تقاطرت الاتصالات الغربية بالدولة اللبنانية ساعية لتحذيرها من دخول حزب الله غمار الحرب إلى جانب المقاومة الفلسطينية في غزة. لم يبق مسؤول غربي كبير لم يدل برأيه في هذا الشأن؛ كلهم، إما جاؤوا إلى بيروت، وإما أدلوا بتصريحات يستحثون فيها السيد حسن نصر الله عدم توسيع حجم الاشتباكات الحاصلة بين عناصر حزب الله والجيش الصهيوني على الحدود القائمة بين لبنان وفلسطين المحتلة، وعدم تعميق مدى القصف المتبادل بين الطرفين.
شارک :
وعلى نفس المنوال، توالت التحذيرات من الدولة العبرية للحزب، وكانت مصحوبة بلغة الوعيد والتهديد، وفي هذا السياق أشار رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو إلى أن حزب الله سيخسر الكثير إذا بات طرفا في هذه الحرب، وأنه سيندم على الانغماس الكلي فيها ندما كبيرا.
توحي هذه التحذيرات الغربية أن دافعها هو الحرص على أمن واستقرار لبنان وسلامة أراضيه وشعبه، وتجنيبه كوارث الحرب التي قد تندلع بينه وبين الكيان الصهيوني، يتظاهر الخطاب الغربي الموجه للدولة اللبنانية ولحزب الله تحديدا بالرغبة في سحب الذرائع من الدولة العبرية لكي لا تهاجم لبنان، ولا تقحمه في الحرب التي تشنها على القطاع.
بالوقوف المتأني عند هذه التحذيرات، يمكن للمرء أن يتبين أن تردادها ليس حبا في لبنان ومن منطلق الحرص على أمن مواطنيه. فآخر همٍّ المؤسسة الغربية الحاكمة هو أمن لبنان وصون سيادته. إن الوازع الأساسي من وراء هذه الحركة الغربية الدائبة صوب لبنان، هو في الحقيقة، الخوف على الكيان الصهيوني من الانخراط الكامل لحزب الله في هذه الحرب، مع الخسائر الذي قد يكبدها للعدو الصهيوني بصواريخه الدقيقة وذات القدرة التفجيرية العالية، ومع مخاطر انتشار نطاق الحرب واتخاذها بعدا إقليميا غير متحكم فيه.
لو كان الغرب متيقنا من أن في دخول حزب الله في المعركة مصلحة إسرائيلية، لما كانت تنهمر علينا كل هذه المظاهر من الحرص الغربي الزائف على لبنان التي نعاينها أمامنا. لعل الغربيين كانوا سيلتزمون الصمت، وقد يحاولون استدراج الحزب للدخول الشامل في المعركة حتى يورطوه فيها، ويتيحوا لإسرائيل الفرصة لكي تنفذ مخططها في لبنان، والقاضي بتدمير الحزب، وتجريده من سلاحه الذي بات هما كبيرا يؤرق قادتها.
إذا كان في توسيع دائرة الحرب فائدة للكيان الصهيوني، فإنه ليس في حاجة إلى معاذير، أو حجج، لتوسيع مجالها، المعاذير جاهزة، وبوفرة عند هذا الكيان. إنه على استعدادٍ لاختلاق أسباب من العدم لكي يخوض الحرب بناءً عليها، والإعلام الغربي على أهبة الاستعداد لترويج الأكاذيب المختلقة، وتسويقها بين الناس على أساس أنها حقائق كانت تستوجب قصف لبنان وضرب حزب الله. في يونيو 1982 قامت إسرائيل بشنِّ حرب على لبنان، واحتلت عاصمته بيروت، وقتلت الآلاف من أبنائه، ودمرت عمرانه ومؤسساته، والعذر الذي تحججت به إسرائيل كان محاولة اغتيال سفيرها في لندن، وراجت بعد سنوات على اندلاع هذه الحرب، تقارير إعلامية في الصحافة الإسرائيلية، تفيد بأن المخابرات الصهيونية هي التي نظمت محاولة عملية الاغتيال هذه، لكي تجعل الدولة العبرية منها ذريعة لغزو لبنان وفرض السيطرة عليه…
الحرب على حماس في غزة لن تكون إلا مقدمة للحرب التي قد يشنها الكيان الصهيوني على حزب الله، في حال ما إذا نجح جيش العدو في سحق حماس واقتلاعها من غزة، وبسط نفوذه في القطاع. بالنسبة لقادة الكيان ما فعلته فيهم حماس قد يتكرر في أي لحظة وربما بمستوى أعلى على أيدي مقاتلي حزب الله، ولذلك لن يهدأ للدولة العبرية بال، إن انتهت من حماس، بالصيغة التي تريدها، إلا إذا أعادت إنتاج نفس السيناريو في لبنان، ضد حزب الله، وبموافقة ومساندة من أمريكا ومن أوروبا.
ولاشك في أن السيد حسن نصر الله، يدرك هذه البديهية ويتصرف في ضوئها. ولذلك نجده غير مبال بكل هذا الضجيج الغربي المثار حوله، ونجده مُحصَّناً في صمته. في هذه اللحظات التي ينتظر الكيان الصهيوني والغرب، وتترقب أمريكا ومعها العالم كله تقريبا خطابا من السيد لمعرفة ما سيقرُّ عليه رأيه، يظل هو شامخا في صمته، لإدراكه أن صمته ينطوي على فصاحة بليغة تزرع الحيرة، والقلق، والتوتر، والغضب في نفوس الخصوم والأعداء، ولعل هذا يشكل جزءا من الحرب النفسية التي يشنها السيد ضدهم، بناء على خبرته الميدانية المستمدة من معاركه السابقة معهم…
________________________________________________
*صحافي وكاتب مغربي