نضع بين أيديكم مقالاً تحليليّاً لتصريح الإمام الخامنئي حول زوال الكيان الصهيوني في غضون ٢٥ عاماً وردود الفعل التي تعاقبت إثر إعلان قائد الثورة الإسلامية هذا الأمر والآلية التي تتبعها الجمهورية الإسلامية من أجل تحقيق هذا الوعد.
شارک :
لن تشهدوا [أنتم الصهاينة] الأعوام ال٢٥ القادمة. لن يكون هناك بفضل وتوفيق من الله شيءٌ يُدعى الكيان الصهيوني في المنطقة". لقد كان تصريح قائد الثورة الإسلامية هذا بتاريخ ٩/٩/٢٠١٥.
كان تصريح الإمام الخامنئي ردّة فعل على ادعاءات زعماء الكيان الصهيوني القائلة بأن الاتفاق النووي سيريح بال الصهاينة من إيران إلى ما بعد ٢٥ عاماً. تلقّفت وسائل الإعلام المحليّة والأجنبيّة كلام قائد الثورة الإسلامية بمنتهى الجديّة وكان لكلام سماحته آثاراً وردود فعل متعددة، انطلاقاً من تعليق لوحة "العد العكسي لزوال إسرائيل" في ساحة فلسطين في طهران وصولاً إلى ردّة فعل نتنياهو الذي قال "لن يحدث ذلك أبداً. إسرائيل قويّة وستتعاظم قوّتها".
على كلّ حال فإنّ العديد من المحلّلين المؤيّدين والمعارضين يعتبرون أنّ القدرة الصاروخيّة للجمهورية الإسلاميّة هي الأداة الأساسيّة لتحقيق وعد الإمام الخامنئي. لكنّ "سبيل الحل الأساسي" الذي تركّز عليه الجمهورية الإسلامية في إيران لحلّ "قضيّة العالم الإسلامي الأساسيّة" والذي طرحه قائد الثورة الإسلامية في لقاءاته الأخيرة هو "مشروع السيادة الشعبيّة" الذي تم تسجيله في الأمم المتّحدة منذ عقدين من الزمن:
"مثل كل البلدان الحرة في العالم، ينبغي سؤال الشعب الفلسطيني ـ الفلسطينيين الحقيقيين ـ سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً، أولئك الفلسطينيون منهم لا الذين دخلوا فلسطين من أماكن أخرى. ينبغي الرجوع لأصوات الذين هم فلسطينيون واستفتاؤهم وهم الذين يحددون النظام الحكومي في أرض فلسطين، وهذا النظام الحكومي سوف يتخذ قراره بشأن الذين دخلوا هذه المنطقة أي الصهاينة ورؤسائهم والباقين. ليس لفلسطين حلٌ سوى هذا الحل، وهذا هو القضاء على الكيان الصهيوني الباطل الزائف الذي يتولى الأمور اليوم وزواله، وهو الأمر الذي سوف يتحقق بشكل مؤكد في المستقبل غير البعيد." (١٥ حزيران ٢٠١٨)
تلقّت بعض الوسائل الإعلامية المعادية الإدلاء بهذا التصريح على أنّه نوع من التراجع التكتيكي أمام الضغوط الأخيرة الممارسة من قبل أمريكا وأوروبا والتي تهدف إلى تضييق الحصار الاقتصادي المفروض على إيران.
لكن من وجهة نظر الإمام الخامنئي فإنّ قوّة إيران هي بمثابة مظلّة تستطيع توفير الظروف المؤاتية لمقاومة الشعب الفلسطيني وجعلها تُثمر. إنّ الأحداث الحلوة والمريرة والقريبة والبعيدة في المنطقة تُثبت أنّ "مسالمة العدو" لم تستطع في يومٍ من الأيّام أن تساند السيادة الشعبية في العالم الإسلامي؛ وإنّ العدوّ لا يتحمّل السيادة الشعبية ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
تجربة اتفاقية السلام التي عقدها ياسر عرفات والتي أدّت إلى التخلّي عن السلاح أمام إسرائيل المحتلّة ولم تتمكّن من حلّ أيّ عقدة من عقد فلسطين التي استمرّت ٧٠ عاماً. كما أنّ جبهة الاستكبار تصدّت للمناضلين المسلمين أينما بلغوا مراكز القوّة من خلال العمليّة الانتخابيّة، والنماذج على ذلك موجودة انطلاقاً مما حصل في الجزائر عام ١٩٩١ وصولاً إلى أحداث مصر عام ٢٠١٣.
بينما كانت للجماعات السياسيّة المدعومة من إيران تجارب مغايرة. انطلاقاً من فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية وتشكيل هذا الحزب للحكومة وصولاً إلى الفوز الأخير الذي حقّقه حزب الله في الانتخابات البرلمانية اللبنانيّة، كلّ هذه النماذج تدلّ على الحقيقة التي تقول بأنّ السيادة الشعبية الحقيقيّة لم تتحقق ولن تستمرّ إلّا في ظلّ المقاومة. بناء على هذا فإنّ سبيل حلّ الجمهورية الإسلامية لاجتثاث "الغدّة السرطانية إسرائيل" من خارطة المنطقة هو مشروع يرتكز على أساسين مرتبطان ببعضهما، المقاومة والسيادة الشعبية.
وكما أن إيران تعتبر أن فلسطين ستبقى وطناً للفلسطينيين جميعاً - بجميع طوائفهم وأديانهم - وحدودها مرسومة من النهر إلى البحر، فهي أيضاً تدعم "حق عودة" المهجّرين واللاجئين، وإيقاف بناء المستوطنات للمهاجرين اليهود وإجراء استفتاء عام لسكان فلسطين الأصليين وهذه المطالب كافّة مطابقة للمواثيق الدولية الحقوقية ومن ضروريّات إرساء الديموقراطية. لكن الجمهورية الإسلامية ومن أجل انتزاع حق الشعب الفلسطيني من الكيان الغاصب الذي ينكر كافة هذه الحقوق غير القابلة للإنكار ويعاديها، لا تجد أمامها حلّاً سوى الأخذ بزمام المبادرة ودعم الكفاح المشروع؛ لا عقد اتفاقيات السلام المُكلفة التي لم ينتج عنها سوى تجرّع شعوب المنطقة والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص كأس السّم.