21 مارس بداية الربيع، وبداية اهتزاز الأرض وإنباتها من كل زوج بهيج – بالتعبير القرآني – إنه كما يقول الشاعر العربي :
حُلو الشباب من الدنيا أوائله *** بدء الربيع من الأيام نوروز.
شارک :
لئن كان النوروز من أعياد الإيرانيين وغيرهم من الشعوب قبل الإسلام، فإن الدين المبين فتح صدر المسلمين لكل جميل، ودخل النوروز بجماله الى ساحة المسلمين في شرق العالم الإسلامي وغربه. وتغنّى الشعراء بجمال الربيع وبدايته النوروز، وأنشدوا ما يعبّر عن فرحتهم وابتهاجهم بالجمال.
من أولئك الشاعر البحتري إذ قال : أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا من الحسن حتى كاد أن يتكلّما
وقد نبّه النوروز في غسق الدجى أوئـــــــــــــل ورد كُنّ بالأمــــس نوّمــا
عشق الجمال من طبيعة الفطرة الإنسانية التي تنشد الله سبحانه، فالله جميل يحبّ الجمال.
كل ما أقرت الشريعة الإسلامية فهو من عالم الجمال وكل ما رفضته فهو من القبيح، ولذلك فإن الصراع على الساحة البشرية في منظور شريعة السماء هو بين الجمال والقبح، ولابد من انتصار الجمال.
التاريخ الأدبي لحضارتنا الإسلامية مفعم بالغزل، وهو التغني بالجمال. آداب الشعوب الإسلامية في معظمها غزل وتغنٍ بالجمال.
وإذا وجدت الغالب في الغزل هو مايدور حول عشق المرأة فلأن المرأة هي رمز الجمال النسبي الذي يستثير الشوق الى الجميل المطلق وهو الله سبحانه. والغزل الحقيقي بعيد كل البعد عن الإثارات الغريزية.
وإذا كان النوروز ينبّه إلى جمال الطبيعة فإن القرآن الكريم قد نبّه إليها في آيات عديدة منها: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ - فاطر 27-28.
والكتاب الكريم نبّه إلى مختلف مظاهر الجمال في الطبيعة، فقد أشار الى جمال الانعام حين تسرح وحين تعود إذ قال : ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾.
ويمكننا أن نستقرئ آيات الجمال في القرآن الكريم حين يتحدث عن خلق الانسان وخلق السماوات والأرض، وكيف أن الله جلّ جلاله جعل لكل شيء قدرا وأنه خلق الإنسان في أحسن تقويم.
والخطاب القرآني يتوجّه إلى جعل أجواء المسلمين جميلة بهيجة؛ فقد قرر أن يكونوا في أحسن مظهر حين يدخلون في مجامع المسلمين ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ .
ويعيد القرآن الكريم الحديث على جمال الطبيعة كي لا يمرّ الإنسان على هذا الجمال دون وقوف عنده وتأمّل فيه حين يقول: ﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
ولا يقتصر الجمال على الأرض فالكون بأجمعه جميل، ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ النوروز إذن بداية انفتاح الإنسان سنويا على جمال الطبيعة بكل ألوانها وبهارجها، وبذلك يشكل عنصرًا من عناصر حضارتنا الإسلامية الداعية إلى حبّ الجمال ورفض كل قبيح في الإنسان وفي الطبيعة.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية