لمناسبة الاحتفال بيوم سعدي الشيرازي في شهر ابريل (نيسان) 1/3
حديث التقريب.. سعدي الشيرازي شاعر الحب الانساني (1)
تنـا - خاص
شاعرنا «سعدي» الشيرازي من أولئك المصلحين الذين عاشوا في أحلك الظروف الاجتماعية.. فحمل قيثارة أدبه وظل يعزف عليها في أرجاء العالم الإسلامي.. ليوقظ المشاعر الإنسانية من سباتها، ويرفع الإنسانية إلى حيثُ أراد لها بارؤها من عزّة وكرامة.
دور الأدب في حياة الشعوب ذو أهمية بالغة.. فهو يحافظ على الذوق البشري من الانتكاس، وعلى المعنويات الإنسانية من الارتكاس؛ الجماعة الإنسانية حيّة بما تمتلكه من مقوّمات الحياة. وأهمّ هذه المقومات الذوق الإنساني والمشاعر الإنسانية.. وإذا ضعفت هذه المقومات دبّ الموت في حياة الجماعة، وفقدت دورها على ساحة التاريخ.
ويعظُم دور الأديب ويتصاعد حين يعيش بين ظهراني أمة تكالبت عليها عوامل الموت
والإبادة، لتحولّها من أمة متحركة على طريق المستقبل الأفضل إلى مجموعة من الأفراد الذين يعيش كل منهم همومه الخاصة الصغيرة، وليتحرك على طريق أطماعه وأهوائه وأحقاده وحسده وضغينته، عندئذ تتحول هذه الأمة إلى شبح أمة وتفقد هويتها ومقومات حياتها ولا سبيل أمامها عندئذ إلا الفناء.
لاشك أن الأمة الإسلامية حيّة بقرآنها، لأنه الكتاب الذي يستطيع أن يضخّ في جسدها دائمًا مقوّمات الحياة، ويحافظ على مستوى رفيع من ذوقها ومشاعرها الإنسانية، بما يحمله من إعجاز أدبي ومحتوى تغييري. لكنّ الظروف السيئة إذا تكالبت على الفرد أو على الأمة تخلق على القلوب حجابًا وتضرب على الآذان أسدالاً ووقرًا، وتجعل بين الإنسان والخطاب القرآني حجابًا، وهنا يأتي دور المصلحين ليزيلوا هذه العوامل العازلة من وقر وحجاب، وليفتحوا قلوب الناس وآذانهم لتتلقى نداء الروح ولتصغي إلى كلام السماء.
وأفضل وسيلة يستطيع أن يمارسها المصلح لتحقيق الهدف هو «الأدب» لأنه الخطاب الذي يحمل من نور الجمال ما يستطيع أن يشقّ به ظلمات كل قبح تسقط البشرية في أوحاله.
وشاعرنا «سعدي» الشيرازي من أولئك المصلحين الذين عاشوا في أحلك الظروف الاجتماعية حيث ادلهمّت خطوب الجهل الداخلي والغزو الخارجي لتمزّق وجود الأمة، فحمل قيثارة أدبه وظل يعزف عليها في أرجاء العالم الإسلامي، ليكون له الدور الخالد في مخاطبة جيله وكل الأجيال بلغة تنفذ إلى القلب والروح فتوقظ المشاعر الإنسانية من سباتها، وترفع الإنسانية إلى حيثُ أراد لها بارؤها من عزّة وكرامة.
من هو سعدي؟
رجل ظهر في القرن السابع الهجري (ولد سنة 606هـ) بمدينة شيراز من بلاد فارس، يتحدث بلغة تستولي على العقول والقلوب بنثرها وشعرها، وجدَ الناسُ فيه ضالتهم التي تنشدها فطرتهم الإنسانية، في وقت تكالبت فيه الظروف السيئة على العالم الإسلامى لتؤدي إلى هجوم المغول وسقوط الخلافة العباسية. وما كان هجوم المغول إلاّ بعد أن توفّرت في المسلمين قابليّة الغزو، فقد تفشّت أمراض النزاعات الداخلية والجهل، وأدى كل ذلك إلى غياب الأهداف الكبرى والمثل العليا في المجتمع، وما ينجم عن ذلك عادة من حرص وطمع وذلّ واختلال في القيم.
والفرق بين الأديب وغيره أن الأديب وهبه الله قدرة رؤية الأشياء بأعمق مما يراه الإنسان الاعتيادي، ومن هذه النظرة العميقة ينطلق لاتخاذ مواقف لا يتخذها الآخرون. وسعدي الأديب رأى ما رآه الآخرون من أمراض عصره، ولكنه لم يقف أمامها موقف الخاضع العاجز المستسلم الذي يبرّرها بأسباب غيبيّة ويعزوها إلى القضاء والقدر، بل نظر إليها نظر طبيب قادر على أن يشخّص أسباب هذه الأمراض ويهبّ لعلاجها.
بدأ شرف الدين مصلح بن عبد الله سعدي الشيرازي أول حركته في انتقاله من الطريقة التقليدية السائدة في عصره لتعلّم الدين إلى طريقة العاشقين في فهم الدين والحياة والمجتمع، والعاشق له معناه الكبير لدى العارفين، فهو المتحرّك الذي لا يقرّ له قرار، يشدّه الجمال نحو هدف سام كبير، ويجعله مستعدًا لتقديم ألوان التضحيات في سبيل هذا الهدف. يشير إلى هذا الانتقال بقوله :-
(بالفارسية) "همه قبيله ى من معلمان ديـن بودنــد/ مـرا معلّم عشق ترا شاعرى آموخت" ، أي : «كل أفراد قبيلتي كانوا معلمين في الدين / ومعلّم العشـق علّمـك أن تنشـد الشعر».
هذا التحوّل أثــّر على خطاب الشاعر، فقد أصبح إنسانيًا جماليًا عميقًا، كما دفعه هذا التحوّل إلى الخروج من دائرة بيئته الضيقة ليسوح في العالم الإسلامي، ويتعرّف على مختلف الثقافات، في العالم العربي وآسيا الوسطى وشرق آسيا، وليعود وهو محمّل بتجارب إنسانية واسعة، خلّدها في نثره وشعره.
جُمعت آثاره في مجموعة سمّيت كليّات، والكليّات لأي أديب تعني مجموعة ما تركه من أدب منثور ومنظوم.
وتضمّ كليات سعدي : گلستان أو روضة الورد، ويضمّ مجموعة من ذكريات الشاعر وقصصه ومواعظه، وهي مزيجة من النثر والشعر. وكتاب بوستان أو روضة العطر، و يتضمن حكايات منظومة وقصائد في المديح، وكتاب غزليات ويتضمّن الطيبات، والبدائع، والخواتيم، والغزليات القديمة، والترجيعات، والملحقات، والرباعيات. وكتاب المواعظ وفيه القصائد الفارسية والعربية، والغزل العرفاني، ونصيحة الملوك ، والمجالس.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية