تاريخ النشر2024 15 July ساعة 12:03
رقم : 642678
محمد الحسيني*

 هل يتعظ العدو من هدهد حزب الله قبل الخراب الثالث؟!

تنـا
“هدهد المقاومة”، في اسمه لغز، وفي تحليقه حراً فوق فلسطين المحتلة، قدرة المقاومة على التوغل براً أيضاً، وفي عودته سالماً نصرٌ ومخزون استخباراتي، وفي الإعلان عن رحلته، قلق واضطراب وارباك للأعداء ورسائل متعددة في كافة الاتجاهات…
 هل يتعظ العدو من هدهد حزب الله قبل الخراب الثالث؟!
هو من المخلوقات الجميلة، فوق رأسه قزعة سوداء، أسود البراثن، أصفر الأجفان، حاد البصر، له قابلية ملاحية متميزة في معرفة الاتجاهات، استخدم قديماً في نقل الرسائل وفي اكتشاف مصادر المياه حتى من باطن الأرض، إنه طائر الهدهد، وله في اللغة العربية أسماء أخرى، منها : الُهداهد، النّباح، أبو الأخبار، أبو سجاد…

وقد ورد ذكره في القرآن الكريم - سورة النمل مع نبي الله “سليمان”، في قصة هي من أشهر القصص القرآنية، تدور أحداثها حين كان “سليمان” يتفقد جنوده، لاحظ غياب الهدهد من دون إذن مسبق، فغضب وتوعده بالعقاب، ولما جاءه بخبر عن “مملكة سبأ” وما وجده من أمر القوم هناك، عفا عنه وتراجع عن عقابه، وأرسل رسالة معه إلى ملكتهم يدعوها وقومها إلى عبادة الله الواحد الأحد، وقد ألقى الهدهد الرسالة سراً دون أن يراه مخلوق، فكان لها وقع نفسي كبير على الملكة، حينها قدمت على “سليمان” لمحاورته، ولما دخلت قصره أدركت ما له من ملك عظيم، يعجز عنه البشر… فاستسلمت للأمر وأسلمت…

إلا أنّ لا ذكر للهدهد في التوراة ضمن قصة “سليمان” والملكة سبأ، وقد سُجلت في الترجوم (Targum Sheni)، وهو ترجمة آرامية قديمة للتراث اليهودي، الذي يتناول القصة على الشكل التالي: [ أنه حين ابتهج قلب “سليمان” من الخمر، أمر الحيوانات والطيور والجان ان ترقص أمامه حتى يرى الملوك (الحاضرون) عظمته، وكان الجميع حاضرا إلا المسجونين والسجانين. لكنه لاحظ غياب الديك الأحمر (بدلا من الهدهد)، فطلب القبض عليه حتى يذبحه، ولكن الطائر ظهر معلنا اكتشافه مملكة سبأ الغنية التي تحكمها أمرأة، فأرسل لها “سليمان” رسالة مع نفس الطائر مُرغباً الملكة في زيارته مثل سائر ملوك اركان الارض الاربع، فلو فعلت لوضعها في مرتبة فوق هؤلاء الملوك، أما لو رفضت فسوف يسلط عليها وحوش الارض وطيور السماء، وسوف تكون الشياطين والجان من أعدائها يطلبون القبض عليها وسجنها، بل وأكلها، وعندما قرأت هذا الكلام ارسلت لمجلس نبلائها تستشيرهم، ولكنهم لم يكونوا يعرفوا “سليمان” فنصحوها بأن ترسل له سفناً ضخمة محملة بالهدايا القيمة والعبيد. وعندما وصلت ارسل لها “سليمان” رسولا يلبس ملابس براقة، عندما رأته قالت : هل انت “سليمان” ؟ فقال لها : بل انا عبد من عبيده، وقد استقبلها “سليمان” في قصر من زجاج حتى انها حسبته ماء لأنه كان على البحر ورفعت ثيابها ورأى “سليمان” أن ساقيها عليهما شعر، فقال لها الشعر جيد في الرجال ولكنه ليس كذلك للنساء، فقالت: يا سيدي عندي لك ثلاثة ألغاز ، لو عرفت إجاباتها سوف أعرف أنك حكيم، أما لو لم تعرف سوف تكون مثل بقية من حولك. ولما أجاب “سليمان” على اسئلتها قالت بدهشة : تبارك الرب إلهك الذي وضعك على العرش لتحكم بالعدل والقسطاس. وأهدت “سليمان” الكثير من الذهب والفضة، وأعطاها هو كل ما اشتهت ].

وبغض النظر عن كونه ليس موضوع بحثنا، فإننا نجد تناقضاً كبيراً بين شخصيتي “سليمان” في القرآن الكريم الذي أظهره نبياً وحكيماً، وفي التوراة الذي أوحى أنه كان سكيراً وفي مجالسه رقص وغناء ويتحدث بفظاظة مع النساء…، كان هناك رأي مغاير لشخصية الهدهد بحد ذاته، حيث يعتبر البعض أنّ لفظ الهدهد الوارد في القرآن الكريم تعريب لاسم “هُدَد” العبري، والمراد منه أحد أمراء الأسرة الأدومية الذي كان قائدًا في جيش “سليمان”. حين كانت الأسرة الأدومية من أعداء سليمان وعاشت خاضعة لمُلكه، فلما فقد “سليمان” قائده الهدهد ظن أنه ربما خانه وذهب إلى الأعداء للتآمر عليه، فأعرب سليمان عن قلقه وغضبه، ولهذا القائد الهدهد مجموعات استطلاعية استطاعت الوصول إلى مملكة سبأ وتقصي أحوالها…

أما “هدهد المقاومة” ففي اسمه لغز، وفي تحليقه حراً فوق فلسطين المحتلة، قدرة المقاومة على التوغل براً أيضاً، وفي عودته سالماً نصرٌ ومخزون استخباراتي، وفي الإعلان عن رحلته، قلق واضطراب وارباك للأعداء ورسائل متعددة في كافة الاتجاهات…

“هدهد المقاومة” هو المسمى لطائرة من دون طيار إيرانية الصنع، تعمل على الطاقة الكهربائية بلا بصمة حرارية أو صوتية، ما يصعب ملاحقتها واكتشافها، وتحمل مجموعة متنوعة ومتطورة من الكاميرات، صوتها منخفض وتبلغ سرعتها القصوى 70 كيلومترا في الساعة ولديها قدرة على التحليق لأكثر من ساعة؛ تُقلع عموديا وبصورة آلية وهي قادرة على مواجهة كافة الأحوال الجوية ليلا ونهارا وفي البر والبحر.

وكان حزب الله قد سبق له أن نشر في 18 يونيو الفائت فيديو “الهدهد1″، تزامنًا مع التهديدات الصهيونية للبنان بشن حرب واسعة، كرسالة ردع للكيان المحتل، وحيث أنه في الفيديو الجديد لـ”الهدهد 2″، يبعث في الشكل برسالة ردع أخرى، فإنه في المضمون يحمل رسائل عديدة أبرزها :

1- شن حرب نفسية ضد العدو إلى جانب الحرب التي يخوضها على امتداد الحدود اللبنانية – الفلسطينية وصولاً إلى الجولان المحتل، وبث القلق بين المستوطنين بعد ان حلقت فوق مناطق مسكونة كنهاريا وعكا والجولان وعفولة من دون ان يعترضها أحد.

2- الاحتراف والدقة في التصوير الجوي النوعي لعشرات المواقع الحساسة لجيش الاحتلال، من ضمنها 6 مواقع استراتيجية للاستطلاع الألكتروني في الجولان المحتل وهي: شلاغيم الغربي والشرقي، أسترا، يسرائيلي، أفيطال، وتل فارس… وذلك في غضون عشر دقائق، وأيضاً من دون أن يعترضها أحد، ناهيك عن محاولة إبراز قدرات “حزب الله” على التوغل البري في الجليل المحتل بمواكبة جوية من المسيرات.

3- إظهار قدرات “حزب الله” في حال اندلاع الحرب الشاملة على تحريك أسراب من المسيرات قادرة على حمل المتفجرات إلى العمق الصهيوني.

4- فشل نظام الدفاع الجوي لدى جيش الاحتلال والذي بلغت تكلفته مئات الملايين من الدولارات، اضافة إلى فشل سلاح الجو في تتبع وإسقاط هذه المسيرات.

5- تأكيد المعلومات الاستخباراتية لدى “حزب الله” وتقاطعها بين ثلاث وحدات: الأمن والاستعلام الميداني والاستطلاع الجوي، حول مناطق انتشار جيش الاحتلال إن من حيث التسميات للوحدات أو من حيث حجم العديد أو العتاد كماً ونوعاً.

6- التصوير الجوي لانتشار العدو في الجولان المحتل، هي رسالة تهديد واضحة بأن الحرب المقبلة لن تبقى جبهة الجولان من الجهة السورية بعيدة عن الصراع حيث سيتم فتح كل الجبهات وعلى كافة الاحتمالات.

وإن كانت الرسالة الأساس لـ ”حزب الله” تحاكي من يريد أن يسمع وأن يرى، بأن المقاومة تعرف أين وماذا تهاجم، وتعرف إلى اي مدى وعمق قادرة أن تصل جواً وبراً وبحراً …وإن كان لاختيار اسم الهدهد للطائرة المسيرة من قبل “المقاومة الاسلامية” له رمزيته الدينية، فإنه يبقى مترابطاً مع هدهد “سليمان”، في ثلاثة أمور، أولها تمتعه بالتطور التقني، من خلال قدرته على التسلل والمناورة ومن ثم العودة سالماً، مقارنة بهدهد نبي الله “سليمان” الذي حمل الكتاب سراً وألقاه على ملكة سبأ دون أن يكشفه أحد… وثانيها فعلى غرار تهديد “سليمان” لقوم سبأ في رسالته التي ألقاها الهدهد على الملكة… يريد “حزب الله” أيضاً توجيه رسالة تحذير للعدو الصهيوني مفادها: “أن لا تَعلُنّ علوا كبيرا…فلا مصلحة لكم في توسعة الحرب كونها ستجلب على كيانكم المحتل دماراً غير معهود، إن لم يكن في ذلك نهاية له”… وأخيراً ثالثها ومماثل أيضا لما ورد في رسالة “سليمان”: “أن توبوا الى الله… وعودوا إلى انفسكم واوقفوا مجازركم في غزة، ولا تعثوا في الأرض مفسدين”، فإنّ “عباد الله” المنصورين بالوعد الإلهي بحتمية الزوال ل”تجمع بني اسرائيل” في ارض فلسطين، قد باتوا يرونه قريبا…كما يرونه اليهود عامة لكن من منظور توراتي عبر تشاؤمهم بسبب اقتراب عُمر دولتهم المزعومة من “عقدها الثامن” الذي يحمل معه نبوءة “خراب الهيكل الثالث”، لأن في الدولتين السابقتين، “مملكة داوود” و”مملكة الحشمونائيم” اللتين جرى تأسيسهما على أرض كنعان في فلسطين ما قبل الميلاد، ووفقاً للرواية اليهودية، لم تستطيعا تجاوز العقد الثامن من عمريهما. فهل يتعظ العدو من “هدهد المقاومة” ويعمل على وقف عدوانياته الوحشية قبل أن تحل عليهم “لعنة العقد الثامن”؟ أم أنهم سيستمرون بفسادهم ومجازرهم في الأرض إلى حين مجيء “وعد الآخرة…”؟
_______________________________
*عميد لبناني متقاعد
https://taghribnews.com/vdccmiqe42bq0e8.caa2.html
المصدر : راي اليوم
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز