مؤامرة الصمت الدولي.. لم يعد هناك صمت بل هناك مؤامرة ضد الشعب الفلسطيني
تنـا
تعيش مدينة القدس وأقصاها وقيامتها أسوأ حقبة منذ احتلالها عام 1967، بفعل تولّي اليمين المتطرف مقاليد الحكم في دولة الكيان الإسرائيلي، وما تلا ذلك من إجراءات تصعيدية على أرض الواقع تهدف إلى ترسيخ السيطرة اليهودية في القدس الشرقية، في سياق سياسة التهجير القسري وإخلاء المدينة من سكانها الأصليين.
شارک :
يواصل الكيان الإسرائيلي قتل الإنسان وتدمير الحجر والشجر، في ظل استمرار الصمت الدولي وعدم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وستشهد الأيام القادمة حتماً مزيداً من التصعيد، طالما العالم المتحضّر والمجتمع الدولي يكتفيان "بالإعراب عن القلق".
وانتقدت فلسطين، الجمعة، ردود الفعل الدولية والأممية “الخجولة والمتدنية” على “الشعارات العنصرية” بمسيرة الأعلام الإسرائيلية في مدينة القدس، الخميس.
جاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية الفلسطينية بعد يوم من المسيرة السنوية التي تخللها ترديد إسرائيليين متطرفين هتافات “عنصرية” ضد العرب والفلسطينيين.
واعتبرت الخارجية أن “ردود الفعل الدولية والأممية على تلك الشعارات والمواقف والاعتداءات العنصرية التي رافقت مسيرة الأعلام خجولة ومتدنية”.
وأضافت إن تلك الردود “لا ترتقي لمستوى ما تمثله العنصرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ومخاطرها على ساحة الصراع”، وفق البيان.
ورأت الخارجية الفلسطينية في تلك المواقف “انعكاسًا لازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، بما يضعف فرصة تطبيق القانون الدولي ويفقد الجهات الأممية المسؤولة عن تنفيذه أي مصداقية”.
كما أدانت “بأشد العبارات الاعتداءات الاستفزازية والانتهاكات والشتائم والشعارات والمواقف العنصرية التي واكبت المسيرة”.
ورأت في ذلك “دليلا قاطعا على أن مسيرة الأعلام السنوية تندرج في إطار عمليات تكريس ضم القدس وتهويدها ومحاولة تغيير هويتها وواقعها التاريخي والسياسي والقانوني القائم”.
وفي وقت سابق الجمعة، أدانت الولايات المتحدة الأمريكية، هتافات “الموت للعرب” التي أطلقها يمينيون إسرائيليون خلال المسيرة.
والخميس، ردد يمينيون إسرائيليون هتافات منها “الموت للعرب” خلال مسيرة الأعلام في باب العامود بالقدس الشرقية التي انطلقت بمناسبة مرور 56 عاما على احتلال إسرائيل للمدينة، وفق التقويم العبري.
وحمل هؤلاء المتطرفوت، بينهم مسؤولون حكوميون وبرلمانيون، الأعلام الإسرائيلية وهتفوا أيضًا “لتحرق قريتهم” في إشارة إلى الفلسطينيين.
ان هذا التصعيد غير المسبوق، هو بمثابة تحذير لكل العالم، لكي يعي جيّداً بأن إجراءات هذه الحكومة المتطرّفة من شأنها جرّ المنطقة إلى حرب دينية، ستصل ألسنة لهبها إلى مسافات بعيدة. ما يتطلّب حراكاً بالمستوى المطلوب من الشارع العربي والإسلامي وحتى الدولي، باعتبار قضية القدس مسؤولية مشتركة بين كل المسيحيين والمسلمين في هذا العالم.
تعيش مدينة القدس وأقصاها وقيامتها أسوأ حقبة منذ احتلالها عام 1967، بفعل تولّي اليمين المتطرف مقاليد الحكم في دولة الكيان الإسرائيلي، وما تلا ذلك من إجراءات تصعيدية على أرض الواقع تهدف إلى ترسيخ السيطرة اليهودية في القدس الشرقية، في سياق سياسة التهجير القسري وإخلاء المدينة من سكانها الأصليين.
وتخضع مدينة القدس منذ احتلالها عام 1967، إلى سياسة تهويدية ممنهجة وشاملة، من خلال بناء جدار الفصل العنصري، وهدم البيوت والمنشآت، وقتل السكّان، وأسرهم، وإبعادهم، وسحب إقاماتهم، وتنفيذ المشاريع الاستيطانية المختلفة، وتدنيس أماكن العبادة الإسلامية والمسيحية، والقيام بحفريات تحت المسجد الأقصى المبارك، وفرض قوانين عنصرية ، وغيرها من الإجراءات التعسفية بحق القدس ومقدساتها وأهلها.
وكانت قد جرت العادة أن يتوقّف الاحتلال عن هدم المنازل بمدينة القدس في شهر رمضان المبارك بدعوى احترامه للشهر الفضيل وفي محاولة لتجميل صورته أمام العالم، لكن في السادس من آذار/مارس 2023، أوعز ما يسمّى "وزير الأمن القومي" الإسرائيلي إيتمار بن غفير، بمواصلة هدم المنازل خلال شهر رمضان، في تصعيد غير مسبوق، ينمّ عن عقلية وحشية متطرفة، لا تكترث بأي منظومة قيمية على هذا الكوكب.
وتأتي تعليمات بن غفير بعد ثمانية أيام على اللقاء الخماسي في مدينة العقبة الأردنية، والذي جمع مسؤولين كبار من كل من فلسطين ومصر والأردن وإسرائيل والولايات المتحدة، أكّد فيه المشاركون على ضرورة الالتزام بخفض التصعيد على الأرض ومنع المزيد من العنف، وعلى أهمية الحفاظ على الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة في القدس قولاً وعملاً دون تغيير، وشددوا في هذا الصدد على الوصاية الهاشمية/ الدور الأردني الخاص.
وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن خطوة بن غفير، وما سبقها من منع السفير الأردني لدى "إسرائيل" من دخول الأقصى في كانون ثاني/ يناير الماضي، وتصاعد عمليات اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى وتدنيسه، إضافة إلى الحفريات المتسارعة والغامضة في محيط الأقصى، تشكّل انقلاباً جديداً على كل التفاهمات والاتفاقيات الموقّعة وعلى الشرعية الدولية بشكل أساسي.
كل ذلك يحدث وسط صمت عالمي معتاد نوعاً ما تجاه القضية الفلسطينية وهذا الصمت ليس إلا مؤامرة يمارسها المجتمع الدولي تشجع إسرائيل وتحرضها على اقتراف المزيد من الانتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما فيها إجراءات تهويد القدس الشرقية المحتلة.
وأدن المركز الحقوقي اقتحام المسجد الأقصى ومصلياته، واعتقال مئات المعتكفين وحرمانهم من حرية العبادة، واستخدام القوة المفرطة في قمع المصلين وإعاقة عمل الطواقم الطبية.
وشدد على أن القدس الشرقية مدينة محتلة، ولا تغير جميع الإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال في أعقاب احتلال المدينة في عام 1967 من وضعها القانوني كجزء من الأرض الفلسطينية المحتلة.
وطالب المركز الحقوقي المجتمع الدولي، والمقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد بالعمل على توفير حماية للمدنيين في الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل عام، وفي مدينة القدس الشرقية بشكل خاص، بما في ذلك صون حريتهم في العبادة، وحماية مقدساتهم.
وفي ظل تكرار وتصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، دعا المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالإسراع في فتح تحقيق في الأحداث الخطيرة التي تجري في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها مدينة القدس.
المواقف الدولية من القدس/
موقف الأمم المتحدة
اتخذت الأمم المتحدة موقفاً ثابتاً من الاحتلال الإسرائيلي للقدس، وصدرت عنها عدة قرارات متعلقة بالأمر مثل قرار 181 الذي صدر بعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن القدس عاصمة أبدية موحدة لدولة إسرائيل، وهذا القرار لم يضف صيغة الاحتلال على مدينة القدس بالكامل، وإنما فقط على الأراضي التي احتلت عام 1967م، لكنه أدان احتلال تلك الأراضي واعتبره عملاً غير مشروع ومخالفاً للشرعية الدولية، وقد طرحت الأمم المتحدة عدة اقتراحات ومبادرات للإسهام في حل النزاع على مدينة القدس، ومنها مشروع يقسم القدس إلى شطرين ويقضى بأن يكون لكل من طرفي النزاع حق السيطرة على ذلك الجزء الذي تنص عليه الاتفاقية المطروحة. ورغم إجحاف القرارات الدولية تجاه أراضي القدس المحتلة عام 1948 م، وتجاه حق الفلسطينيين في أن تكون القدس عاصمة لدولتهم المستقلة، لكن الأمم المتحدة أكدت أن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على جميع الأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 م، بما فيها القدس.
موقف الاتحاد الأوروبي
وقف الإتحاد الأوروبي موقفاً إيجابياً تجاه قضية القدس وحقوق الشعب الفلسطيني. وتمثل موقفه في وجوب قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس على الأراضي المحتلة عام 1967م، إلا أن المواقف الأوروبية تباينت ما بين الوضوح والغموض، فعلى سبيل المثال يتمثل موقف بريطانيا تارة في أن إسرائيل ملزمة بتنفيذ القرارات الدولية بشأن القدس والأراضي المحتلة عام 1967م، بشفافية واضحة في القرار، وفي الوقت نفسه تأتي تصريحات أخرى تقول إن القدس قضية عالقة يجب التفاوض عليها، وذلك الموقف صارت تتبناه غالبية دول الإتحاد الأوروبي، وقد جاء في بيان صادر عن الاتحاد الأوروبي أنهم يرفضون بشكل قاطع الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وإقرار أن أراضي القدس التي استولي عليها الإسرائيليون عام 1967م، هي أرض محتلة، ويجب حل النزاع حولها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وقد كان لألمانيا موقف خاص تجاه ذلك، حيث إن ألمانيا مازالت مقيدة بالشعور بالذنب بسبب مجازر النازية ضد اليهود، مع ذلك تحاول ألمانيا أن تظهر سياسة متوازنة تجاه القضية الفلسطينية والقدس على الأقل في مواقفها الرسمية. أما فرنسا فموقفها يتسم بالتأرجح واللعب على أكثر من وتر، حيث إن الموقف الفرنسي الذي يعبر عن رفضه الاحتلال الإسرائيلي، وينادي بحل سلمي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني لا يمكنه أن يخفي الطابع الاستعماري القديم، حيث إن المواقف الآن تتعلق بالمصالح بغرض فرض تواجد فرنسي في منطقة الشرق الأوسط وسعيا لعدم تهميش دورها في المنطقة وعدم تعطيل مصالحها في المقام الأول.
ولكن كل هذه المواقف هي حبر على ورق وهي مجرد قرارات صامتة لأن الاحتلال يفعل ما يحلو له في القدس وفي أرض فلسطين دون أي رادع أو أي رقابة ولا يمكن لأي جهة دولية أن تصدر أي قرار باعتقال شخصية اسرائيلية مثلا أو تسليمها للمحكمة الدولية لمعاقبتهم على جرائم حرب ارتكبوها وفقط المقاومة وفصائل المقاومة الفلسطينية هي الرادع الأصيل لجشع الاحتلال ووحشيته، ورأينا ذلك واضحاً في القصف الأخير الذي استهدف غزة والمقاومة سطرت أروع ملاحم البطولة في التصدي للعدون والهجوم أيضا.