الغريب أن كلينتون لا تتورع ولا تتردد في أن تدعو العواصم التي زارتها بالضغط على ايران وهو المعنى الآخر للتحريض واثارة الخلافات والفرقة بين دول المنطقة، وهو ذات الهدف الذي حققته في السودان
المسرورون بانفصال الجنوب السوداني كثيرون الا أن درجات سرورهم تختلف، ولعل هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية بلغت ذروة السرور والانتعاش ليس لنجاح المشروع الذي لم تدخرحكومة بلادها جهدا من أجل تنفيذه وحسب وانما، لأن الدبلوماسية الأميركية لم تحقق منذ مجيء الرئيس الحالي باراك أوباما الى السلطة أي انجاز، بل العكس أخفقت في كل المشاريع والسياسات الخارجية الأميركية، فاعتبرت ان انفصال الجنوب انجاز كبير حققته، ولا نريد هنا سرد كافة اخفاقات الدبلوماسية الأميركية وانما نشير الى اخقاق واحد بارز وقع في الآونة الأخيرة ولمسه القاصي والداني.
فكما نعلم أن الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة جرت في ٧ مارس من العام الماضي الا أن نوري المالكي أعلن عن تشكيل حكومته في ٢١ من الشهر الماضي أي بعد مضي أكثر من ١٠ أشهر من انتخابات المجلس الوطني العراقي، الجميع أدرك أن السبب الرئيسي في تأخير تشكيل الحكومة هو اختلاف القوى العراقية على استلام منصب رئاسة الوزراء، وهذا هو العنوان العريض لهذه المشكلة بينما الجزء الرئيسي المرتبط بهذا العنوان العريض هو الموقف الأميركي الذي كان يصر طيلة سبعة أشهر على ضرورة استلام شخص معين رئاسة الوزراء في الوقت الذي كان فيه الآخرون يرفضون القرار الأميركي، وعندما وصلت واشنطن الى قناعة بأنها لن تستطيع ارغام العراقيين بقرارها تراجعت وشكل ذلك ضربة موجعة للدبلوماسية الأميركية، ولم تمض فترة طويلة على تراجعها حتى اتفقت القوى السياسية على تقاسم السلطة وحل المشكلة.
هذا نموذج بارز على الفشل الذريع الذي تكبدته الدبلوماسية الأميركية، وهناك العديد من الاخفاقات، بينما تأتي قضية انفصال الجنوب السوداني لتنقذ الدبلوماسية الأميركية من مسلسل الاخفاقات، ولكن لو جئنا الى حقيقة هذا الانجاز الأميركي فيا ترى ما هي المعاني السامية التي اكتسبها هذا الانجاز (ان كنا اعتبرناه انجاز) فربما تنظر واشنطن والعواصم الغربية والفاتيكان اليه على أنه انجاز عظيم ولكن في حقيقة الأمر ما هو الا انتهاك لسيادة وكرامة بلد وشعب كامل من خلال تقطيع أوصاله، وهذا هو المبدأ الذي ترتكز عليه السياسة الأميركية تجاه البلدان الاسلامية والعالم عموما وتجاه البلدان التي لا تنصاع لسياستها بشكل خاص.
زيارة كلينتون لبعض الدول الخليجية جاءت بعد زيارتها للسودان واشرافها على عملية التصويت على انفصال الجنوب السوداني، ومع أن زيارتها للدول الخليجية تختلف عن السودان الا أنها ترمي الى تحقيق ذات الهدف، والغريب أن كلينتون لا تتورع ولا تتردد في أن تدعو العواصم التي زارتها بالضغط على ايران وهو المعنى الآخر للتحريض واثارة الخلافات والفرقة بين دول المنطقة، وهو ذات الهدف الذي حققته في السودان، الملفت في جولة كلينتون أنها لم تدرج كافة الدول الخليجية ضمن جدول أعمال زياراتها وانما اقتصرت على بعض الدول الخليجية، ولو أمعنا النظر قليلا لرأينا أن مستوى علاقات ايران ارتفع في الآونة الأخيرة مع هذه الدول بالتحديد.
ما معنى أن تزور كلينتون دول المنطقة وتدعوها الى ممارسة الضغوط على ايران، أليس من أجل اثارة الخلافات بين هذه الدول وايران، من هنا فاننا عندما نعتبر أن الهدف الرئيسي من زيارة كلينتون للمنطقة لا يختلف عن هدف زيارة السودان فان ذلك ليس جزافا، ولكن السؤال المطروح اذا كانت واشنطن تريد توتير وتأزيم العلاقات بين ايران ودول المنطقة، أليست هي المتضرر الأول من هذا التوتر وذلك لأن التوتر اذا انتهى الى حرب بين ايران واحدى الدول المنطقة فان المنطقة ستتوقف عن مد العالم بالنفط مما يشكل تحديا كبيرا امام القوى الكبرى وفي مقدمتها اميركا، فضلا عن دول المنطقة بما فيها ايران.
مما لا شك فيه أن هذه ليست المرة الأولى التي تزور فيها كلينتون أو أي مسؤول أميركي آخر دول المنطقة ويطلب منها قطع علاقاتها أو الضغط على ايران؟ وأن ارتفاع مستوى العلاقات الايرانية – الخليجية في السنوات الأخيرة مؤشر على أن هذه الدول لا تلبي الطلب الأميركي ولا تؤمن بالسياسة الأميركية فضلا عن الاذعان والاستجابة لها، وباالتالي فان هذه الدول لو لم تعلن رفضها للموقف الأميركي تجاه ايران فان خطواتها العملية تعبير أقوى على رفض السياسة الأميركية، ولربما تعلن دولة ما شيء الا أن المعيار الحقيقي لما تعلنه هو تطبيقها لما تصرح به.
الهدف الآخر من زيارة كلينتون هو التحريض ضد ايران مع اقتراب عقد الجولة الثالثة من المباحثات النووية بين ايران ومجموعة ٥+١ في اسطنبول، اذ تسعى واشنطن الى تأليب ليس دول المنطقة وحسب بل دول العالم برمتها ضد ايران لتتراجع عن مواقفها النووية، غير أن طهران أثبتت أن مشروعها النووي خط أحمر لا يمكن التفاوض عليه ومن المستحيل توقيف هذا البرنامج، هذا في الوقت الذي أبدت فيه طهران مرونة كبيرة تجاه هذا المشروع عندما وافقت على اجراء مباحثات حول تخصيب اليورانيوم الى درجة ٢٠% مما يدلل على أن طهران لا تريد اثارة الأزمات وانما كسب ثقة المجتمع الدولي وطمأنته بسلمية برنامجها النووي، ولو كانت تريد توتير الأجواء لما وافقت على اجراء المباحثات حول تبادل الوقود الذي يصل تخصيبه الى ٢٠% على الرغم من أنها أثبتت قدرتها على انتاج وقود نووي يصل تخصيبه الى ٢٠%.