في قراءة المقاومة للحرب الدائرة منذ ثمانية شهور إنها كما كل مواجهة مع كيان الاحتلال امتداد لصراع وجودي، تنظر له المقاومة من هذه الزاوية وينظر إليه الكيان من هذه الزاوية، وميزة "طوفان الأقصى" أنه أطلق الحقيقة من الظل الى الضوء ووضعها على ألسن الجميع، داخل الكيان وفي الرأي العام في المنطقة وقواها وفي العالم ونخبه.
شارک :
وكما مثّل طوفان الأقصى ضربة وجودية للكيان، فقد حاول هذا الكيان عبر هجومه الإجرامي الوحشي على غزة أن يوجه ضربة وجودية للفلسطينيين بتهجيرهم وحرب الإبادة بحقهم.
والمقاومة (في لبنان) التي تنطلق من مفهوم الصراع الوجودي وتنظر لمصلحة لبنان من زاوية أن الكيان خطر وجودي أمني وعسكري وسياسي واقتصادي وديمغرافي على وجود البلاد، كان من الطبيعي أن تجد نفسها طرفاً في هذا الصراع الوجودي.
يقول قيادي كبير في المقاومة، إن قراءتها لتوصيف المعركة ينطلق من عدم الاعتقاد بأنها معركة تحرير فلسطين، رغم المكانة العظيمة لطوفان الأقصى في تغيير الموازين والمعادلات. ومن خلال هذا الفهم ذهبت المقاومة إلى مفهوم جبهة الإسناد المتحرّكة والمرنة، تحت سقف حتميّة المشاركة من جهة وعدم الذهاب إلى السقف الأعلى دفعة واحدة في مواكبة الحرب التزاماً بمعادلة الربح بالنقاط، ووفق الشروط التي وضعتها المقاومة في غزة لتبادل الأسرى ووقف النار، كأهداف مشتركة لكل الجبهات لوقف الحرب. والمقاومة اليوم واثقة أكثر من أيّ وقت سابق بأن المقاومة في غزة تمتلك بشرياً وعلى مستوى الأسلحة والذخائر، بما يكفي لمواصلة القتال بكفاءة ومهارة ومنع الاحتلال من تحقيق أي من أهداف حربه، بل إن المقاومة في غزة تزيد هذه القدرات في ظل الحرب، وهي تستقبل آلاف الشباب المتطوّعين الجدد وتقوم بتدريبهم في ظل الحرب.
المقاومة كما تقرأ في كتابها، لا شيء اسمه الانزلاق إلى الحرب الكبرى، لأن التصعيد من طرفها هو تصعيد موضعيّ ولا يعبّر عن اتجاه تصاعديّ في الانتقال من دور جبهة الإسناد الى دور الحرب الفاصلة والكبرى، والتصعيد الموضعيّ هو رد على تجاوز الاحتلال لضوابط المقاومة في الحرب سواء في المدى الجغرافي للعمليات، أو في استهداف المدنيين.
وفي كل حال المقاومة لن تنزلق، وإذا حدث الانزلاق من جيش الاحتلال، فهو يكون قرار حرب وليس مجرد انزلاق، ومثل هذا القرار دونه تعقيدات كثيرة، لأن خوض الحرب مع المقاومة في لبنان يحتاج إلى الكثير مما ليس متاحاً للاحتلال الآن، سياسياً ودولياً وداخلياً وعسكرياً ولوجستياً ومعنوياً، لكن لو فرضنا أنه حدث، فإن المقاومة تجمع صفة الإسناد الى حق الدفاع عن شعبها وبلدها، وهذا حق مفتوح بحدود العدوان. وعندما يكون العدوان حرباً مفتوحة سوف يكون الدفاع حرباً مفتوحة، وفي هذه الحرب سوف تظهر المقاومة الكثير من المفاجآت الكبيرة، التي تتجاوز حدود ما أظهرته من قدرات نوعيّة وأسلحة جديدة، خلال ما مضى من شهور الحرب.
المقاومة لا ترى اتفاقات قريبة، وتعتقد أن الكلمة هي للميدان، وبمقدار ما تثمّن عالياً نهضة الشوارع العالميّة لنصرة القضية الفلسطينية والدعوة لوقف العدوان على غزة، لا تعتقد أن المشهد الدولي يتفاعل بالمستوى المطلوب مع واجبات الدول الكبرى، التي يتموضع بعضها وخصوصاً الأميركي ونسبة كبيرة من الأوروبيين، وراء كيان الاحتلال، بينما لا تتصرّف روسيا والصين على قاعدة تتناسب مع فرضيّة أن هناك حلفين يتقابلان على الساحة الدوليّة، حلفاً تقوده واشنطن وحلفاً تتقدّمه بكين وموسكو، لأن الحرب على فلسطين لا تبدو مدرجة في هذا الاصطفاف، بل هي محور اصطفاف آخر، هو قوى المقاومة في ضفة والكيان ومن خلفه الغرب وعلى رأسه أميركا في ضفة مقابلة، وسقف مواقف الآخرين هو التنديد بالجرائم.
تدير المقاومة الأوضاع بتعاملها مع الملفات الداخلية في لبنان وفق قاعدة عدم الجمع بين ملف الحرب في المنطقة والملفات الداخلية. وهي من هذه الزاوية لا تقبل أبداً بصرف قوتها وتضحياتها وإنجازاتها في مواجهة الكيان لتغيير موازين القوى في الداخل، ولا تنتظر تطوراً معيناً في الحرب لتبني عليه خيارات داخلية، وهي لذلك في ملف الرئاسة لا ترى أن الظرف ناضج لانتخاب رئيس ليس بسببها ولا بسبب الحرب، وهي جاهزة غداً لانتخاب رئيس إذا توافرت ظروف حقيقية لإنجاز استحقاق لا تزال أطراف لبنانية ترفض مبدأ الحوار حوله، فكيف يكون انتخاب. وكذلك في التعامل مع دورها في الحرب تعبر المقاومة عن ارتياحها، لانضمام شرائح لبنانية واسعة لتأييدها في خيار الإسناد، والتراجع في التوترات المذهبية إلى حد انطفاء نار فتنتها، وتقدير أطراف كثيرة أخرى لما تسمّيه حكمة المقاومة في ادارة مشاركتها كجبهة إسناد، او تقدير دورها كقوة ردع لحماية لبنان، حتى لو وجدت تباينات حول عناوين أخرى.
ترى المقاومة أنها اكتسبت الكثير من مشاركتها في هذه الحرب كجبهة إسناد، وهي تؤدي واجبها عقائدياً وإنسانياً وأخلاقياً ووطنياً. فهذه هي الحرب الأولى التي تعدّل المقاومة فيها تكتيكاتها وتعيد النظر بأساليب عملها، وتبدل أنواع أسلحتها وفقاً لمقتضيات الميدان وما يقوله بالتجربة العملية من حاجات. والمقاومة ترفع جاهزيتها في ظل الحرب على كل الأصعدة والمستويات، وتزداد تفاعلا مع بيئتها وجمهورها وتقدر عالياً تضحياتهم وحجم الإقدام للانخراط في المعركة بما يفوق طاقتها على الاستيعاب ويفوق قدرة الجبهة على التحمل، والمقاومة واثقة بأنها تسير نحو النصر، وأن محور المقاومة الذي تحوّل الى حقيقة ثابتة في المنطقة خلال هذه الحرب سائر نحو النصر، وأن فلسطين ومقاومتها قبل الجميع ذاهبة الى تحقيق النصر، طال الزمن أم قصر.