عائلة الإمام موسي الصدر تطالب بدعم البابا فرنسیس لمتابعة ملف إختطافه
كلمة عائلة الإمام السید موسي الصدر فی مقام الكرسی الرسولی البابا فرنسیس
تنا
أجرت شقیقة الإمام موسي الصدر مساء الیوم الجمعة لقاء مع زعیم الكاثولیك فی العالم البابا فرنسیس، وقدمت له رسالة تطلعت خلالها لدعمه متابعة ملف إختطاف الإمام موسي الصدر.
وأجری هذا اللقاء بالتزامن مع مرور 40 عاما علي إختطاف الإمام موسي الصدر.
شارک :
وفی ما یلی یأتی نص الرسالة:-
بسم الله الرحمن الرحیم
كلمة عائلة الإمام السید موسي الصدر
فی مقام الكرسی الرسولی البابا فرنسیس
الفاتیكان | 15 شباط 2019
'اجتمعنا من أجل الإنسان ... الذی كانت من أجله الأدیان'
عظة الصیام للإمام السید موسي الصدر
كنیسة الآباء الكبوشیین فی بیروت، 18 شباط 1975
قداسة البابا،
فی 21 حزیران عام 1963 شهد هذا الصرح المقدس حدثَا أقلّ ما یوصف به أنه استثنائی - أول عالم دین مسلم یحظي بشرف حضور مراسم تتویج قداسة البابا بولس السادس. لماذا اختیار الإمام الصدر دون غیره؟
سؤال یُخلّف وراءه ألف سؤال مثله، ولعلّ بعضًا من الإجابة یكمن فی هذه الرؤیة البابویة كأنها قراءة للمستقبل حین توسمت فی شخصیة الإمام السید موسي الصدر القدرة على أن یكون من رجالات الله فی خدمة الإنسان فی لبنان.
والواقع أن هذه الرؤیة لم تخطئ أبدًا، ففی 18 شباط 1975، وبمناسبة الصوم الكبیر، كان اللبنانیون على موعد مع مشهد مهیب: إمام فی كنیسة فی لبنان وعلي مذبحها مصلٍّ وواعظ. صلاة الإنسان مع نفسه، وصلاة الإنسان مع الله؛ فی كنیسة الآباء الكبوشیین وبمناسبة الصوم الكبیر، تكلّم الإمام الصدر عن الأدیان ووحدتها، وعن الإیمان، وعن الإنسان - أمانة الله علي الأرض - الذی یجب أن یكون الاجتماع دائمًا من أجله. كانت تلك لحظة إنسانیة إستثنائیة أغنتْ التجربة اللبنانیة فی التعایش، وأثبتت أن لبنان متمیز بتجربته الذی یجب ان تكون نموذجا للعالم یقتدي بها كقیمة إنسانیة حضاریة. كان موقفًا من سلسلة مواقف تسم سیرة الرجل ومسیرته.
شرف كبیر عظیم جدا لنا، كعائلة الإمام الصدر، أن یتكرّم قداستكم بمنحنا هذه الفرصة العظیمة لعرض قضیتنا قضیة الإمام الصدر الذی نذر نفسه لنصرة الضعفاء وضحّي بحرّیته قربانًا لكرامة الإنسان فی كلّ مكان.
ولعلّه توفیق ربّانی أن نجتمع بكم ظهیرة یوم جمعة أی علي مسافة دقائق من صلاة الجمعة وهی من أقدس الشعائر عند المسلمین؛ كما نحن علي مسافة أیام من الصوم الكبیر للمسیحیین الذی ما إن ینتهی حتي یبدأ صوم شهر رمضان عند المسلمین. أیضًا لم تمضِ سوي أیام علي لقائكم التاریخی مع شیخ الأزهر .... وإعلانكما عن وثیقة الأخوة الإنسانیة من أجل السلام العالمی والعیش المشترك.
فی العاشر من أیار 1997، زار قداسة البابا یوحنا بولس الثانی لبنان، وأعلن فی الإرشاد الرسولی 'رجاء جدید للبنان' بأن لبنان هو أكثر من وطن، إنّه رسالة. وهذا ما كان الإمام موسى الصدر یؤكد علیه بقوله 'إن رسالة اللبنانیین فی التعایش، ولبنان أمانة الله'.
وفی مطلع شباط 2019، أی منذ أیام فقط، یقرّر الحبر الأعظم أن یبعث برسالته فی المحبّة والسلام والأخوة من شبه الجزیرة العربیّة؛ من ضفاف الأرض التی سعى منها الرسل والأنبیاء مع بزوغ التاریخ، ضفاف الأرض التی یتعذّب أهلها وتتشلّع مجتمعاتها مع بدایة القرن الـ 21. بین هذا وذاك سجلّ زاخر بالإنجازات والإخفاقات، وهو ما تطرّقت إلیه وثیقة الأخوة الإنسانیة بشمولیة وشجاعة.
هو لم یُتحْ للإمام الصدر له أن یكون حاضرًا فی أحداث السنوات الأربعین المنصرمة بفعل جریمة تغییبه إخفائه القسری. لكنّ أفكاره الاجتماعیة ومنظومة القیم التی دعا إلى إرسائها فی المجتمع ما تزال منارات مضیئة فی ظلمات الأصولیّات التكفیریة التی تعیث فسادًا وإجرامًا فی منطقة الشرق الأوسط والعالم. وجهوده لإعادة الاعتبار إلي الإنسان وكرامته وحقوقه تستحق التمحیص فی مجتمعات الشرق، مهبط الوحی والرسالات السماویة ومرتع الرسل والأنبیاء. وفی لبنان هذا البلد الحاضن لمختلف الأدیان، والواحة النموذجیة لتعایش المذاهب الدینیة، كان الإمام الصدر دائمًا ما یستعین بإخوانه فی الدین لشدّ أزره فی حمایة الوطن من العنف، فیقول:
'أما مواقف قداسة البابا، فكم مرة ترجمتها صلواته العمیقة، من أجل لبنان، وكم مرة عبّرت عنها نداءاته الحارة المتقابلة بصلوات ومناشدات كبار علماء المسلمین. هذه الفرص النادرة، وهذه الطاقات المتوافرة المتوجة بعنایة الله العظیم الذی وعدنا بنصره، إن نصرنا عبده الإنسان، المواطن المحروم. هذه كلها، ألیست جبهة ثابتة الدعائم، ضاربة الجذور، واصلة الماضی بالمستقبل مقربة الأرض من عرش السماء؟'
نقول، لو كان حاضرًا معنا الیوم، لكان توأمًا لكلّ صوت یُرفع فی سبیل خدمة الإنسان، مثل قداستكم.
نودّ التركیز أمام قداستكم علي قضیة أساسیة واحدة من القضایا التی شغلت الامام الصدر ولكنها متشعبة الطروحات.
لعلّ أفظع نكبات الشرق فی العقود الأخیرة هی خسارته لمسیحییه. هجرتهم القسریّة من العراق وسوریا، والنزف المزمن فی بقیّة دول المنطقة. ولعلّه كان الهمّ الأكبر الذی أرّق الإمام الصدر طوال سنوات نضاله.
وكان قد قرأ هویة لبنان الثقافیة والاجتماعیة والتاریخیة، فخرج بخلاصة قیّمة هی أن لبنان وارث المسیح وحاضن تراث القرآن الكریم ووطن التعایش التاریخی بین أبنائه وأدیانهم وبلد التعاطف بین المسلمین والمسیحیین.
ذكّر الإمام الصدر بأصالة الوجود المسیحی فی لبنان والشرق، كما بیّن دورهم التاریخی الحضاری. هو یقول: 'ألیس بفضلهم سمّی لبنان نافذة الحضارة المشرقیّة-المغربیّة؟ ألم یرحلوا إلى الغرب بأعمق ما فی روحانیة الشرق، ویقفلوا إلى الشرق بأجدي ما فی تجارب الغرب؟'
والیوم، هل من باب للرجاء؟ هجرة مسیحیی الشرق نقمة علیه، فهل تكون نعمة للحضارة البشریة؟ نتحدث عن ملایین المسیحیین المشرقیین المنتشرین عبر العالم، أی نتحدث عن ملایین الرسل المُحمّلین بمضامین ثقافیة وتواصلیة وإبداعیة یختزنون إرث الشرق وثقافته، وهم اجتازوا الحاجز الثقافی مع الغرب، تمامًا كما یسهل إعفاؤهم من الوصمة الفحص التی تسِمُ -الآن- كلّ مشرقی مسلم. وهذه المؤهلات تلقی علي عاتقهم المهمّة النبیلة فی إعادة سكان الأرض إلي رشدهم.
كی یتحوّل هذا الحلم إلى حقیقة، یحتاج إلى البیئة المؤاتیة فی الشرق كما فی الغرب. وقد وجدنا المفردات الأساسیة لهذه البیئة فی وثیقة 'الأخوة الإنسانیة من أجل السلام العالمی والعیش المشترك'، والله ندعو أن یُكتب لها النجاح.
قداستكم،
الوفد الزائر لمقامكم یتشكّل من أسرة الإمام الصدر وترأسه شقیقته السیدة رباب الصدر التی نذرت حیاتها للنضال فی سبیل ما آمن به الإمام المغیّب: نصرة المتعبین والمحرومین، رعایة الیتیمات، مداواة المرضي، تمكین المرأة، التعلیم للجمیع، نشر رسالة التسامح، حفظ لبنان الرسالة، والدفاع عن قیم التسامح والسلام والحریة والعدالة.
فی 25 آب 1978، لبّي الإمام الصدر وأخواه رفیقا دربه الشیخ محمد یعقوب والأستاذ عباس بدر الدین دعوة رسمیة من لیبیا، وانقطع الاتصال بهم فی 31 آب 1978 بعد لقائهم معمر القذافی. هذا الانقطاع التعسفی لمسیرة الرجل ما كان لیحدث لولا معتقداته ومسیرته ونشاطه السلمی. رؤیته للإنسان وعلاقته بالله، إیمانه بأخیه فی الدین والوطن، رسالته فی الحیاة التی أودت بحرّیته وحریّة أخویه.
لقد جزمت جمیع التحقیقات الرسمیة اللبنانیة والإیطالیة، والقرارات القضائیة الإیطالیة التی صدرت فی الأعوام 1979، 1982 و2015 بعدم خروجهم من لیبیا، كما اعترف بذلك القذافی فی خطاب علنی فی العام 2002، وثمّ أكّدت السلطات اللیبیة المتعاقبة ذلك، وآخرها فی مذكرة تفاهم رسمیة لبنانیة-لیبیة فی العام 2014، ولكنهم لم یُحركوا ساكنًا لتنفیذ المذكرة ولا الوعود ولا حتي مساعدتنا فی الوصول إلي الإمام وأخویه وتحریرهم.
من قرّر إخفاء الإمام الصدر من المشهد هم حفنة مستبدّین. عاقبوه على احترامه لحق الاختلاف ونشاطه الدؤوب لصون كرامة الإنسان وحقه فی التمایز والتواصل. ومن یستطیع إعادة الإمام الصدر إلى المشهد هم المناضلون فی سبیل الحریّة والكرامة والعدل. إن نضالنا فی متابعة قضیة إخفائهم القسری وحتي تحریرهم هی من صمیم إیماننا وواجبنا الإنسانی والدینی. ومن هنا، من الصرح الذی استقبله منذ 56 عامًا جئناكم طالبین دعائكم ودعمكم لقضیة تحریر الإمام الصدر وأخویه، وإننا لعلى ثقة إنما تدعمون بذلك قضایا الحق والعدالة والإنسان التی عهدناكم تنصرونها.