألا يكون المال العائد من موسم الحج على الدولة السعودية مشاركاً في تمويل قتل المسلمين في سوريا واليمن كما هو الحال، فآل سعود لهم تاريخ طويل في تمويل المشاريع الصهيوأميركية في المنطقة، والتي أودت بحياة آلاف المسلمين في سوريا واليمن وليبيا والعراق.
أما فيما يخص الأمور الإدارية المتعلقة بعمل مثل هذه المؤسسة، كتأمين الكادر الحامي للحجيج والمنظم لأمورهم، فيكون الأمر متداول بين الدول الموقعة على الاتفاق، وكما هي حال رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي يكون حال إدارة الحج، وتقوم هذه المؤسسة بتعين الكادر المشرف من عناصرها، وينظم الأمر قانونياً وفق اختصاصيين يضمن وجودهم وعملهم عدم المساس بسيادة السعودية إن حاول آل سعود التذرع بمسألة السيادة لمعارضة مثل هذا المشروع، فالفاتيكان على سبيل المثال حاضرة مسيحية داخل أراضي إيطاليا، لكن لا تجرؤ أي حكومة أوروبية على التدخل في الشأن الداخلي أو السياسي أو الديني للفاتيكان، بما في ذلك إيطاليا.
ضرورة تحييد المناطق المقدسة عن الصراعات السياسية في العالم العربي ملحة في الوقت الحالي بعد أن اتضح بشكل جلي الدور المشبوه لآل سعود في كل الملفات الساخنة في المنطقة العربي، وصولاً إلى حرمان السوريين واليمنيين من الحج، وبكون الموضوع بعيداً عن الفقهيات السياسية وقريب جداً من روحانية الأماكن المقدسة، وقدسية الأمر السماوي بضرورة إقامة المسلم لفرض الحج إن استطاع إليه سبيلا، على منظمة المؤتمر الإسلامي، والدول الأعضاء فيها كل على حدا أن يتحركوا بشكل سريع لضمان تحييد الأماكن المقدسة عن الصراعات السياسية التي يخوضها آل سعود، ناهيك عن الفساد المنتشر في جسد الدولة السعودية والذي أدى خلال سنوات خلت إلى استشهاد العديد من الحجيج بسبب الإهمال والفساد الإداريين والذين كان من نتيجتهم مؤخراً سقوط الرافعة على الحرم المكي ما أدى إلى مأساة كبرى هزت العالم كله.
وإذا ما كان الرسول الكريم قد أمّن المشركين على حياتهم إن دخلوا الكعبة يوم فتح مكة المكرمة، فمن أين لآل سعود أن يغلقوا أبواب بيت الله الحرام بوجه المسلمين لدوافع سياسية، وإلى متى ستبقى عائدات الحج جزء من الدخل القومي لآل سعود الممولين لقتل المسلمين في كل مناطق الوطن العربي خدمة لـ "إسرائيل"، الأمر الذي يوضح إن سلطوية آل سعود على مكة والمدينة المنورة، لاتقل خطورة على المقدسات الإسلامية من الانتهاكات المستمرة للكيان الإسرائيلي للمسجد الأقصى، وإن كان المسلمين يطلقون صرخاتهم نصرة للأقصى، فلابد وأن يتحرك العالم الإسلامي نصرة للكعبة والمسجد النبوي.