التطوّرات المرتقبة على الجبهة السوريّة وخارجها،ستجيب على المصير الذي سيؤول إليه الوضع في المنطقة برُمّته
شارک :
تقول أوساط قريبة من دمشق إنّ النظام السوري قد سجّل جملة نقاط لمصلحته هذا الأسبوع في أزمة باتت أقرب إلى معركة كسب النقاط محلّياً وعربيّاً وإقليميّاً ودوليّاً.
أولى هذه النقاط التي سجّلتها دمشق في مصلحتها، هي فشل دعوة الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي إلى مؤتمر لتوحيد المعارضة السوريّة، بالإضافة الى المعلومات الكثيرة التي تتناقلها وسائل الإعلام عن خلافات عنيفة داخل "المجلس الوطني السوري" المعارض، حيث تتصاعد الاتّهامات المتبادلة بين مكوّناته وشخصيّاته الى درجة أنّ رئيسه الدكتور برهان غليون قد أعلن صراحة استعداده للاستقالة لحظة الاتّفاق على بديل منه في رئاسة المجلس.
وفي حين يعتقد بعض العارفين بشخصية غليون الأكاديمية غير المحنّكة سياسيّاً، أنّه وصل الى حال من القرف من أوضاع "المجلس الوطني" الداخلية وعلاقاته العربية والدولية، يعتقد آخرون أنّ استعداده للاستقالة ناجم من إدراكه المُسبق صعوبة الاتّفاق على مرشّح بديل، خصوصاً أنّ المرشّحين البدائل لا يحظون بتأييد جماعة "الإخوان المسلمين" المهيمنة على المجلس. فجورج صبرا الذي ترشّح ضدّ غليون في اجتماعات روما الأخيرة، شيوعيّ ومسيحي في آن ولا يمكن تسويقه في "الجوّ الإسلامي".
أمّا المرشّح الآخر الدكتورة بسمة قضماني فهي إمرأة أوّلاً، وقد تشوّهت سمعتها بعد نشر صورها في اجتماع لها مع اسرائيليّين. على أنّ التفكّك الحاصل في "المجلس الوطني" الذي حاولت بعض الدول المناهضة لدمشق اعتباره ممثّلاً وحيداً للمعارضة، بل للشعب السوري، قد خيّب أمل هذه الدول فيه وبدوره المستقبلي، خصوصاً بعدما رأى رئيسه أنّه فشل في الارتقاء الى المستوى المرغوب منه.
غير أنّ أوساطاً أخرى تعتقد أنّ ما أصاب هذا المجلس من تفكّك كان نتيجة قرار اتّخذته بعض الدول بالتنصّل من دعمه، وكذلك نتيجة النزاعات الخفيّة الدائرة بين هذه الدول، وبعضها عربي وبعضها الآخر إقليمي ودولي، بسبب تحوّلات بدأت تطرأ على سياساتها تجاه سوريا بعدما أدركت صعوبة إسقاط النظام.
أمّا النقطة الثانية التي سجّلتها دمشق لمصلحتها فهي تصاعد أصوات عربية ودولية تحذّر من الأخطار التي تنطوي على وجود تنظيم "القاعدة" في سوريا ولبنان، إلى درجة أنّ وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا قد أقرّ صراحة بوجود بصمات "القاعدة" في التفجيرات التي وقعت أخيراً في سوريا، ناهيك عن تداعيات لبنانية بدأت باحتجاز السفينة "لطف الله ٢" التي تحمل من الأسرار ما يفوق حجم الأسلحة التي كانت تنقلها.
وقد جاءت تصريحات زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري في الأمس ضدّ قيادة المملكة العربية السعودية لتؤكّد تحذيرات الرئيس السوري بشّار الأسد في حديثه الأخير لقناة "روسيا اليوم" من أنّ الفوضى التي تشهدها سوريا اليوم قد تمتدّ الى دول تدعم المعارضة السوريّة المسلّحة، وقد تنعكس أيضاً تحوّلات في الموقف الخليجي نفسه والذي تجلّى أخيراً في عدم اتّخاذ مجلس التعاون الخليجي القرار المتعلّق بالاتّحاد بين دوله الذي اقترحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز.
أمّا النقطة الثالثة، فهي العريضة التي وقّعها عدد لا يستهان به من شخصيّات قطرية بينها أفراد من عائلة آل ثاني نفسها، وهي تطالب باستقالة الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وتسليم الإمارة الى شقيقه عبد العزيز، ما يشير إلى أنّ الكأس التي حاول حكّام قطر أن يجرِّعوها لحكّام آخرين لم تعد بعيدة عنهم، على حدّ تعبير الأوساط القريبة من دمشق.
والنقطة الرابعة التي جاءت لمصلحة دمشق أيضاً تكمن في التطوّرات التي شهدتها طرابلس ومحاولة بعض الساسة اللبنانيّين المعارضين لها الإيحاء بأنّ حلفاء النظام السوري يقفون وراءها. فهذه الاتّهامات إذا كانت صحيحة تفترض بهؤلاء أن يلجؤوا إلى التهدئة في طرابلس بدلاً من التصعيد والتحريض الذي بلغ درجات قياسية.
وقد جاء تلويح أحد أبرز المتشدّدين الطرابلسيّين الشيخ بلال دقماق في برنامج "كلام الناس" التلفزيوني باستدعاء "الجيش السوري الحر" إلى طرابلس في معرض الردّ على ما نُسبَ الى الامين العام لـ"الحزب العربي الديموقراطي" رفعت عيد من أنّه دعا إلى تدخّل الجيش السوري في المدينة، ليكشف أنّ النزاع فيها هو امتداد لما يجري في سوريا، خصوصاً في ضوء المذكّرة المعزّزة بالوثائق والمعلومات التي قدّمها المندوب السوري في الأمم المتحدة الدكتور بشّار الجعفري إلى الامين العام للمنظمة الدولية بان كي مون، والتي نقلت الموقف السوري في المنبر الدولي من الدفاع الى الهجوم، في لحظة تواجه فيها حكومات عربية ودولية إرباكاً غير مسبوق في الموقف من الأزمة السوريّة بعد اختلاط الأوراق فيها.
أمّا النقطة الخامسة التي جاءت لمصلحة دمشق، فهي تصريحات رئيس فريق المراقبين الدوليّين الجنرال النروجي روبرت مود التي أكّد فيها أنّ الحكومة السورية "تبدي تعاوناً كبيراً" مع هذا الفريق، خصوصاً بعد الانفجار الذي تعرّضت له بعثته في خان شيخون في ريف إدلب واحتجاز المعارضة المسلّحة لعناصرها، لتضطرّ إلى إطلاقهم لاحقاً.
أمّا النقطة الأخيرة والأكثر أهمّية، فتكمن في المواقف التي أطلقها رئيس الحكومة الروسية ديمتري ميدفيديف عشيّة مغادرته موسكو إلى الولايات المتّحدة الأميركية لحضور قمّة الثماني في كمب ديفيد وقمّة العشرين في شيكاغو، فهذه المواقف لم تكتفِ برفض أيّ قرار حول سوريا وإيران يخرج عن إطار القرارات الدولية، بل إنّها لوّحت بحرب كبرى في المنطقة قد تتحوّل حرباً نووية، الأمر الذي يدرك حكّام الغرب وبعض الدول الإقليمية خطورته، وقد يتّخذون منه مبرّراً لتحوّلات في موقفهم من الأزمة السورية.
غير أنّ الأوساط المعارضة لدمشق ما زالت تراهن على تطوّرات الوضع الداخلي في سوريا، وعلى اعتماد أسلوب الاغتيالات والتفجيرات التي تشهدها مناطق سوريّة عدّة، الأمر الذي يُذكّر السوريّين بما حصل في العراق، لا سيّما بعد الاحتلال الاميركي، خصوصاً اغتيال علماء وطيّارين وضبّاط كبار في الجيش العراقي.
بعض الأوساط الخبيرة بهذا النوع من الأزمات التي تشهدها سوريا، يرى في كلّ هذه التطوّرات عوامل تُساند مشروع التسوية السياسية الذي تدرسه حاليّاً موسكو وبكين وواشنطن وإيران وتركيا من أجل معالجة الأزمة السوريّة، وهي وإن لم تكتمل بعد، فقد خطت خطواتها الأولى مع خطّة كوفي أنان التي ما زال النظام السوري يُعلن دعمه لها، في حين تتراوح مواقف معارضيه بين الدعم والتشكيك الذي يصل إلى حدّ الدعوة إلى إنهائها.
وترى هذه الأوساط أنّ ما تشهده سوريا هو نوع من "الوقت الضائع" الذي عرفته أزمات مماثلة بين التصعيد من جهة والحلول من جهة ثانية. وتعتقد أنّ النظام السوري وحلفاءَه قد نجحوا في تصوير ما يجري على الأرض السوريّة بأنّه "إرهاب ينبغي أن يتعاون الجميع على مكافحته".
فهل إنّ الوضع يقف الآن أمام تشكيل جبهة عربية ـ إقليمية ـ دولية لمكافحة الإرهاب تكون فيها دمشق "رأس حربة"، خصوصاً أنّ النظام السوري يُعتبر من أكثر الأنظمة خبرة في مواجهة هذا النوع من التنظيمات؟ التطوّرات المرتقبة على الجبهة السوريّة وخارجها وما سيرشح من الاجتماعات الإقليمية والدولية خلال الأيّام والأسابيع المقبلة هي التي ستجيب على هذا السؤال والمصير الذي سيؤول إليه الوضع في المنطقة برُمّته.