خلاصة ما حصل في ذلك المكان والزمان، هو أن موكب شركة "بلاك ووتر"، فتح نيران أسلحته الخفيفة والمتوسطة بصورة مفاجئة وعشوائية على المواطنين المدنيين في الشارع لتقع مجزرة رهيبة تسببت بمقتل سبعة عشر شخصًا واصابة أكثر من عشرين آخرين بدم بارد بينهم نساء وأطفال.
شارک :
بغداد: عادل الجبوري
من لا يعرف تفاصيل وملابسات العملية الاجرامية التي ارتكبها عناصر من شركة "بلاك ووتر" الأمنية الأميركية في العاصمة العراقية بغداد خريف عام 2007، هو وحده من سيتلقى قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالعفو عن مرتكبي هذه العملية بشكل طبيعي من دون اية ردود سلبية، لكن من لديه المعرفة والاطلاع على ما حصل في ساحة النسور وسط بغداد في السادس عشر من شهر ايلول-سبتمبر، لا بد له أن يتوقف مرات وليس مرة واحدة عند ذلك القرار الارتجالي المتهور.
خلاصة ما حصل في ذلك المكان والزمان، هو أن موكب شركة "بلاك ووتر"، فتح نيران أسلحته الخفيفة والمتوسطة بصورة مفاجئة وعشوائية على المواطنين المدنيين في الشارع لتقع مجزرة رهيبة تسببت بمقتل سبعة عشر شخصًا واصابة أكثر من عشرين آخرين بدم بارد بينهم نساء وأطفال.
ولا شك أن تلك الجريمة لم تكن الأولى من نوعها ولا كانت الأخيرة، بل سبقتها وتبعتها الكثير من الجرائم التي ارتكبتها القوات الأميركية أو الشركات الأمنية العاملة تحت ادارتها واشرافها، بيد أن الجريمة بدت أكثر بشاعة واجرامًا وبلا أي سبب أو مبرر يمكن المحاججة أو التذرع به.
ونتيجة ظروف الاحتلال والهيمنة الأميركية في العراق حينذاك، فإنه لم يكن ممكنًا للقضاء العراقي محاكمة مرتكبي الجريمة، لذا تم تقديمهم الى المحاكم الأميركية، لتصدر بحق أربعة من المتهمين، هم كل من نيكولاس سلاتن، وباول سلاو، وإيفان ليبرتي، ودستن هير احكام بالسجن المؤبد، وبعد دعاوى استئناف تم تخفيف هذه الاحكام، لتنتهي الأمور عند قرار ترامب بالعفو عن المجرمين، وهذه كانت رسالة واضحة لا تحتاج الى الكثير من التحليل والتأويل والتفسير، علما ان القرار شمل مدانين اخرين كانت محكومياتهم اخف.
ومما جاء في بيان البيت الأبيض بهذا الشأن "ان قرار الإعفاء يحظى بدعم واسع من قبل الرأي العام ومسؤولين منتخبين، وان لدى المحاربين الأربعة تاريخًا طويلًا لخدمة وطنهم"!.
ومن غير الواضح، فيما اذا كان توقيت صدور قرار العفو، قد جاء مصادفة بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لاغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الشهيد ابو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس اللواء الشهيد قاسم سليماني من قبل الولايات المتحدة الاميركية، أم أنه محض مصادفة.
وفي كلتا الحالتين، فإنه من الطبيعي جدًا أن يثير ذلك القرار حفيظة واستياء وغضب الرأي العام العراقي، لا سيما ذوي الضحايا، ومن كان قريبًا الى مسرح الجريمة، ومن تابع تداعياتها اللاحقة.
والملفت أنه في الوقت الذي تتصاعد فيه الدعوات من قبل البعض بضرورة عدم استهداف السفارة الاميركية وتأمين الحماية الكاملة لها وفق احكام القانون الدولي، بأعتبارها بعثة دبلوماسية، يأتي الرئيس ترامب ليعلن العفو عن اشخاص ارتكبوا جريمة بشعة بحق عراقيين ابرياء، وكأنه يكافئهم على ما فعلوه.
وحسنًا فعلت وزارة الخارجية العراقية، حينما أدانت في بيان رسمي لها قرار العفو، قالت فيه إنها "تابعت القرار الصادر عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، وترى أن هذا القرار لم يأخذ بالاعتبار خطورة الجريمة المرتكبة ولا ينسجم مع التزام الإدارة الأمريكية المعلن بقيم حقوق الإنسان والعدالة وحكم القانون، ويتجاهل بشكل مؤسف كرامة الضحايا ومشاعر وحقوق ذويهم".
وهناك من ذوي ضحايا الجريمة من قال إنه لم يتفاجأ بما صدر عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بل إنه كان متوقعًا.
وهناك حقائق مؤلمة، ربما لم يلتفت اليها الكثيرون ولم يطلعوا عليها، لعل من بينها ان المجرمين كانوا يعيشون في ظل ظروف مريحة للغاية في العراق.