قراءة في تحولات الاستراتيجية الإيرانية وتوازنات القوة الإقليمية
تنـا
يبدو أن إيران تسعى لترسيخ معادلة جديدة في المنطقة، مدعومة بتنسيق استراتيجي مع الصين.. الرد الإيراني على اي عدوان امريكي سيكون "شديداً ومماثلًا"، وهو ما يعني أنه سيهدف إلى تحقيق توازن مع الضربة الأمريكية المحتملة، دون الانزلاق إلى حرب طويلة ومفتوحة.
شهدت الآونة الأخيرة تصعيداً لافتاً في لهجة التصريحات الإيرانية حيال أي رد أمريكي محتمل على خلفية التوترات المتصاعدة في المنطقة؛ واللافت في الأمر ليس التهديد بالرد فحسب، بل طبيعة هذا الرد وأهدافه التي حددها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، اية الله خامنئي، في تحول استراتيجي يبدو أنه يهدف إلى عزل الصراع وتحديد أطرافه بشكل دقيق.
ووفقاً لما يتم تداوله، فإن أبرز ما جاء في رد اي الله خامنئي هو تحديد "إسرائيل" كهدف مباشر وحصري لأي رد إيراني على ضربة أمريكية، هذا التحديد يأتي باعتبار "إسرائيل" الوكيل الحصري للولايات المتحدة في المنطقة؛ مما يضعها في واجهة الرد الإيراني المحتمل.
فالأكثر إثارة هو الإعلان عن تحييد دول الخليج (الفارسي)، بما فيها السعودية والإمارات، من بنك الأهداف الإيراني، يُعزى هذا التحول الجذري إلى اتفاقات وساطة تم التوصل إليها عبر سلطنة عمان والصين؛ هذه الخطوة تعني عزل ساحة المواجهة عن منطقة الخليج (الفارسي) بشكل كامل، وهو ما يمثل تطوراً هاماً في الاستراتيجية الإيرانية، وربما يعكس رغبة في عدم توسيع دائرة الصراع إقليمياً.
بناءً على هذه المعطيات، فإن أي تصعيد أمريكي سيقابله تصعيد إيراني يركز بشكل أساسي على هدفين استراتيجيين؛ قاعدة دييغو غارسيا و"إسرائيل".
وقد برز اسم قاعدة دييغو غارسيا البريطانية التي تستضيف قاذفات B-2 الأمريكية كهدف استراتيجي أول في الرد الإيراني المحتمل، وذلك بحسب تقارير نشرتها صحيفة التايمز البريطانية؛ اختيار هذا الهدف يحمل دلالات عميقة، فتدمير هذه القاعدة لا يمثل ضربة موجعة للقدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة فحسب، بل يُنظر إليه على أنه سيُفقد الولايات المتحدة قدرتها على حصار الصين، وبالتالي قلب موازين القوة في المحيطين الهندي والهادئ.
والمثير للاهتمام هو الإشارة إلى دعم الصين لهذا التوجه، حيث يُقال إنها ترى في زوال هذه القاعدة خدمة مباشرة لأمنها القومي، وتشارك استخباراتياً في تهيئة الضربة المحتملة، هذا يشير إلى تحالف غير معلن يتشكل في المنطقة لمواجهة النفوذ الأمريكي.
تؤكد إيران بوضوح أن ضرباتها، في حال وقوعها، لن تنطلق من الخليج (الفارسي) أو من أراضيه، وهو ما يعتبر رداً غير مباشر على الدعاية "الإسرائيلية" التي تحاول تصوير دول الخليج (الفارسي) كمشاركة محتملة في أي عمليات ضد إيران، وبالمثل، يتبنى الحوثيون نفس المعادلة، مؤكدين على حرب مستقلة ضد أمريكا و"إسرائيل" دون الاعتماد على أو استغلال أراضي دول الخليج (الفارسي).
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الحاملات الأمريكية مثل "ترومان" و"آيزنهاور" أهدافًا مشروعة ضمن الخطة الإيرانية لمحاصرة الجهد العسكري الأمريكي في المنطقة.
وفي قراءة الموقف الصيني وتطور التحالفات، فمن المتوقع أن لا يقتصر الدور الصيني على الدعم الاستراتيجي، بل يمتد ليشمل تقديم دعم استخباراتي وتقني لتوجيه الضربة المحتملة ضد دييغو غارسيا، هذا التعاون يرسخ فكرة وجود تحالف صيني-إيراني غير معلن يهدف إلى تقويض النفوذ الأمريكي والبريطاني في غرب آسيا، مع تحديد بنك الأهداف بوضوح (إسرائيل – دييغو غارسيا – الحاملات الأمريكية) وتجنب أي مواجهة مع الدول العربية.
يبدو أن إيران تسعى لترسيخ معادلة جديدة في المنطقة، مدعومة بتنسيق استراتيجي مع الصين.
أما في سياق التحولات الإقليمية، يبرز موقف مصر برفضها الانخراط في أي مشروع يستهدف إيران أو غزة، بالإضافة إلى تخفيض المساعدات العسكرية الأمريكية؛ هذا الموقف يمثل تفكيكاً جزئياً للنفوذ الأمريكي في المنطقة، ويضاف إلى حياد دول الخليج (الفارسي)، مما يجعل "إسرائيل" القاعدة الوحيدة المتاحة للعمليات الأمريكية، وهو ما يعزز من الخسائر الاستراتيجية المحتملة لواشنطن.
الرد الإيراني سيكون "شديداً ومماثلًا"، وهو ما يعني أنه سيهدف إلى تحقيق توازن مع الضربة الأمريكية المحتملة، دون الانزلاق إلى حرب طويلة ومفتوحة، سيكون مركزاً ومتناسباً مع حجم الضربة الأمريكية، لتجنب الاستنزاف والانتقال إلى ما وصفه بـ "حرب اجتثاثية" ضد إسرائيل، في إشارة إلى تدمير غزة، هذا التصريح يعكس تصعيداً عقائدياً واستراتيجياً غير مسبوق.
تكشف التقارير عن اعتراف البنتاغون بأن الرادارات الأمريكية لا تغطي 360 درجة بشكل شامل، وأن منظومات الدفاع الجوي مثل باتريوت أثبتت محدوديتها في بعض المواقف؛ مما قد يسهل عمليات الاختراق الصاروخي الإيراني.
في المقابل، تمتلك إيران رادارات تغطي 360 درجة، مما يمنحها استعداداً أفضل لأي ضربة جوية واسعة؛ هذا الخلل قد يدفع أمريكا للاكتفاء بضربة واحدة باستخدام قاذفات B-2 دون الدخول في حرب ممتدة، مع التركيز على محاولة زعزعة الاستقرار الداخلي في إيران عبر الضغوط المختلفة.
أما إذا تحقق سيناريو المواجهة المحدودة ضربة مقابل ضربة، فيبدو أن ترامب يراهن على توجيه "ضربة لا سابق لها"، بهدف تحريك الداخل الإيراني ضد النظام، مع تجنب حرب طويلة، في المقابل؛ يرد السيد خامنئي بأن الضربة الإيرانية ستكون "مماثلة في الشدة والغير مسبوقية"، مما يشير إلى أن التوازن المستقبلي قد يحكمه منطق الضربتين المتبادلتين، بدلًا من حرب شاملة.
في الختام، هل تحدد إيران قواعد اشتباك جديدة؟، ويبقى السؤال الأهم : هل ستنجح هذه الاستراتيجية في احتواء التصعيد ومنع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة.