وأخيراً، حكى الرئيس سعد الحريري. سرعان ما يستنتج متابع الخطاب في ساحة الشهداء، أول من أمس، أنّ الحريري حكى، لكن كأنه لم يفعل.
كان من المفترض أن يكون الأحد الماضي مناسبة إستثنائية لتيار المستقبل. هو الظهور الأول للحريري منذ ١٤ شباط الماضي، وهو يوم عيد الشهداء، وفي الذكرى الرابعة لأحداث ٧ أيار، وفي عزّ الأحداث المستمرّة في سوريا. كل هذه العوامل لم تجعل من رئيس الحكومة السابق خطيباً جيّداً على مستوى الحدثين الداخلي والإقليمي.
سعد الحريري خلط الحابل بالنابل: «شهداء الصحافة وإدانة السلطة العثمانية ووحدة الساحتين اللبنانية والسورية. اجتياح بيروت وسقوط شهداء ٧ أيار. آلة القتل في سوريا والشعب السوري الشهيد».
غزارة العناوين وحصرها في مهرجان ٦ أيار أضعفا الرئيس الحريري، الذي مرّ سريعاً على كل هذه العناوين من دون أن يتوقّف عند التفاصيل.
وبقي السؤال الأهم، هل أحيا تيار المستقبل ذكرى ٧ أيار؟ ملاحظة بديهية، المهرجان، حين الإعلان عنه قبل أسبوع، كان تحت عنوان «دعم الشعب السوري». وفي البيان الإعلامي الصادر عن التيار بعد انعقاده هو مهرجان «بذكرى شهداء لبنان». وعلى الوكالة الوطنية للإعلام هو في «ذكرى شهداء الصحافة وشهداء ٧ أيار». كل هذا يدلّ على أنّ التيار يريد إحياء هذه الذكرى، ولكن كما لو أنها مفروضة عليه.
لم يقدّم الحريري أي جديد، فكرّر لازمة «لا للسلاح، لا لبشار»، مارس هوايته المعتادة، وهي التحدث باسم كل اللبنانيين، لتحويل هذه اللازمة علناً إلى شعار يخوض من خلاله الانتخابات النيابية المقبلة.
هاجم الحريري الرئيس السوري، وقال إنّ الانتخابات التي انطلقت أمس في سوريا مزوّرة، فصفّق الحاضرون، أعلن رفضه للسلاح وفتنته ولمن يستقوي به، فصفّق الحاضرون. أشار إلى تقصير حكومة «النأي بالنفس» تجاه أمن الناس وسلامة الغذاء، فصفّق الحاضرون. ختم بأنه على يقين من أنّ اللبنانيين واللبنانيات سيؤكدون في الانتخابات النيابية أنّ «الشعب يريد إسقاط النظام»، فصفّق الحاضرون. انتهت الكلمة، فصفّقوا وغنّوا ودبكوا.
وبالفعل، «دبكت» في ساحة الشهداء. سعد الحريري ليس في بيروت، ولا من أعدّ كلمته موجود في بيروت. الحريري وطاقم مستشاريه باتوا جميعاً «بعيدين عن الجو». هم لم يكونوا موجودين في ساحة الشهداء يوم الاحتفال. لو فعلوا لكانوا أدركوا كم أنّ ناسهم ملّوا الاستماع إلى الخطابات ورفع الشعارات وباتوا يبحثون عمّن يترجم موقفهم في الممارسة السياسية وعلى الأرض.
لو حضرت قيادة الخارج لكانت رأت كيف أنّ أنصار التيار بدأوا ينفّسون عن احتقانهم في إشكالات داخلية متنقّلة في ساحة الشهداء.
حضر المهرجان نحو ٣٥٠٠ مستقبلي، وتخلّلته أربعة إشكالات راح ضحيّتها أكثر من جريحين نتيجة استعمال سكاكين والهراوات، هنا أيضاً اختلط الحابل بالنابل، والأسباب تتعدّد بين: حقد مناطقي، صراع على كرسي، «قعود، ما بقعد» أو حتى «زعران بين بعضهم». والنتيجة، أنّ الصفوف الأمامية تلهّت أكثر من مرة عن متابعة كلمة الرئيس الحريري لمتابعة الإشكالات واتخاذ القرار المناسب بالبقاء أو مغادرة الاحتفال.
بالنسبة إلى قيادة المستقبل، المشاكل مفتعلة. حرّض عليها «مندسّون من فريق سوريا». ليست المسألة أنه ليس في ٨ آذار، وتحديداً حركة أمل، من يبحث عن تعكير مزاج المستقبليين. لكن من هم الاستشهاديون في هذا الفريق المستعدون لفداء دمهم لتخريب مهرجان؟ لا جواب، فتبقى فرضية مطروحة، ولو أنّ مسؤولين في التيار سارعوا إلى تأمين الوساطات اللازمة لدى القوى الأمنية للإفراج عمّن أوقفوا بفعل الإشكالات المتنقّلة.
المهرجان فشل في السياسة والمضمون، وفشل في الشكل أيضاً بفعل العجز عن ضبطه أمنياً. في السياسة، لم يخرج أحد من المستقبليين راضياً. بعد المهرجان، التقى عدد من نواب المستقبل ومسؤولي التيار في أحد فنادق وسط العاصمة. النائب نهاد المشنوق كان حاضراً. فتح النار على خطاب الحريري، قائلاً إنه «يشبه من يطلق رصاصة على قدمه».
الأمين العام للتيار، أحمد الحريري، ليس أقل حدة. يقول بعض المستقبليين إنه تحدّث مع شقيقه نادر، قائلاً له: «عندما نسمع هذا الخطاب نعرف لماذا يحب جمهورنا السنيورة». أكثر ما استاء منه المستقبليون هو أن الحريري «لم يقل شيئاً في خطابه»، وأنه حيث يجب الحكي، قال إنه لا يحمّل مسؤولية ٧ أيار «لا لطائفة ولا لفئة». في الأولى، هم معه. لا يريدون تحميل الطائفة الشيعية المسؤولية، لكنهم لا يقبلون ألّا يُحمّلوها لحزب الله «الذي يتباهى بما فعله».
كل هذا لا يمنع أنّ في تيار المستقبل من يصعد نجمه. السنيورة والنائب خالد الضاهر وأحمد الحريري مثلاً. الأول هتف الناس باسمه وطالبوا بعودته إلى الحكومة، وهم لا يطالبون بعودة الحريري إلى الرئاسة: «بدنا بدنا السنيورة، كل العالم مقهورة». الثاني، أمضى ما يقارب الساعة من الوقت في المشوار من نصب الشهداء إلى مدخل ضريح الرئيس رفيق الحريري، بفعل انتظار المعجبين «بالدور» لالتقاط الصور معه وسؤاله عن الأحوال عند الحدود مع سوريا. والرجل الثالث، توقفت سيارته بعيداً عن مدخل الشخصيات، فشق طريقه بين الحضور الذي استوقفه وسأله عن الحال و«عن أسباب الغيبة». من يتابع هذا الثلاثي يعرف أنه لا يقصّر في تأدية مهماته، لكن الفشل يحيط به بفعل المشهد العام للتيار. وهذا الثلاثي وغيره من «نجوم المستقبل»، بحسب ناشطين في التيار، لا يتحمّلون أي مسؤولية عن هذا الفشل، وخصوصاً أنّ القرار محصور بيد الرئيس الحريري والمحيطين به، فـ«يختلط الحابل بالنابل».