إن أميركا تواجه حالياً فشلاً ذريعاً في تنفيذ سياسة "الفوضى الخلاقة" في المنطقة، فبخلاف كل تصورات أصحاب القرار في البيت الأبيض، فالشعوب الإسلامية هي التي تقترب أكثر فأكثر من أهدافها وتطلعاتها، بينما يزداد بغض المسلمين وكرههم لأميركا يوماً بعد يوم.
شارک :
كلما مر بنا الزمن ومرت الأيام، ظهرت لنا آفاق وأبعاد جديدة عن حركة الصحوة الإسلامية المعاصرة، وانكشفت لنا أكثر فأكثر مفاهيمها الرائعة وتجلياتها المتألقة، رغم كل المحاولات المستميتة التي تبذلها الآلة الدعائية للغرب المستكبر وأذنابهم في العالم العربي لتشويه ملامح هذه الحركة العظيمة، ولكنهم شاؤوا وشاء رب العزة، فجاءت الأحداث والتطورات الأخيرة لتكشف عن الإرادة الحقيقية للشعوب، لتثبت للعالم أجمع عزم جماهير الأمة الراسخ في العودة إلى هويتهم وحضارتهم الإسلامية الأصيلة واستعادة دورهم الرسالي العظيم.
المظاهرات المليونية التي خرج بها الشعب المصري في الآونة الأخيرة وتأكيدهم على حاكمية الإسلام في هذا البلد الكبير، ليست إلا تعبير عن هدف وإرادة كافة الشعوب العربية الثائرة ضد الظلم والطغيان والتبعية للإستكبار، فالشعب المصري بات يعرف تماماً أهداف الإستكبار ومخططاته الماكرة، فبعد مرور شهور عديدة على تحقيق إرادته في إسقاط النظام، ها هو الآن يريد تحقيق مبادئ الثورة الحقيقية والتأكيد على مطالبها الأساسية في حاكمية الإسلام، الأمر الذي أربك الصهاينة وأثار قلقهم حيث لجأوا إلى حماتهم في الغرب وحلفائهم في المنطقة داعين إياهم للعب دور أكبر على ساحة الأحداث من خلال حث الولايات المتحدة الأميركية على تمويل الدول المنتفضة ودعم بعض الأحزاب والمنظمات المدنية ودعوة بعض الأطراف العربية إلى رفع مستوى دعم وتمويل العناصر المتطرفة التابعة لها، ومن جهة أخرى إثارة الشعارات المنحرفة بواسطة أزلام وبقايا نظام حسني مبارك المخلوع وهم ليسوا بالقليل، وبالتالي خلخلة الأوضاع في مصر والإستفادة من عنصر الزمان من أجل إرهاق الشعب وإدخال اليأس والإحباط في نفوس المصريين.
ولحسن الحظ فقد فشلت هذه السياسة والتي كانت تعد الورقة الرابحة للغربيين وعلى رأسهم أميركا، وبالعكس فإن عنصر الزمان قد أكسب الجماهير العربية في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا و... المزيد من التجارب والخبرات ومنحهم زخماً متنامياً وثقة عالية في حركتهم ونضالهم وإصرارهم على تحقيق مطالبهم بصورة كاملة، وكلما شعروا أن هناك أيادي خفية تحاول حرف نهضتهم عن مسارها الصحيح، أعلنوا مطالبهم بكل صراحة ووضوح وأكدوا عليها، ومن ذلك جر حسني مبارك إلى قفص الإتهام وإظهار فرعون مصر بمظهر الذليل المستكين بمرأى من العالم، هذا الديكتاتور الذي حكم مصر على مدى ثلاثين عاماً وكان من أقرب حلفاء الكيان الصهيوني والشخص المعتمد والموثوق به بالنسبة لأميركا التي كانت تقدم له كل الدعم والإسناد طوال تلك الفترة، وبالمقابل لم يدخر مبارك وسعاً في سبيل الإحتفاظ بكرسي الحكم والحفاظ على مصالح الغرب والأميركيين في الشرق الأوسط، ولم يرتدع عن خيانة الشعب المصري المسلم والتآمر ضد قضايا الأمة الإسلامية، ومنها على سبيل المثال توجيه الإتهامات الباطلة ضد حزب الله في حرب الـ ۳۳ يوماً، ومحاصرة الشعب الفلسطيني المظلوم في غزة إبان حرب الـ ۲۲ يوماً، وإغلاق الأنفاق الأرضية والتي كانت المنفذ والمعبر الوحيد لإيصال الغذاء والدواء لشعب غزة، وإغلاق الفضائيات المناهضة لأميركا والكيان الصهيوني، وتقديم الدعم المادي والمعنوي للكيان الصهيوني كإمداد هذا الكيان بالغاز الطبيعي، وإخماد الحركات التحررية للشعب المصري المنادية بدعم القضية الفلسطينية، ومعاداة الثورة الإسلامية الإيرانية وإجهاض كافة مشاريع التقريب بين الشعبين، وتقديم الدعم المتواصل لنظام صدام البائد وإرسال قوات مصرية إلى العراق، والقبض على العناصر الثورية الإسلامية والقومية والزج بهم في السجون، والتلاعب بآراء الشعب في الإنتخابات الأخيرة لتوحيد الأصوات في البرلمان والإعداد لاستخلاف ابنه "جمال" و...
أجل، هذه نماذج من جرائم الرئيس المخلوع حسني مبارك، عدا ما قام به هو وعائلته والحاشية التي من حوله من نهب واختلاس لثروات وخيرات الشعب المصري بمليارات الدولارات، واليوم هناك أيادي خفية خلف الكواليس تعمل على إنهاء محاكمة هذا الديكتاتور، فإن ما تم بثه على شاشات التلفزة لمجريات هذه المحكمة قد أدخل الذعر والهلع في قلوب سائر الحكام والشيوخ العرب، وأصبح مجرد تصور المثول في قفص الإتهام كابوساً يؤرق مضاجع هؤلاء الحكام، فمارسوا الضغوط على المجلس العسكري الحاكم في مصر لإيقاف المحاكمة بصورة علنية، وراحوا يسعون لإخماد صوت الشعب المصري بكل الوسائل والتهديدات الإقتصادية والعسكرية والإعلامية، ولكن هيهات هيهات، فالشعب المصري أوعى من أن تنطلي عليه ألاعيب ومؤامرات المستكبرين ومكائد العملاء والإنهزاميين.
من جهة أخرى فإن الشعب اليمني أصبح يدرك تماماً وجود أيادي غربية وعربية تحاول إجهاض ثورته وبث الفرقة في صفوف الثوار، وهذا الشعب يصر بقوة على إجراء إنتخابات حرة وتنحي علي عبد الله صالح عن سدة الرئاسة، ووقف التدخلات التي تقوم بها أميركا وبعض الدول العربية في شؤون هذا البلد، وكلما زادت الضغوط على الشعب اليمني، كلما ازدادت عزيمته وثباته وإصراره على تحقيق مطالبه واقترب أكثر فأكثر من تحقيق النصر الحاسم.
أما على صعيد سيناريو النفط في ليبيا باعتباره يواجه أكبر التعقيدات في ساحة الأحداث، فحيث أن الغرب نفسه لا يمتلك رؤية واضحة إزاء مستقبل ليبيا، فهو بالتالي لم يتخذ بعد قراراً نهائياً بهذا الشأن، ولكن ما يجب الإشارة إليه في هذا السياق أن "الناتو" منشغل حالياً باستهداف البنى التحتية في ليبيا والعمل على تهيئة وتوفير سوق مناسبة للشركات الغربية للسنوات القادمة.
إن أميركا تواجه حالياً فشلاً ذريعاً في تنفيذ سياسة "الفوضى الخلاقة" في المنطقة، فبخلاف كل تصورات أصحاب القرار في البيت الأبيض، فالشعوب الإسلامية هي التي تقترب أكثر فأكثر من أهدافها وتطلعاتها، بينما يزداد بغض المسلمين وكرههم لأميركا بمرور الايام والسنين، فسياسة نشر الفوضى في المنطقة بهدف التخفيف من الضغوط الإقتصادية التي يواجهها الغرب عبر بيع الأسلحة والمعدات والمنتجات الغربية، هذه السياسة قد جاءت بنتائج عكسية لم تكن بحسبان الغربيين، فسقوط الأنظمة المتخاذلة قد كلفهم الكثير، وبالرغم من أنهم يقومون في الوقت الحاضر بدفع فاتورة المصاريف الباهظة من جيوب شيوخ الخليج الفارسي، إلا أن هذه الحالة لا يمكن لها أن تستمر لفترة طويلة. ومع الأخذ بالإعتبار الثورة التي أشعلها الشعب البحريني، والتدخلات السافرة لبعض أنظمة دول الخليج الفارسي، فإن تهاوي عروش الملوك والأمراء باتت ملامحه تلوح في الأفق القريب، إيذاناً بانهيار كل العملاء والمتخاذلين في المنطقة، وبشرى للمسلمين بازدهار حركة الصحوة الإسلامية.