إن هذا القرار يمثّل أحدث حلقة في نزاع سياسي وقانوني في تركيا بين من يتمسكون بالحجاب كواجب شرعي، ومن يعتبرونه تحديًا للدستور العلماني للبلاد .
شارک :
وكالة انباء التقريب (تنا):
اهتَمّ تقرير لوكالة "رويترز" للأنباء بإصدار المجلس الأعلى للتعليم في تركيا، قرارًا يجبر جامعة اسطنبول- وهي واحدة من أكبر الجامعات في البلاد- بمنع المدرسين من طرد الطالبات المحجبات من الفصول الدراسية، ووصفت الأمر بأنه "قرار تاريخي".
وقال التقرير: إن هذا القرار يمثّل أحدث حلقة في نزاع سياسي وقانوني في تركيا بين من يتمسكون بالحجاب كواجب شرعي، ومن يعتبرونه تحديًا للدستور العلماني للبلاد، والذي أقرّه قبل ثمانين عامًا مصطفى كمال أتاتورك الذي تتهمه مصادر عديدة بأنّه أحد أيادي الحركة الصهيونية العالمية المتوغلة في العالم الإسلامي.
ونقلت الوكالة عن بشرا جونجور الطالبة في السنة الأولى بالجامعة (١٨ عامًا) والتي غطت شعرها بحجاب أخضر اللون قولَها: "كنت مستعدة لوضع شعر مستعار تمامًا مثلما فعلت ابنة خالتِي، هذا الأمر يتعلق بالحرية. لا أرَى سببًا يجعل حجابِي يمثل تهديدًا لأي أحد".
فيما قالت بينار جيديك الّتي تدرس اللغة العربية وتضع حجابًا وردي اللون: إنّ هذا الحظر ما زال مطبقًا في بعض الكليات، ومضت تقول: "يمكن أن أحضر فصولًا دراسية بالحجاب الآن، لكنه ما زال محظورًا في الكثير من الأقسام. ما زال الضغط قائمًا".
وإلى جانب النظام القضائي فإنّ الجيش التركي- ذا التاريخ الطويل من التدخل في السياسة والذي أطاح بأربع حكومات منتخبة- يعتبر نفسه منذ فترة طويلة حائط الصدّ في مواجهة أي عودة لمظاهر إضفاء الطابع الإسلامي على البلاد. لذلك فإن التخفيف من غلواء القوانين العلمانية في تركيا لم يكن واردًا قبل عدة سنوات.
لكن الإصلاحات التي تهدف إلى تقريب تركيا من الاتحاد الأوروبي أدت إلى الحدّ من سلطات قادة الجيش. وفي مؤشر على مدى التغير الذي يحدث للتأثيرات والمواقف العامة فإنّ أحدث تغيير فيما يتعلق بارتداء الحجاب في الجامعة لم يصاحبه صخب عالٍ كالمعتاد بل مجرد اعتراضات محدودة.
ويقول الكاتب محمد علي بيراند في مقال بعنوان "دعهم يرتدين ما يردن" معلقًا على الأمر "إنها نفس المعركة التي تجري في تركيا منذ ٨٠ عامًا حول قضية العلمانية والتدين"، وأضاف بيراند: "لقد تغير العالم. لقد تغيرت تركيا. لابد من طي هذه الصفحات القديمة والتطلع للمستقبل."
وأشعلت محاولة من حزب العدالة والتنمية الحاكم لرفع الحظر المفروض على الحجاب قبل ثلاث سنوات أزمة سياسية كبرى وكادت أن تؤدّي إلى إصدار المحكمة الدستورية أمرًا بحلّ الحزب بسبب ممارسته أنشطة مخالفة للدستور.
لكن صعود طبقة جديدة من المسلمين المتمسكين بدينهم أصبحت تشكل الركيزة الأساسية لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية الذي يتولى السلطة منذ عام ٢٠٠٢ ساعد على ضعف الأفكار القديمة.
ويقول معارضو حظر الحجاب- المطبق منذ انقلاب عسكري في ١٩٨٢- إنه انتهاك للحريات الشخصية ولا يتوافق مع الديمقراطية الحديثة، وقال ارجون أزبودون وهو خبير دستوري في مأدبة غداء أقيمت مؤخرًا مع سفراء الاتحاد الأوروبي والصحفيين: "تحتاج تركيا لإيجاد علاقة جديدة بين الدولة والدين."
وأعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان- الذي فاز في استفتاء في الشهر الماضي على إصلاحات دستورية ترعاها الحكومة- خططًا لقانون أساسي جديد تمامًا.
ومن المتوقع على نطاق واسع أن يحاول حزب العدالة والتنمية الذي ينظر له على أنه الأوفر حظًا في انتخابات ٢٠١١ مرة أخرى إلغاء حظر الحجاب. ومن بين الإصلاحات التي تَمّت الموافقة عليها في الاستفتاء الذي أجري الشهر الماضي إصلاح المحكمة الدستورية التي يهيمن عليها في العادة قضاة علمانيون.
وقبل أن يتخذ المجلس الأعلى للتعليم قراره كانت الفتيات المحجبات تقول: إنهن اضطررن لوضع قبعات أو شعر مستعار لإخفاء الحجاب لحضور الفصول الدراسية في حين قررت أخريات البقاء في المنزل.
وعلى الرغم من أنّ رموز الإسلام أصبحت أكثر شيوعًا في الحياة العامة فإنّ الحساسيات ما زالت قائمة. على سبيل المثال فإنّ حديث الساعة في الوقت الراهن هو ما إذا كان القادة العسكريون والساسة العلمانيون سيحضرون حفل استقبال يوم ٢٩ أكتوبر في القصر الرئاسي بمناسبة العيد الوطني.
وعادة ما ينظم الرئيس عبد الله جول- الذي ترتدي زوجته الحجاب وكذلك زوجة أردوغان- حفلي استقبال منفصلين للضيوف الذين لا ترتدي زوجاتهم الحجاب والآخرين الذين ترتدي زوجاتهم الحجاب. أما في العام الحالي فإنه يعتزم تنظيم حفل واحد فقط. الإسلام اليوم