الشيخ مرتضى الباشا
منذ نكسة حزيران عام ١٩٦٧، وهي حرب ستة أيام، منيت فيه الجيوش العربية بالهزيمة النكراء، وتوسعت رقعة إسرائيل أضعافاً مضاعفاً، والجيوش العربية لم تدخل أي حرب خارجية تذكر[١] . حتى في حرب تحرير الكويت، لم تستطع الجيوش العربية كلها أن تقف أمام( صدام) حتى استعانت بقوات أمريكية ومتعددة الجنسية.
لذا فالأجيال العربية المعاصرة لا تعلم أن هناك جيوش عربية لدحر الأعداء، لأنه لو كانت هناك جيوش لما وقفت مكتوفة الأيدي وهي تتفرج على المجازر الإسرائيلية في كل يوم، لا سيما مجزرة جنين، وحصار غزة، ومجزرة قانا، وحرب تموز، وغيرها وغيرها.
كل ذلك وغيره لم يحرك غيرة الجيوش العربية ولا شهامتهم وعروبتهم وإسلامهم وإسرائيل تمطر الناس بوابل وشتى أصناف القنابل والصواريخ والقصف الجوي والحصار الاقتصادي وغيرها، وتمارس مختلف أنواع القمع والتعذيب بحق الإنسانية والفلسطينيين وقبلة المسلمين الأولى «القدس».
وقديماً قال الشاعر مظفر نوّاب:
القدس عروس عروبتكم فلماذا أدخلتم كل زناة الليل حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم، وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض!!!
أما آن لهذه الجيوش أن تخجل حيث عجزت بأجمعها عن القيام بدور صغير في هزيمة إسرائيل؟! أما آن لهذه الجيوش أن تحاول استرداد هيبتها ومكانتها في أعين الشعوب؟!
لا شك أن الجيوش العربية قد أضاعت البوصلة، تماماً كما حدث مع بطل العروبة حامي البوابة الشرقية صدّام حسين، فالعرب ما زالت تذكر بطل العروبة وهو يرفع شعار الحرب ضد إسرائيل، فسلك طريق احتلال الكويت، وها هو التاريخ يعيد نفسه، فالجيوش العربية أرادت تحرير القدس فذهبت الی البحرين!!
ولو أنها ذهبت لنصرة الشعب الليبي لكان أحرى، ولكن الطريق إلى ليبيا يمر باليمن!!
إن هذه الأنظمة ما زالت تمارس النفاق المفضوح، فانظر إلى بيان مجلس الجامعة العربية، لتعلم التناقض الكبير بين الموقف الإعلامي لهذه الأنظمة وبين الموقف الميداني:
<المستجدات الخطيرة التي تشهدها ليبيا>
إن مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، بعد التداول في المستجدات الخطيرة التي تشهدها العديد من المدن الليبية والعاصمة طرابلس وما نتج عنها من جرائم وأعمال عنف وانتهاكات جسيمة بحق المدنيين والتظاهرات الشعبية السلمية، وإذ يأخذ علمًا بالقرار رقم ١٩٧٠ الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ ٢٦/ ٢ / ٢٠١١ وبالقرار الصادر عن مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة بتاريخ ٢٥ / ٢ / ٢٠١١ وإذ يؤكد على ما جاء في بيانه رقم «١٣٦» الصادر بتاريخ ٢٢ / ٢ / ٢٠١١
يقرر:
١ - التنديد بالجرائم المرتكبة ضد التظاهرات والاحتجاجات الشعبية السلمية الجارية في العديد من المدن الليبية والعاصمة طرابلس من جانب السلطات الليبية، والتعبير عن استنكاره الشديد لأعمال العنف ضد المدنيين والتي لا يمكن قبولها أو تبريرها، وبصفة خاصة، تجنيد مرتزقة أجانب واستخدام الرصاص الحي والأسلحة الثقيلة وغيرها في مواجهة المتظاهرين، والتي تشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
٢ - الدعوة مجددًا إلى الوقف الفوري لأعمال العنف بكافة أشكاله والاحتكام إلى الحوار الوطني، والاستجابة إلى المطالب المشروعة للشعب الليبي، واحترام حقه في حرية التعبير عن الرأي، وذلك حقنًا للدماء وحفاظًا على وحدة الأراضي الليبية والسلم الأهلي، وبما يضمن سلامة وأمن المواطنين الليبيين.
٣ - مطالبة السلطات الليبية برفع الحظر المفروض على وسائل الإعلام وكذلك فتح وسائل الاتصالات وشبكات الهاتف، وتأمين وصول المساعدات والإغاثة الطبية العاجلة للجرحى والمصابين.
4 - الرفض القاطع لكافة أشكال التدخل الأجنبي في ليبيا، والتأكيد على الالتزام الكامل بالمحافظة على الوحدة الوطنية للشعب الليبي وعلى سيادته ووحدة وسلامة أراضيه.
٦ - توجيه تحية إكبار وإجلال لشهداء التظاهرات والاحتجاجات الشعبية السلمية الليبية والتعبير عن أبلغ مشاعر الأسى والأسف لسقوط مئات الضحايا الأبرياء وآلاف الجرحى والمصابين، إضافة إلى ما وقع من خسائر فادحة في المنشآت والممتلكات العامة والخاصة........»[٢] .
لكن جميع ما ذكر في هذا البيان يبقى حبراً على ورق في حق ليبيا وشعبها، فضلاً عن تطبيقه في حق البحرين وشعبها. فالمظاهرات السلمية حرام شرعاً، ولا مطالب مشروعة، ولا شهداء ولا أبرياء وضحايا، ولا حرية في التعبير عن الرأي، ولا حرية لوسائل الإعلام، ولا يسمح بالمساعدات الإنسانية وإسعاف الجرحى.
كل هذا ممنوع ليس في البحرين فحسب، بل حتى بقية البلدان العربية، فالمظاهرات السلمية تقابل بالرصاص الحيّ، والمصفحّات وقوات الشغب والطائرات المروحية، كل ذلك عناداً ورفضاً حتى للإفراج عن سجناء أبرياء بلا تهمة ولا محاكمة، علماً أن اعتقالهم تجاوز ستة عشر سنة.
هل تعلم لماذا تقوم تلك الأنظمة بالمناصحة مع «الإرهابيين والفئة الضالة» والإفراج عنهم سريعاً وإعطائهم وظائف عمل وبيوت سكن وأموال، ولكنها ترفض الإفراج عن أبرياء تجاوز اعتقالهم ستة عشر سنة؟ لأن الإفراج عن هؤلاء الأبرياء طائفية، ومناصحة الإرهابيين رحمة ورأفة.
والواقع أن نفاق هذه الأنظمة أصبح أوضح من الشمس في رائعة النهار، إذ قبل سقوط فرعون مصر كانوا يصرحون بدعمهم لفرعون بكل طاقتهم وإمكانياتهم ويطلبون من أمريكا الوقوف مع فرعون. ولكن بعد سقوط فرعون فإذا بهم يعبّرون عن احترامهم لاختيار الشعب وحريته!!!
ويبقى سؤال يحيّر بعض الناس، هل أن النظام البحريني بما فيه من جهاز أمني وعسكري ومخابرات وشرطة عجز عن الوقوف أمام المتظاهرين حتى استعان بجيوش عربية؟
أعتقد أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن بصور مختلفة، فهل تعلم لماذا عقدت قريش اجتماعاً طارئاً في دار الندوة؟
يقول ابن كثير السلفي في كتابه «البداية والنهاية»: «قال: لما اجتمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله (ص)غدوا في اليوم الذي اتعدوا له وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة، فاعترضهم إبليس لعنه الله في صورة شيخ جليل عليه بتلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا: من الشيخ؟
قال: شيخ من أهل نجد، سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم، ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأياً ونصحاً.
قالوا: أجل فادخل، فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش عتبة وشيبة [ابنا ربيعة] وأبو سفيان وطعيمة بن عدي وجبير بن مطعم بن عدي، والحارث بن عامر بن نوفل، والنضر بن الحارث وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام وأبو جهل بن هشام ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأمية بن خلف ومن كان منهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش، فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم، وإننا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأياً، قال فتشاوروا ثم قال قائل منهم - قيل إنه أبو البختري بن هشام - احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه باباً ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيراً والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم.
فقال الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب هذا الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي.
فتشاوروا ثم قال قائل منهم: نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا فإذا خرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع، إذا غاب عنا وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت.
قال الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به؟ والله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على حي من العرب، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم، ثم يفعل بكم ما أراد، أديروا فيه رأياً غير هذا.
فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد.
قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟
قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شاباً جليداً نسيباً وسيطاً فينا ثم نعطي كل فتى منهم سيفاً صارماً، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعها، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً. فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم.
قال يقول الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل هذا الرأي ولا رأي غيره فتفرق القوم على ذلك، وهم مجمعون له».
قال الله تعالى ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾[٣]