ان التخطيط لهجمات باريس لا تعود الى اشهر مضت، بل الى سنوات، منذ ان قررت الاشتراكية الفرنسية مع جاك شيراك وساركوزي وهولاند اقصاء الاسلام المعتدل عن المساجد والمراكز الاسلامية وتسليم مفاتيحها لمشايخ الوهابية السعودية.
شارک :
محمود مرتضى نفذ داعش تهديداته بشن هجمات على اوروبا، فعاشت باريس كابوسا من الكوابيس التي اعتاد العالم العربي والاسلامي عليها، ورغم وحشية الهجوم الباريسي، فانه يبقى خارج اطار المقايسة بينه وبين ما تشهده سوريا واليمن وما يشهده العراق وليبيا.
نفذ داعش تهديداته بانه سيغرق فرنسا وغيرها من الدول «الصليبية» بالدم، وعلى الرغم من بربرية الهجوم، فان الاصوات التي علت في فرنسا لتصويب البندقية وتسليط الضوء على حقيقة هذه الاحداث وابعادها، اسبابها ودوافعها وخلفياتها، بقيت خافتة امام آلة اعلامية تتحكم بها الصهونية لم تر في هجمات باريس الا امتدادا للهجوم على محل بقالة ليهودي لم يصب بأذى في كانون الثاني يناير الماضي، دون الهجوم على صحيفة شارلي ايبدو، واصوات اخرى سعودية الهوى سعت للقول ان حياة داعش وبقاءها مرتبط ببقاء الرئيس السوري في منصبه.
ومع كل هجوم بربري لداعش ترتفع الاصوات السعودية، من مسؤولين واعلاميين ومشايخ ودعاة، يحمّلون المسؤولية لايران «المجوسية» ولحزب الله الذي يسمونه «حزب اللات» ولاحزاب عراقية ذنبها انها تقاتل داعش.
تغرق باريس بالدم ولا تزال الطبقة السياسية الحاكمة في فرنسا بقيادة الحزب الاشتراكي ترفض مصارحة شعبها، والاجابة عن أسئلة طرحها صحفيون وإعلاميون ومثقفون حول الاسباب التي جعلت من فرنسا الدولة الاوروبية الاكثر عرضة للهجمات الارهابية، والتي جعلتها ايضا في المرتبة الاولى بين الدول الاوروبية التي التحق منها عناصر بالتنظيمات الارهابية في العراق وسوريا.
تتجاهل الحكومة الفرنسية الاجابة عن اسئلة تتعلق بالمسؤول عن جعل الوهابية ومشايخها هم المسؤولون عن معظم المراكز والمساجد الاسلامية في فرنسا. كما تتجاهل الحكومة الفرنسية اخبار شعبها في ان الكتب التي يقرأ بها الارهابي هي كتب ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب. فالارهابي الذي ضرب باريس لا يدرس في كتيب «النظام الداخلي لحزب البعث العربي الاشتراكي» الحاكم في سوريا، كما انه لم يكن يدرس «الكتاب الاخضر» لمعمر القذافي.
فمنذ انطلاق الازمة في سوريا والحكومة الفرنسية تحاول اقناع الرأي العام الفرنسي ان هزيمة "داعش" غير ممكنة في ظل وجود الرئيس بشار الاسد على رأس الحكم في سوريا، وعلى الرغم من أن الاخير يخوض حربا عنيفة ضد داعش، فان ذر الرماد في العيون لم يتوقف حول "داعش" والاسد لتجهيل منتج "داعش" الحقيقي.
فالتنظيم انطلق من العراق وهي معقله الاساس والاسد ليس هناك. وداعش يضرب في مصر وهناك لا وجود للاسد ولا للايرانيين، و"داعش" بات يسيطر على جزء كبير من ليبيا، وفي ليبيا لا اثر للاسد ولا لإيران او روسيا. ولكن في سوريا والعراق ومصر وليبيا توجد حركات دينية منتعشة بالاموال الوهابية والسعودية. ومساجد فرنسا واوروبا وامريكا يهيمن عليها رجال دين وهابيون.
ان التخطيط لهجمات باريس لا تعود الى اشهر مضت، بل الى سنوات، منذ ان قررت الاشتراكية الفرنسية مع جاك شيراك وساركوزي وهولاند اقصاء الاسلام المعتدل عن المساجد والمراكز الاسلامية وتسليم مفاتيحها لمشايخ الوهابية السعودية. وفي هذا السياق لا يسعني الا استحضار كلام «فؤاد زكريا» في مقالة له لمجلة «التايم» الاميركية حيث قال: «إذا كانت هناك جائزة للسياسة الخارجية الأكثر لامسؤولية فبالتأكيد ستمنح إلى المملكة العربية السعودية. فهي من أكثر الدول المسؤولة عن صعود التطرف الإسلامي والتشدد في جميع أنحاء العالم. وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تم استخدام الثروة النفطية الهائلة في المملكة لضمان تصدير الصورة المتطرفة والمتعصبة والعنيفة والغير متسامحة من الاسلام، من خلال ما بشر به رجال الدين الوهابيون. اذهب إلى أي مكان في العالم - من ألمانيا إلى إندونيسيا - وستجد المراكز الإسلامية المنتعشة بالأموال السعودية، تنفث التعصب والكراهية».
تستهزء الحكومة الفرنسية بشعبها عندما تستعين "بمختصين" سعوديين من مركز "المناصحة" الذي اسسه ولي العهد السعودي محمد بن نايف، لعلهم يقدمون لهم يد العون في "مناصحة" الاسلاميين المتطرفين الذين يُحتمل ان ينخرطوا في اعمال ارهابية، ولا تصارح الحكومة الفرنسية شعبها ان مركز «المناصحة» هذا قد فشل فشلا ذريعا في جعل الارهابي يمتنع عن القتل في قلب المملكة السعودية التي يسكنها مسلمون، فكيف سينجح في ثني حامل الفكر التكفيري عن ان يقتل من يرى انه "صليبي مشرك"؟
ان الاحصاءات تشير الى أن 80% من الذين شاركوا في هجمات ارهابية في الخليج (هجمات السعودية والكويت) قد تخرجوا من مركز المناصحة هذا، وان 35% ممن تعرضوا للبرنامج قد عادوا للالتحاق بداعش والقاعدة، على الرغم من ان الاحصاءات انما تتحدث عن الذين التحقوا بالفعل، دون ملاحظة من يُظن انه قد تغير لدوافع أمنية، اي التظاهر «بالتوبة» والبقاء ضمن خلايا نائمة الى ان تحين نقطة الصفر للتحرك.
ان الارهابي لا ينطلق من دوافع سياسية او اجتماعية، وان كان لذلك اثره بالفعل، بل ينطلق من دوافع ثقافية عقدية قبل اي شيء آخر، ولذلك فان الشعب الفرنسي ان اراد ان يعرف الدوافع الحقيقية لهؤلاء الارهابيين، والمحركات والمحفزات لهم، فان عليه ان يعرف طبيعة المكوّن الفكري المختزن في عقولهم. فاذا ما دخل العالم الى هذا العقل المتوحش، فانه لن يجد سوى حقيقة واحدة مشتركة في عقول جميع هؤلاء الارهابيين، وهي ان الفكر والفتاوى الوهابية هي المحفز والمرتكز لكل هذا التوحش ولكل هذا الدم الذي يملأ العالم.