فيتو أمريكي في مجلس الأمن يدعم حرب الإبادة والتّطهير العِرقي في قطاع غزة
تنـا
استِخدام الولايات المتحدة لحقّ النّقض (الفيتو) ضدّ مُحاولةٍ روسيّةٍ لإضافةِ دعوةٍ لوقفٍ عاجلٍ ومُستدامٍ للأعمال القتاليّة لمُسودّة مشروع قرار قدّمته دولة الإمارات إلى مجلس الأمن الدولي، جاء دعمًا مُباشِرًا لاستِمرار حرب الإبادة والتّطهير العِرقي التي تُمارسها دولة الاحتِلال الإسرائيلي في قطاع غزة مُنذ ما يَقرُب من الثّمانين يومًا، ممّا أدّى إلى استِشهاد أكثر من عشرين ألفًا وإصابة 55 ألفًا آخَرين مُعظمهم من الأطفال والنّساء، وتدمير حواليّ 70 بالمِئة من المباني، وتشريد مِليون ونِصف المِليون من السكّان على الأقل.
شارک :
صحيح أن القرار طالب “على استِحياءٍ” بزيادةٍ “واسعةِ النّطاق” للمُساعدات الإنسانيّة، وتسهيل دُخولها إلى القِطاع دُون عوائق، ولكنّه جاء قرارًا “منزوع الدّسم”، ولم يُوجّه أيّ إدانة أو نقدٍ للسّلطات الإسرائيليّة التي عرقلت المُساعدات الغذائيّة والطبيّة، وقطعت الماء والكهرباء، وقصفت المُستشفيات، وانتزعت المرضى والأطفال الخُدّج من أسرّتهم وقذفت بهم إلى الشّارع، في مجازرٍ لم تُرتكب في أيٍّ من الحُروب العالميّة السّابقة.
السيّد "أنطونيو غوتيريش" الأمين العام للأمم المتحدة الذي يتعرّض حاليًّا لحملةٍ صُهيونيّةٍ شرسة، أكّد عقب صُدور قرار مجلس الأمن، “أن الهُجوم الإسرائيليّ يُشكّل العقبة الرئيسيّة في طريق وصول المُساعدات”، وقال “إن المُشكلة هي الطّريقة التي تشنّ فيها إسرائيل هجماتها تضع العقبات الكُبرى أمام دُخول ووصول هذه المُساعدات لأهل القِطاع، وإن وقفًا فوريًّا لإطلاقِ النّار هو السّبيل الوحيد لتلبية الاحتِياجات الماسّة للسّكّان ووضعِ حَدٍّ لكابوسهم المُستَمر”.
إنّها أمريكا التي تُريد استِمرار هذه الحرب، وتُقدّم الدّعم والغِطاء الأُممي لدولة الاحتِلال لمُواصلة مجازرها في القِطاع، وقتل الأطفال وتجويع الأهالي، لدرجة أنهم باتوا لا يجدون إلّا الأعشاب كطعامٍ للبقاء على قيدِ الحياة.
بلغت بلطجة، وانعِدام الإنسانيّة ذروتها في تصريحات مندوب الكيان في الأمم المتحدة الانتقاديّة والرّافضة للقرار الهزيل، لأنّ القرار لم يُركّز على “الأزمة الإنسانيّة للرّهائن”، أي أنّه يُعطي الأهميّة القُصوى لهؤلاء الذين لا يزيد عددهم عن 150 أسيرًا، ويُقدّمهم على أكثر من مِليونين ورُبع المِليون من أهل القِطاع، رُغم أن من قَتَلَ أو تسبّب في العديد من قتل بعض هؤلاء الأسرى هُم الإسرائيليّون وجيشهم على عكس حركات المُقاومة، وحماس والجهاد الإسلامي على وجه الخُصوص عاملوهم بإنسانيّةٍ وقدّموا لهُم كُل المُساعدات الطبيّة، وأكرموا وفادتهم بشهادةِ العائدين منهم إلى أُسَرِهِم بعد الإفراج عنهم.
لم تفاجئنا إشادة المندوب الإسرائيلي بالولايات المتحدة لدعمها القويّ لعُدوان بلاده على القطاع، وحرب الإبادة التي يُمارسها جيشها، واستِخدامها لحقّ النّقض “الفيتو” على أيّ فقرةٍ في القرار تُطالب بوقفها، الأمر الذي يُؤكّد مُشاركة الولايات المتحدة بشَكلٍ مُباشر في أعمال القتل والتّطهير العِرقي والتّشريد والتّجويع، ليس باستِخدام “الفيتو” ضدّ القرار، وإنّما قبلها بإقامة جسر جوّي لنقل أكثر من 5000 قنبلة، ومعدّات عسكريّة، وطائرات مُسيّرة، ومِليارات الدّولارات لدعم العُدوان وتمويله.
جميلٌ جدًّا ان يرى العالم بأسره مجددًا هذا الوجه الأمريكي الدمويّ البَشِع على حقيقته، ومُشاركة زعيمة العالم الحُر وحُقوق الإنسان في قتل أكثر من عشرة آلاف طفل، ووقف وصول المُساعدات لمِليونيّ إنسان لتشجيع الجيش الإسرائيلي على المزيد من القتل والدّمار والتّجويع لأهلنا في القِطاع المنكوب.
نُدرك جيّدًا أن “إسرائيل” التي لم تُنفّذ أو تُطبّق أكثر من 65 قرارًا صادرًا عن مجلس الأمن والجمعيّة العامّة للأمم المتحدة لن تحترم القرار الأخير الذي صدر اليوم رُغم هزالته، وستُحاول قتل المزيد من الأطفال والنّساء حتى نهاية المُهلة التي أعطاها لها الرئيس الأمريكي جو بايدن وحُكومته لتحقيق أهداف العُدوان، أيّ عودة الأسرى، وتدمير حركة حماس وكتائب المُقاومة الأُخرى.
دولة الاحتِلال لم تُحقّق أيا من أهدافها طِوال الثّمانين يومًا من عُمُرِ عُدوانها، ولن تُحقّقها حتّى بعد ثمانين شهرًا، ولعلّ الخسائر الكُبرى البشريّة والعسكريّة التي مُنيت بها، وقتل وإصابة عشَرات الآلاف من جُنودها، وهُروب لواء النّخبة (جولاني) من القِطاع بسبب خسارته أكثر من 40 بالمِئة من ضُبّاطه وجُنوده، هو الدّليل الأقوى على ما نقول.
انهيار المشروع الصّهيوني العُنصري التوسّعي بدأ يوم السّابع من تشرين أوّل (أكتوبر) الماضي، ولن يتوقّف مهما كانت ضخامة أعداد الشّهداء وحجم الدّمار، وأمريكا التي فشلت في حِمايةِ مشاريعٍ مُماثلةٍ في أفغانستان والعِراق وسورية وفيتنام، لن تُوقف هذا الانهِيار.. والأيّام بيننا.
انتهى
_____________________________________
* رئيس تحرير صحيفة "راي اليوم" الالكترونية