حديث التقريب .. في ذكرى استشهاد الإمام الشهيد محمد باقر الصدر (9-4-1980)
تنـا - خاص
في ذكرى رحيل عملاق الفكر والتقوى والنبوغ والجهاد والتفاني في ذات الله "الإمام الشهيد محمد باقر الصدر"، نقف ولو بعجالة على أهم معالم (المشروع التقريبي) للسيد الشهيد.
شارک :
السيد الصدر في طرحه المشروع الإسلامي للحياة بلغة العصر وعلى مستوى احتياجات العصر، كان أعظم مشروع تقريبي جعل المسلمين سنة وشيعة أمام هدف إعادة الإسلام إلى الحياة.
واستمرّ على هذا الطريق يعالج القضية المذهبية على مستوى تجاوز الإطار المذهبي في الاعتماد على المصادر، وفي بياناته التي وجهها إلى الشعب العراقي في أيام المحنة، وفي معالجته الموضوعية للمسائل الخلافية. وهذا ما يعرضه تلميذه "الشيخ محمد رضا النعماني" في مقال تحت عنوان :
«علاج الحواجز النفسية للتقريب بين المذاهب الإسلامية عند الإمام الشهيد الصدر(رض)».
يقول : ان جذور الخلاف بين أهل السنة والشيعة تعود في جانبها الأكبر إلى عامل نفسي، والإمام الشهيد الصدر رغم قصر عمره الجهادي مارس ألوان الجهود لإزالة هذا الحاجز النفسي؛ هذه الممارسة نلحظها في خطابه إلى العراقيين، وفي استناده إلى مصادر أهل السنة الحديثية والفقهية في دراساته، وفي معالجته لقضية على غاية من الحساسية المذهبية مثل "قضية فدك".
لا نستهدف بهذا البحث إيجاد حلول ومعالجات للخلافات العقائدية والفقهية والسياسية - الممتدة الجذور عبر التاريخ - بين الفرق والمذاهب الإسلامية من خلال مناقشة علمية وموضوعية لمختلف المواضيع والقضايا التي هي محلّ خلاف بين المسلمين، والاستدلال على ماهو حق منها والاتفاق عليه ورفض ماعداه.
إن فكرة من هذا القبيل لو أتيحت لها الظروف الموضوعية والأجواء المناسبة لأمكنها أن تزيل الكثير من الخلافات المستعصية بين المذاهب الإسلامية، وهو الاتجاه الذي تبنّاه الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين(قدس سره) في محاوراته ومؤلفاته مثل المراجعات، والنص والاجتهاد، ومسائل فقهية، والتي حاول فيها معالجة المسائل الخلافية العقائدية والفقهية والتاريخية معتمدًا في ذلك على صحاح المذاهب الإسلامية لإثبات أن مايعتقده أتباع مدرسة أهل البيت له جذور قوية ومتينة في أصول ومصادر المذاهب الإسلامية الأخرى.
ويجب أن نعترف أن أساليب المعالجة والنقاش حتى وإن اتسمت بأعلى درجات الموضوعية والصراحة، لا تنتهي إلى الإيجابية المطلوبة لأن جذور الخلاف في أكثر الأحيان جذور نفسية والحواجز تأخذ نفس الطابع. وفي ظل هذا الوضع لا يمكن الوصول إلى مامن شأنه تمهيد الأجواء لبناء الأمة الواحدة المتفقة على الحد المطلوب في رؤيتها العقائدية والفقهية والتاريخية...
إن من الحقائق التي يجب أن لا نغفلها، هي أن أحد أهم جوانب مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية، جانب نفسي موروث تلقّته الأجيال من دون دراسة أو مناقشة تتيحان التحرّر منه والانطلاق من بوتقته نحو جوّ من التأمل والمعالجة الموضوعية، الأمر الذي أدى إلى تراكم الكثير من الحساسيات التي شكّلت عقبة كبيرة في طريق محاولات التقريب.
ويجب أن لا نغفل أن السياسة لعبت دورًا كبيرًا - على امتداد التاريخ - في تعميق الفجوة النفسية بين أتباع تلك المذاهب؛ فتارة تصوّره على أنه خطر يستهدف القضاء على أتباع هذا المذهب أو ذاك، وأخرى على أنه عقيدة لا يجوز التنازل عنها وهكذا.
ولو تصفّحنا أوراق التاريخ لوجدنا أن الكثير من الدماء سفكت بسبب سياسات الحكّام في إطار تعميق الخلافات المذهبية وإخراجها من إطارها العلمي والفقهي إلى الوضع الأصعب المتمثل بالحواجز النفسية والروحية، وتسخيرها لمصلحة الحكام وليس لمصلحة الإسلام والأمة الإسلامية.
وفي هذا البحث المقتضب أحاول أن أستعرض اهم الخطوات التقريبية التي خطاها الإمام الشهيد الصدر (رضوان اللّه عليه). ومع أن يد الإجرام حرمت منه الأمة في وقت مبكر جدًا، فلم يتح له أن يمارس دوره الكامل في تطبيق أفكاره ومشاريعه التي منها توحيد الأمة وتجميع صفوفها، فإن نزرًا يسيرًا قد عرفناه عن تلك الأفكار والمواقف والتصورات أعطانا رؤية واضحة عن هذا الجانب في موقفه من عملية التوحيد والتمسّك بعرى الإسلام والإيمان.
ويجب أن نؤكد مرة أخرى على أنه يجب اعتبار حركة الإمام الشهيد الصدر في هذا المجال حركة تتّسم بأهمية خاصة بحيث يحق لها أن تتصدّر الخطوات الإيجابية الأخرى التي بدرت من علماء المسلمين الواعين من السنة والشيعة، وذلك لما يتمتع به الإمام الشهيد الصدر من موقع لدى الشيعة، ولما يمثل من شموخ وتبحّر في عالم المعرفة الإسلامية والبشرية، وكذلك الظروف السياسية والاجتماعية وأجواء الحوزات والمرجعيات التي قد لا تتقبّل انفتاحا كبيرًا بهذه الدرجة .
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية