العدو الصهيوني يستبيح سوريا بهدم البنى التحتية فيها، ويقضي على كل قواها الدفاعية، وكأنه يريدها منزوعة السلاح لا حول لها ولا قوة، إنه يستغل الظروف القائمة في هذا البلد وفي المنطقة، ليصرح بكل وقاحة عمّا يكنه من حقد تجاه العرب والمسلمين، ما عاد يخفي جرائمه بحقّ هذه الأمة، وقال أخيرًا بصراحة وبكل وقاحة: إنه هو الذي اغتال الشهيد اسماعيل هنية في طهران، وهو الذي أسقط النظام الحاكم في سوريا، وإنه سوف يتعامل مع شعب اليمن كما تعامل مع غزّة!! إلى هذه الدرجة من الصلافة ومن الاستهتار بالقيم الإنسانية والقوانين الدولية.
شارک :
في هذا الجوّ من خطاب الاذلال الذي نسمعه من العدوّ الصهيوني وحماته الامريكان والاتحاد الأوربي نسمع ونرى مواقف تجري في سياق ما يريده أعداء الأمة.. مواقف هي نفسها التي يثيرها الاعلام الصهيوأمريكي للتفرقة الطائفية والاثنية بين شعوب المنطقة.
إن المعيار الوحيد لتقويم مواقف الافراد والجماعات في عالمنا الاسلامي هو الالتزام بمحورين:-
الأول : وحدة الأمة باعتبارها ضرورة لازمة لعزّتها وكرامتها.
والثاني : تشخيص العدو الحقيقي وهو اليوم العدوّ الصهيوني وحماته العالميين والاقليميين، ومواجهته.
هذان المحوران هما القادران على أن يقيا الشعوب والدول في دائرتنا الحضارية الاسلامية من الانهيار ومن الانزلاق في مخطط أعداء الأمة.. وهو المخطط الذي بدأت خيوطه تحاك بسرعة متمثلا أحيانًا بالتطبيع وبمشروع ابراهيم، وبشنّ الغارة الوحشية على فلسطين ولبنان واليمن وأخيرًا على سوريا..
لقد أدرك المخلصون من أبناء الأمة أهمية هذين المحورين في مواقفهم، وعملوا ما وسعهم في اتجاه وحدة الأمة ومقاومة العدوّ الصهيوني.
نذكر منهم على سبيل المثال الشهيد السعيد الدكتور فتحي الشقاقي.. فتى الشام الذي كرّس حياته من أجل تحقيق آمال أمته، وقَدّم دمه على هذا الطريق. فهو قد وضع نصب عينيه المحورين المذكورين في تأسيس «حركة الجهاد الإسلامي»:-
بالنسبة للمحور الأول دوّن أفكاره في كتاب «السنة والشيعة ضجة مفتعلة وفيه يقول مستعرضًا مواقف المؤمنين الرساليين من مسألة التقريب بين السنة والشيعة، يقول : الإمام الشهيد حسن البنا... رائد الحركة الإسلامية المعاصرة واحد من الرواد الذين عاشوا فكرة التقريب بين الشيعة والسنة فكان من المساهمين في أعمال «جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية» التي ظن البعض أنها مستحيلة وظن البنا وثلة من رجال الإسلام ومشايخه العظام أنها ممكنة قريبة، واتفقوا أن يلتقي المسلمون جميعًا (سنيهم وشيعيهم) حول العقائد والأصول المتفق عليها وأن يعذر بعضهم بعضًا فيما وراء ذلك من أمور لا تكون شرطًا من شروط الإيمان ولا ركنا من أركان الدين ولا إنكارًا لما هو معلوم من الدين بالضرورة... وليس أمامنا معلومات دقيقة عن الدور الخاص الذي قام به الإمام الشهيد في هذا الشأن. ولكن أحد مفكري الإخوان المسلمين الأستاذ سالم البهنساوي ـ يقول في كتابه السنة المفترى عليها (ص 57) «منذ أن تكونت جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية والتي ساهم فيها الإمام البنا والإمام القمي والتعاون قائم بين الإخوان المسلمين والشيعة، وقد أدى ذلك إلى زيارة الإمام نواب صفوي 1373هـ/سنة 1954م للقاهرة.
ثم يقول في نفس الصفحة أيضًا : - «ولا غرو في ذلك فمناهج الجماعتين تؤدي إلى هذا التعاون»، كما أنه من المعروف أن الإمام البنا قد قابل المرجع الشيعي آية الله الكاشاني أثناء الحج عام 1367هـ/ 1948م وحدث بينهما تفاهم يشير إليه أحد شخصيات الإخوان المسلمين المهمة اليوم وأحد تلامذة الإمام الشهيد وهو الأستاذ عبد المتعال الجبري الذي ينقل في كتاب لماذا اغتيل حسن البنا ـ الطبعة الأولى دار الاعتصام ص 32 ينقل عن روبير جاكسون قوله «ولو طال عمر هذا الرجل (يقصد حسن البنا) لكان يمكن أن يتحقق الكثير لهذا البلاد خاصة لو اتفق حسن البنا وآية الله الكاشاني الزعيم الإيراني على أن يزيلا الخلاف بين الشيعة والسنة، وقد التقى الرجلان في الحجاز عام 1367هـ/ 48 ويبدو أنها تفاهما ووصلا إلى نقطة رئيسية لولا أن عوجل حسن البنا بالاغتيال» ويعلق الأستاذ الجبري قائلا «لقد صدق روبير وشمّ بحاسته السياسية جهد الإمام في التقريب بين المذاهب الإسلامية فما باله لو أدرك عن قرب دوره الضخم في هذا المجال.. مالا يتسع لذكره المقام... ومن المعروف أن صفوف الإخوان المسلمين في العراق كانت تضم الكثير من الشيعة. وعندما زار نواب صفوي سوريا وقابل الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين هناك اشتكى إليه الأخير أن بعض شباب الشيعة ينضمون إلى الحركات العلمانية والقومية فصعد نواب أحد المنابر وقال أمام حشد من الشيعة والسنة: «من أراد أن يكون جعفريًا حقيقيًا فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين».
«ولكن من هو نواب صفوي؟ إنه زعيم منظمة «فدائيان إسلام» الإسلامية الشيعية. ينقل الأستاذ محمد علي الضناوي في كتابه كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث ص 150 نقلاً عن برنارد لويس قوله: «وبالرغم من مذهبهم الشيعي فإنهم يحملون فكرة عن الوحدة الإسلامية تماثل إلى حد كبير فكرة الإخوان المصريين ولقد كانت بينهما اتصالات». وعندما يلخص الأستاذ الضناوي بعض مبادئ فدائيان إسلام يجد فيها «أولا: الإسلام نظام شامل للحياة. ثانيًا: لا طائفية بين المسلمين أي بين السنة والشيعة». ثم ينقل عن نواب قوله: «لنعمل متحدين للإسلام ولننس كل ما عدا جهادنا في سبيل عز الإسلام. ألم يأن للمسلمين أن يفهموا ويَدَعوا الانقسام إلى شيعة وسنة؟».
وبالنسبة للمحور الثاني فالحديث فيه طويل، إذ إن تأسيسه لحركة الجهاد الاسلامي وما بثه من وعي تجاه العدو الحقيقي للأمة لا يخفى على احد: -
منذ البداية كان الجهاد المسلح ضد الاحتلال الصهيوني هو المبرر الأساس لتشكل حركة الجهاد الإسلامي ونهوضها، وعلى أهمية الإسهامات الفكرية التي قدمتها الحركة والخط السياسي المختلف الذي تبنته، إلا أن الجهاد المسلح كان الرافعة الأهم لحركة «إسلامية فلسطينية نهضت لتشكل إضافة جديدة، ولتحل الإشكالية التي كانت قائمة بين وطنيين بلا إسلام، وإسلاميين بلا فلسطين» وتقوم من ثم بتطبيق شعارها الذي دعته بـ «الاستراتيجي» في رؤيتها للقضية الفلسطينية ومواجهة «الظاهرة الإسرائيلية» شعار «القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للحركة الإسلامية المعاصرة» لتجسده عملا عسكريًا ضد الاحتلال.
يذهب الشقاقي إلى أن تنظيم الخلايا المسلحة بدأ منذ صيف العام 1401هـ/1981م، وطوال الأعوام 1403، 1404، 1405هـ/1983، 1984، 1985م، وكان العمل المسلح يبدأ تدريجيًا وبطيئًا وفي سرية تامة ومراد الشقاقي هنا هو تنظيم خلايا مسلحة وتدريبها وجمع السلاح لها، هذه الخلايا التي لم تفلح التحقيقات أثناء اعتقالات «الطلائع الإسلامية» عام 1403هـ/1983م في كشفها.
في 1406هـ/الثامن من مارس/ آذار 1986م اعتقلت السلطات الإسرائيلية الدكتور الشقاقي وللمرة الثانية بتهمة علاقته بالمجموعة المسلحة التي كان قد مر أسبوعان على آخر عملية عسكرية نفذتها الحركة في ساحة فلسطين بميدان غزة في 6-4-1406هـ/ 8-12-1986م وتمثلت في هجوم بالقنابل على تجمع للجنود الصهاينة ردًا على استشهاد شاب فلسطيني (العكلوك) في نفس الساحة قبل يوم واحد.
وقد كشف اعتقال الشقاقي ورفاقه عن ثماني عمليات عسكرية نفذتها الحركة منذ العام 1404هـ/ 1984 وكان آخرها عملية ساحة فلسطين وقد حكم على الشقاقي إثر هذه الأنشطة أربع سنوات بتهمة تهريب السلاح إلى القطاع والتحريض على العنف.
وأما ما كان يخشاه الاستراتيجيون الإسرائيليون من امتزاج الوطنية الفلسطينية بالبعد الديني، فقد كان واضح التحقق من خلال البيانات الأولى للجهاد الذي كان يعطي كل مقاومة درجة من الطاعة الدينية والقداسة الإسلامية معتبرين أن «كل كلمة أو حركة أو عمل مهما كان حجمه ونوعه، يمكن أن يغيظ العدو ويؤذيه فهو عبادة لابد من تأديتها»، كما حافظت الحركة في بياناتها الأولى على وسم تعليماتها بالفتاوى الدينية، فقد أوردوا النص السابق كفتوى شرعية، كما نسبوا فتوى لمن أسموهم بـ «العلماء المجاهدين» مفادها أنه «لا يجوز قطعًا تسديد الغرامات المالية لصالح خزينة الكفار، والتي تعود رصاصًا من جديد إلى صدورنا وقلوبنا»، مؤكدين أن إرادتهم النضالية تنبع من إرادة الله وأن الإسرائيليين بذلك يحاربون الله.
وتبقى مسألة وحدة الأمة ومقاومة اعداء الأمة هي مسألة حياة أو موت لشعوب العالم الإسلامي، والله سبحانه وأنبياؤه الكرام دعوتهم إلى الحياة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية