جمهورية قيس سعيد: هل تقصي الإسلاميين أم تعيدهم للمشهد؟
تنا
ان قامت جمهورية الرئيس التونسي الجديدة فهل سيبقى للإسلامين التونسيين من أثر أو وجود فعلي في المشهد المحلي التونسي؟ ليس زعيم حركة النهضة فقط من يقول إن الاستفتاء الذي ينوي سعيد تنظيمه بلا مستقبل، وانه "مناقض لجوهر الديمقراطية وللدستور" فالأصوات التي تعترض على العملية باتت في ازدياد.
شارک :
نزار بولحية
ان قامت جمهورية الرئيس التونسي الجديدة فهل سيبقى للإسلامين التونسيين من أثر أو وجود فعلي في المشهد المحلي التونسي؟ ليس زعيم حركة النهضة فقط من يقول إن الاستفتاء الذي ينوي سعيد تنظيمه بلا مستقبل، وانه "مناقض لجوهر الديمقراطية وللدستور" فالأصوات التي تعترض على العملية باتت في ازدياد.
لكن حتى من دون أحزاب وربما من دون حضور أو مشاركة أكبر منظمات المجتمع المدني، يمضي الرئيس التونسي قدما في مشروعه ولا يهمه أو يعنيه كثيرا ان أيده البعض أو خالفه الآخر. انه لا يأبه كما يبدو لا لتأييد مؤيد ولا لمعارضة معارض، ولا يظهر أدنى استعداد لان يتراجع أو يعدل من حساباته أو حتى يقدم للأحزاب والقوى التي ساندته وصفقت لما فعله قبل عشرة شهور من الآن ولو مجرد وعد أو تطمين بأنه سيكون لهم مكان ما في الجمهورية الجديدة التي ينوي إعلانها هذا الصيف. بل ان مجرد النقاش والحوار حولها قد لا يكون له بنظره قيمة أو أولوية. فعلام سيتحاور التونسيون ان كان الشعب "يريد ويعرف ما يريد"؟ لكن في حال لم يكن هناك مفر من ذلك فوفقا لأي شروط وصيغ سيتم؟ ثم مع من سيكون؟
لطالما ردد قيس سعيد انه لا يريد حوارا تقليديا بالمعنى الذي حصل سنة 2013 حين دخلت تونس في أزمة سياسية كادت تعصف بها بعد اغتيال وجهين حزبيين معروفين لتنتهي بالاتفاق بين الإسلاميين وخصومهم على ان تتولى أربع هيئات مدنية إدارة حوار سياسي بين مختلف الفرقاء أدى في النهاية إلى استقالة حكومة الترويكا وقيام حكومة تكنوقراط مهدت لانتخابات رئاسية وتشريعية. كما انه أي سعيد، ظل يقول باستمرار بأنه لا حوار مع "من نهبوا مقدرات الشعب وأرادوا الانقلاب على الدولة" وانه سيتحاور فقط مع من يصفهم بالصادقين.
لكن السؤال الكبير الذي ظل عالقا هو هل انه سيكون ممكنا إقصاء حزب بحجم وثقل حركة النهضة من أي حوار وطني حول الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها تونس؟ لقد كان ذلك الحزب أول من بادر ليلة الإعلان عما وصفت بالتدابير "الاستثنائية" للقول إن ما فعله الرئيس كان انقلابا على الدستور. ولم يكن متوقعا بعدها وبأي حال أن يحجز له مكانا على قطار قيس سعيد حتى وان لم يشر الرئيس التونسي حتى الآن وبشكل واضح ومكشوف إلى ان قادة حركة النهضة ورموزها هم المقصودون بالدرجة الأولى بمن أطلق عليهم في خطبه وتصريحاته وصف "الخونة واللصوص ومن باعوا ضمائرهم للخارج".
وفيما ظل جزء من الطبقة السياسية التونسية عاجزا عن فهم نوايا وخطط الرجل ومالذي يريد فعله بالضبط، كان خصومه الذين اتهموه بالشعبوية ورأوا في مواقفه وتصرفاته دليلا قاطعا على ولادة دكتاتور ينمو ويترعرع بسرعة قياسية بفعل حيازته منذ الصيف الماضي في أعقاب إعلانه عن تلك التدابير على كل السلط التنفيذية والتشريعية وربما حتى القضائية، ولم يساورهم الشك في انه لم يكن يملك أي تصور أو مشروع واقعي وديمقراطي وتعددي للحكم، خرج الرئيس التونسي بتأخير نسبي ليعلن عن الخطوات التي ينوي القيام بها والتي من المفترض ان تتوج في أواخر العام الجاري بإجراء انتخابات تشريعية وفقا لدستور جديد.
موعد الاستفتاء
غير انه ليس من الواضح وقبل أقل من شهرين من الخامس والعشرين من تموز/يوليو وهو التاريخ الذي حدده في خطاب حماسي ألقاه العام الماضي في بلدة سيدي بوزيد التي كانت معقل الثورة التونسية، موعدا للاستفتاء على ما اعتبره جمهورية تونسية جديدة ان قطار المرحلة الجديدة التي بشر بها قد وضع تماما على السكة. فقد تلقى المشروع الذي نشر السبت قبل الماضي في الجريدة الرسمية على شكل مرسوم وقعه الرئيس بإنشاء "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" والتي ستتولى "تقديم اقتراح يتعلق بإعداد مشروع دستور لجمهورية جديدة يقدم إلى رئيس الجمهورية" مثلما جاءت في نص المرسوم ضربتان قاصمتان في وقت واحد وذلك من طرفين أساسيين دعيا للمشاركة فيه وهما الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر المنظمات النقابية والاجتماعية في البلاد، وعمداء كليات الحقوق الذين كان يفترض ان يكونوا أعضاء في اللجنتين الاستشارية القانونية ولجنة الحوار الوطني واللتين نص عليهما المرسوم الرئاسي.
ففي أعقاب اجتماعها الإثنين الماضي أقرت الهيئة الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل أن المرسوم 30 المتعلق بإرساء تلك الهيئة الاستشارية "غير منبثق عن تشاور أو اتفاق مسبق ولا يرقى إلى التطلعات الوطنية" وجددت رفضها "لأي حوار شكلي متأخر متعجل تحدد فيه الأدوار من جانب واحد وتفرض فرضا ويقصي القوى المدنية والسياسية الوطنية فضلا على انه حوار استشاري لا يمكن ان يفضي إلى اتفاقات جدية ويراد منه تزكية نتائج معدة سلفا يتم إسقاطها بشكل فردي وفرضها على طريقة المرور بقوة وفرض الأمر الواقع" معتبرة ان "الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية بعد عشرة أشهر من الانتظار والرفض والتردد وبالطريقة المضمنة في المرسوم غير قادر على إخراج البلاد من أزمتها" حسب ما جاء في نص بيانها. كما ان عمداء كليات الحقوق أصدروا يوما بعد ذلك بيانا آخر أعربوا فيه عن رفضهم أن يشاركوا في اللجان الاستشارية القانونية التي أعلنها سعيد لصياغة دستور جديد لانهم "يتمسكون بحياد المؤسسات الجماعية وضرورة النأي بها عن الشأن السياسي".
ولكن الرئيس التونسي لم يكترث لذلك. فقد أمضى الأربعاء الماضي على أمر يدعو فيه الناخبين إلى الاستفتاء على الدستور الجديد الذي يفترض ان تعده تلك اللجان الاستشارية وكذلك على أمر آخر يحدد تركيبة اللجنتين الاستشاريتين اللتين ستتوليان إعداده. والتحدي الذي يواجهه الرئيس هو هل انه سينجح في تمرير الدستور الجديد وإعلان جمهوريته الجديدة في تموز/يوليو المقبل في ظل توسع دائرة الرفض لما يعتبره جزء كبير من الطبقة السياسية التونسية إقصاء متعمدا لهم وانفرادا غير مقبول بالرأي؟
معادلة الشارع
لاشك أن ذلك وفي الحالتين يعني الكثير ليس له فقط بل وأيضا وبدرجة كبرى لحركة النهضة. فالحركة التي عارضت باكرا ما اعتبرته انقلابا لم تحاول الذهاب إلى صدام حتمي مع سعيد. إذ ان رئيسها ورئيس البرلمان لم يتورع عن ان يكتب مثلا وبعد أسبوع فقط من الخامس والعشرين من تموز/يوليو الماضي على صفحة الحزب على فيسبوك انه "يجب علينا تحويل إجراءات الرئيس إلى فرصة للإصلاح ويجب ان تكون مرحلة من مراحل الانتقال الديمقراطي". ولكن التطورات التي حصلت في الشهور التي تلت ذلك قضت على أي أمل في محاولة لراب الصدع بينها وبين قصر قرطاج.
ومع الأيام بات من الواضح ان الخطة التي اختارتها "النهضة" فيما اعتبرته نضالا سلميا ومدنيا لإسقاط من صارت تعتبره رئيسا خارجا عن الشرعية، قد قامت على محورين إثنين: داخلي وخارجي. وفيما سعت في الأول إلى تأسيس جبهة سياسية سعت لان تضم أوسع قدر من الطيف الحزبي والحقوقي المناوئ لإجراءات سعيد، عملت في الثاني على حشد أكبر قدر من الدعم الدولي لفكرة استعادة الشرعية وعودة المؤسسات الدستورية للعمل في تونس.
غير ان العائق الأكبر الذي ظل يقف أمام حركة النهضة من أجل ان تكسب واحدا من أهم أطراف المعادلة وهو الشارع، هو توسع الهوة بينها وبينه. ومع ان الاعتقاد السائد لدى النهضويين هو ان الوقت يخدمهم وانه كلما تأخر قطار قيس سعيد في الوصول إلى محطته كلما ازداد ضجر التونسيين وسخطهم على قائد الرحلة فإنه ليس مؤكدا بعد ان كانوا هم من سيجني ثمرة ما سعوا مع آخرين لتحقيقه أم ان هناك طرفا آخر سينقض على تلك الثمرة ويلتقطها قبلهم؟ لكن الثابت هو ان التطورات التي ستعرفها تونس في الأيام المقبلة ستضع الجميع أمام أكثر من سيناريو.