حديث التقريب.. العلاقة بين الجمهورية الإسلامية وفلسطين جذور عميقة
تنـا - خاص
"الشهيد فتحي الشقاقي" مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بشأن هذا الارتباط : الثورة الإسلامية في إيران غيرت وجه المنطقة وأثّرت عميقًا في العالم وتركيبته ومستقبله، وأطلقت الصحوة الإسلامية التي لازالت حديث الدنيا، تؤتي ثمارها كل يوم على امتداد الوطن الإسلامي جهادًا ونضالاً وانتصارات.
شارک :
طوفان الأقصى أو "الثورة الكبرى في غزّة وفلسطين"، جسّدت أمام أنظار العالم مرة أخرى إنسانية القضية الفلسطينية؛ فقد اجتمع المسلمون بمختلف مذاهبهم، بل البشرية بمختلف أديانها ومشاربها، على صعيد الدفاع عن القضية.
ومن قبل تجسّدت رسالية القضية في مشروع الامام الخميني (رض) بشأن فلسطين، فقد اعتبرها القضية الأولى للمسلمين، واعتبر رأس حماة الكيان الصهيوني، هي أمريكا "الشيطان الأكبر"، وحذّر العالم الإسلامي مرارًا منذ ستينيات القرن الماضي بالخطر الذي يهدد العالم الإسلامي من جانب الكيان الصهيوني وحماته.
والارتباط الرسالي والإنساني بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفلسطين عميق الجذور، ونستذكر هنا ما قاله الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بشأن هذا الارتباط :
الثورة الإسلامية في إيران غيرت وجه المنطقة وأثّرت عميقًا في العالم وتركيبته ومستقبله ، وأطلقت الصحوة الإسلامية التي لازالت حديث الدنيا ، تؤتي ثمارها كل يوم على امتداد الوطن الإسلامي جهادًا ونضالاً وانتصارات.
لقد أعاد انتصار الثورة الإسلامية للمسلم في كل مكان من العالم ثقته بعقيدته ودينه، فها هو الإسلام الذي انبعث قبل أربعة عشر قرنًا من الزمن ، لا يزال قادرًا على القيام والنهوض وتحريك الجماهير ومواجهة الطواغيت وإسقاطها وتحقيق الانتصار وبناء الدولة الإسلامية، كما حرر الانتصار الكبير قلوب وعقول المسلمين من رعب الدولة الكبرى ، ذلك السيف الذي استمر مسلطًا على رقابهم لعقود، فالدول الكبرى يمكن أن تنكسر ويمكن أن تتراجع إذا تحرّرنا من التبعية لها وتملّكنا الإرادة الحرة المؤمنة والفاعلة والنشطة.
لقد جعل الإمام الخميني (رضي الله عنه) لحياة المسلمين معنى وأعطاهم الأمل بأن التغيير ليس ممكنًا وحسب بل وحتمي أيضًا، وهكذا انطلق مشروع الثورة الإسلامية على صدى نداءات وشعارات الإمام ليغطي مساحات واسعة من العالم وخاصة الوطن الإسلامي.
ولأسباب يمكن فهمها كان صدى الثورة الإسلامية في فلسطين من أوضح وأقوى الأصداء. في فلسطين يتواجد احتلال صهيوني استيطاني اقتلاعي يسعى لإبادة الشعب الفلسطيني بقتله ونفيه وطمس هويته، ويمارس لأجل ذلك أخطر وأبشع الوسائل ثقافيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا وأمنيًا واقتصاديًا، ولقد ساهم ذلك إضافة إلى التخاذل العربي والتراخي الفلسطيني الرسمي في إشاعة أجواء الإحباط واليأس داخل فلسطين . فكان حجم الانتصار الإيراني ومعناه ودلالته كبيرًا بالنسبة للفلسطينيين. إذ أصبح واضحًا أمامهم أنه بالإمكان مواجهة المعادلة الدولية الظالمة، وأنه بإمكان الشعوب أن تهزم جيشًا حديثًا وقويًا إذا تحررت إرادتها من الخوف والتبعية وأخيرًا فإن قوة الإسلام لا تقاوم.
«وهكذا جدّد الإسلام قوة اندفاعه على امتداد فلسطين وتوارت شيئًا فشيئًا اليافطات العلمانية وبدأت تبرز الشعارات الإسلامية وتتعاظم التجمعات الإسلامية في المساجد والجامعات والنقابات والجمعيات.
وكان للخصوصية التي أولتها الثورة الإسلامية إبان قيامها لفلسطين، تأثير كبير في جذب انتباه الشباب الفلسطيني نحو طهران الثائرة وإبداء أعلى درجة من التعاطف مع الثورة الإسلامية؛ وإن شكلت تلك الأيام الذروة فلم تكن البداية.
مع بداية نهضة الإمام الخميني عام 1382هـ/ 1963م في إيران كانت فلسطين تأتي في قلب الخطاب الديني والسياسي للإمام. ورغم البعد الجغرافي إلا أنه تعامل معها كأنها قضية داخلية أو قضية حدودية. فطوال سنوات الصراع مع الشاه كان الإمام يربط بينه وبين «إسرائيل» وكأنهما شيئان متلاصقان ووجهان لعملة واحدة، كل واحد منهما يغطي الآخر ويمده بسبب من أسباب الحياة. وعندما كان الشاه يشترط عدم مهاجمة «إسرائيل» كان الإمام يرد بسخرية عميقة: «لماذا وهل كانت أمه يهودية؟!». وفي منفاه 1383هـ/1964م كان يقول: «إن إسرائيل هي في حالة حرب مع الدول الإسلامية.. لقد حذرت من هذا الخطر مرارًا» ويضيف في مكان آخر «وأنا أعلن لجميع الدول الإسلامية وإلى كافة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بأن المسلمين الشيعة هم أعداء لإسرائيل وعملائها، وبريئون من الدول التي تعترف بإسرائيل.
وعندما اشتعلت حرب حزيران (يونيو) عام 1967 بالعدوان الصهيوني على الدول العربية المجاورة وما تبقى من فلسطين بما في ذلك بيت المقدس، كان الإمام الخميني حاضرًا بمواقفه السياسية الشجاعة وفتواه الشرعية القوية التي أدانت الغزو ودعت إلى وحدة المسلمين وحرمت التعامل مع «إسرائيل» وحرضت على القتال. ومنذ ذلك التاريخ لم ينعدم اتصال الإمام بالثورة الفلسطينية، وتعتبر فتواه بجواز صرف الحقوق الشرعية لصالح العمل الفدائي المجاهد من المواقف البارزة في مسيرة الإمام تجاه الثورة والقضية الفلسطينية. ففي عام 1388هـ / 1968م توجه إلى الإمام الخميني فئة من الفدائيين الفلسطينيين ليسألوه: هل يجوز صرف الحقوق الشرعية من الزكاة وغيرها لتسليح أفرادها (أي المقاومة المسلحة ضد «إسرائيل» وإعدادهم لذلك)؟
وكان جواب الإمام كالتالي :
بسم الله الرحمن الرحيم
سبق وأن نوّهت بما تكنّه «إسرائيل» الغاصبة من النوايا الخبيثة، كما حذرت المسلمين من هذا الخطر العظيم المحدق بهم وببلادهم، وأهبت بهم أن لا يفسحوا المجال أمام العدو كي يتمكن من تنفيذ مخططاته الإجرامية التوسعية، وأن يغتنموا الفرص ويتلافوا الأمر قبل أن يتسع الخرق على الراقع، هذا وبما أن الخطر يهدد كيان الإسلام فعلى الدولة الإسلامية خاصة وعلى المسلمين عامة أن يتكاتفوا لدفعه وأن يتذرعوا في سبيل استئصاله بشتى الوسائل الممكنة ، وأن لا يتقاعسوا عن إمداد ومعونة المهتمين بالأمر والمدافعين عن الإسلام ويجوز أن تصرف الحقوق الشرعية من الزكوات وسائر الصدقات في هذا السبيل الحيوي المهم، وأخيرًا نبتهل إلى الله العلي القدير أن ينبه المسلمين من سباتهم العميق ويدفع عنهم وعن بلادهم كيد الأعداء والمعتدين والسلام على من اتبع الهدى.
روح الله الموسوي الخميني/
3 ربيع الثاني 1388 هـ
وهكذا يتضح أن ما حدث عام 1399هـ/1979م .. عام انتصار الثورة الإسلامية في إيران من تلاحم روحي وفكري ونضالي وسياسي بين إيران المسلمة الثائرة وبين فلسطين كان يمتد عميقًا في الجذور.
إلى هنا انتهى ما أردنا نقله من الشهيد الشقاقي ويبقى هذا الارتباط الرسالي بين القضية الفلسطينية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بل بين فلسطين وكل المسلمين في العالم بل وجميع الأحرار على ظهر المعمورة حتى التحرير النهائي للأرض المحتلة من البحر الى النهر، والله ولي التوفيق.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية