تاريخ النشر2024 27 July ساعة 10:16
رقم : 644000
د. جواد الهنداوي*

خطاب نتنياهو امام الكونغرس.. هروب من غزّة إلى ايران

تنـا
زيارة نتنياهو وخطابه امام الكونغرس والترحيب الحار من قبل اعضائه، والتظاهرات الشعبية الأمريكية ضّدْ الزيارة و وجوده، جمعيها احداث تأريخية، لأنها مليئة بالعبر والدروس المستفزة و المفيدة.
خطاب نتنياهو امام الكونغرس.. هروب من غزّة إلى ايران
كتبنا مقالا عن خطاب نتنياهو امام الكونغرس الأمريكي، وقبل ان يلقيه ،بيوم واحد ، وبعنوان ” نتنياهو في واشنطن : لقاء وداع مهزوم لمهزوم وخطاب تكريم لمرتكب جرائم حرب ” ، ونشُر في هذه الصحيفة ، و في غيرها و مواقع أخرى؛ توقعّنا بأن مضمون خطابه سيتجسّد في ثلاث نقاط أساسيّة :

النقطة الاولى - ايران وحماس و الإرهاب ، ولا ذكر لغزّة او الدولة الفلسطينية او السلطة الفلسطينية او مساعي السلام.

لنقطة الثانية - موضوع توريد السلاح لإسرائيل للاستمرار في الحرب وضمان الانتصار. 

والنقطة الثالثة التي توقعناها، هي ما قد يصدر من محكمة الجنايات الدولية ضّدَ نتنياهو و افراد من حكومته من إدانات ضد نتنياهو و وزير الدفاع بارتكابهم جرائم حرب او ضد الإنسانية . ولم يحد الخطاب الذي القاه عن هذه النقاط الثلاث .

لم اجدْ اصدق تقيماً موجزاً و دالاً للخطاب مِنْ وصف ايهود باراك ،رئيس الوزراء الأسبق للكيان المحتل حين قال عنه ” خطاب اكاذيب و تضليل ” ، وصف دال ،لانه صادر من آل بني صهيون ،وليس من اعداءهم .

كذلك وصف السناتور الأمريكي ساندرز للخطاب وقال ” ليس فقط مجرم حرب ،وانما كاذب أيضاً” ( انظر في ذلك صحيفة رأي اليوم الالكترونية ، ليوم 2024/7/24 ) .

ولكن ،دعونا ننتقل و الخطاب من غرفة التوصيف إلى غرفة الدراسة او “العناية المرّكزة ” .
ماذا يقصدُ نتنياهو عندما يقول لممثلي الشعب الأمريكي ” حين نحارب حزب الله وحماس و الحوثيين ، هذا يعني نحن نحارب ايران ” ؟

مثلما يستلهمُ نتنياهو من النازية نزعته في القتل و الابادة ، يستهدي أيضاً بالإعلام النازي في التضليل و التأثير فيتبنى شعار ” اكذب اكذب حتى تُصّدقْ “. يريد نتنياهو القول بأن سبب الحرب في المنطقة ليس احتلال فلسطين ،ليس القضية الفلسطينية،ليس قتل وتشريد و ابادة الشعب الفلسطيني،ليس تدمير غزّة بسلاح اكثر بأضعاف مما اُستخدم ضّدَ هيروشيما ، وانما إيران ! لذلك هو لم يذكر اسم فلسطين ولا مساعي سلام و لم يردْ في خطابه كلمة او إشارة إلى ما له علاقة بجهود سلام او فلسطين او حتى السلطة الفلسطينية التي تنسّق مع حكومته جهود ” الامن و السلام ” !

هنا، نتنياهو يجسّد بحق المخطط الصهيوني الإسرائيلي الهادف إلى وضع ساتر حديدي على كل ما له علاقة لفظية ،فكرية ،سياسيّة بفلسطين القضية ،السلطة ،الدولة ،الشعب، الخ.. هنا نتنياهو يجسّد بحق السياسية التي وضعها بالتعاون بطبيعة الحال مع اللوبيات الصهيونية او الدولة العميقة في امريكا، وسار بخطى حثيثة في تنفيذها ،منذ توليه السلطة في إسرائيل عام 1996، سياسة قائمة على انهاء او تصفية قضية فلسطين و أستبدالها بقضية أيران ، اي جعل العدو في المنطقة ،بل وحتى في العالم ، ايران و وحركات المقاومة التي تدعمها ، و نعتهم في الخطاب بالإرهاب ، و قال بانه و "إسرائيل" في خط الدفاع الاول عن امن امريكا و حضارتها.

وهذا ما دأبت على ترويجه "اسرائيل" و سعت بكل طاقاتها و امكانياتها و دعم امريكا وغير امريكا على تهميش او تصفية قضية فلسطين ،وتوجيهه بوصلة عداء دول المنطقة لايران، ولكنها فشلت .

وللأنصاف، لم تخلْ حفلة الخطاب النازي من مقتطفات صادقة في التعبير وفي المشاهد ؛ حين يدّعي نتنياهو بأنه والكيان المحتل ،هم الخط الاول في الدفاع عن أمن و حضارة امريكا ، ويجيبه الحضور بتصفيق حاد ! مَنْ مِنّا ينكر هذه الحقيقة او لا يعرفها بأنَّ "اسرائيل" هي قاعدة فكرية عسكرية سياسية صهيونية في المنطقة، و الهدف من وجودها الحيلولة دون تطور وازدهار و استقلال دول وشعوب المنطقة ،وجعلها خاضعة، وتحت هيمنة أمريكية -اسرائلية عسكرية و اقتصادية ونقدية .

أمّا حديثه عن الحضارة، ” فالفعلُ اصدقُ أنباء من الخُطبِ”، جرائم الابادة، وبدعم أمريكي غربي حضاري في غزّة، دليل ملموس على إنسانية هذه الحضارة ،والتي يدافع عنها ويؤيده بالتصفيق اعضاء الكونغرس .

زيارة نتنياهو وخطابه امام الكونغرس والترحيب الحار من قبل اعضائه، والتظاهرات الشعبية الأمريكية ضّدْ الزيارة و وجوده، جمعيها احداث تأريخية، لأنها مليئة بالعبر والدروس المستفزة و المفيدة.

غداً او بعد غد، ستعود الادارة الأمريكية وسيعود موفدوها إلى المنطقة، ويتحدثون رسمياً و باسم الادارة الأمريكية إلى اهل المنطقة ،إلى السلطة الفلسطينية،إلى الحكومة اللبنانية او السلطات اللبنانية،والى الوسطاء بين حماس و الكيان المحتل (مصر ،قطر ، وغيرهما)، يتحدثون عن مساعي سلام ،عن مساعي اقامة دولة فلسطينية، عن حقوق الفلسطينيين ! و المطلوب مِنّا ان نعتقد و نصدّق و نأمل . فرقٌ شاسع بين ما يفكرون به و يقولون ويخططون ويسعون اليه ( واقصد امريكا و اسرائيل) وبين ما يفعلون . ليس في الأفق سلام مع اسرائيل وهم بهذه العقلية و الرؤية و الممارسات .
____________________________
* كاتب عراقي
https://taghribnews.com/vdcdzo09zyt0oz6.422y.html
المصدر : راي اليوم
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز