توطّن الكوفة الكبرى في العراق 900 رجلاً من الأنصار والمهاجرين ، و ممّن ثبت توطّنه منهم 149 صحابياً ، منهم سبعون ممّن شهد بدراً وبيعة الرضوان .. وبذلك أصبحت الكوفة المركز السياسي والعالمي الأوّل في العالم الإسلامي . اما موقع «الكوفة الصغرى» في تونس شبيهة بما كانت عليه مدينة الكوفة العراقية في صدر الإسلام.
شارک :
أسسها سعد بن أبي وقاص في عهد عمر بن الخطاب ، سنة (17هـ/638م) ، وقيل سنة (18 أو 19هـ) ؛ لتكون قاعدة عسكرية للمسلمين ، لموقعها الجغرافي – حيث لا يفصلها عن المدينة المنورة فاصل طبيعي ، من بحر أو عارض – بدلاً من المدائن .
وتبدأ الفترة المهمة في تاريخ الكوفة في شهر رجب عام (36هـ) ، حينما اختارها الإمام علي عليه السلام – بعد انتصاره في معركة الجمل – لتكون عاصمة للخلافة الإسلامية ، وكان مع الإمام علي عليه السلام حين خرج إلى حرب الجمل – على ما يذكر ابن قتيبة – 900 رجلاً من الأنصار والمهاجرين ، ولا يعرف عدد من توطّن الكوفة منهم ، لكنهم اسموا ممّن ثبت توطّنه منهم 149 صحابياً ، منهم سبعون ممّن شهد بدراً وبيعة الرضوان .. وبذلك أصبحت الكوفة المركز السياسي والعالمي الأوّل في العالم الإسلامي .
من اهم احداث مسجد الكوفة : استشهاد الامام علي (ع) لقد طعن الإمام بسيف الخوارج وهو في سجوده ، عند صلاة الفجر في مسجد الكوفة صبيحة اليوم التاسع عشر من رمضان سنة أربعين للهجرة بعد خمسة أعوام من الحكم . وقد بقي الإمام عليه السلام يعاني من علته ثلاثة أيام ، عهد خلالها بالإمامة إلى ولده الحسن السبط عليه السلام ليمارس بعده مسؤولياته في قيادة الأمة .
وكانت الكوفة أيضاً عاصمة لخلافة الإمام الحسن عليه السلام ، وعاصمة أولى للعباسيين ، ودولة المختار . وظلت الكوفة تتسع وتزدهر حتّى أصبحت في القرن الرابع الهجري ، كما يقول (ماسبنيون ) : (( حاضرة لإحدى الكور العراقية الست ، تتبعها بابل وعين التمر وسوراً والنيل … )) .
إنّ الذي تولّى تخطيط مدينة الكوفة جعل الجامع وسطاً ليكون المركز فيها ، وقد شيّد على أرض مربعة الشكل ، بانحراف قليل عن القبلة بمقدار 17 درجة تقريباً ، وقد خططه ليتسع لأربعين ألف مصلٍ ، وقد مرّ بتطويرات وإصلاحات متعددة حتّى استقر على وضعه القائم وبالشكل التالي .
يضم الجانب القبلي مقام الإمام عليّ عليه السلام الذي استشهد فيها (ع)، وأمّا الجوانب الثلاثة الأخرى فتضم غرفاً بنيت في عهد متأخر للمعتكفين . أن أبواب المسجد عديدة ولعل أهمها : أربعة أبواب أساسية لكل ضلع باب أكبرها ( باب الثعبان ) وهو المقابل للضلع القبلي لمقام الإمام عليّ عليه السلام ومنبره ..
2- باب الرحمة : وهي الباب التي تحاذي باب الثعبان وتقع في الجدار الشمالي للمسجد المعظم . 3- باب الحجة : وهي الباب التي تقع في الجدار الغربي للمسجد المعظم . 4- باب مالك الأشتر : وهي الباب التي تؤدي إلى المدخل الرئيسي لروضة مسلم بن عقيل (عليه السلام) وتقع في الجهة الشرقية ، من سور المسجد ويعتلي الباب منارة الساعة ، والتي يعود تاريخها إلى سنة 1388 هـ 1968 م . 5- باب عبد الله بن عفيف الأزدي : وهي الباب الثانية التي تربط المسجد الأعظم بصحن مسلم بن عقيل (عليه السلام) وتقع جوار باب مالك الأشتر في الجهة الشرقية للمسجد المعظم . 6- باب المختار الثقفي : وهي باب المسجد التي تدخل على حضرة مسلم بن عقيل (عليه السلام) من جهة الرأس الشريف . 7- باب هانئ بن عروة : وهي باب المسجد التي تدخل على حضرة هانئ بن عروة (رضي الله عنه) من جهة الرأس الشريف .
والمسجد في الإسلام كان مكاناً للعبادة والدرس العلمي والقضاء والاجتماعات العامة التي تتصل بالمصالح العليا للأمة ، ومسجد الكوفة كان منذ السنوات الأولى من تأسيسه محلاً لهذه الوظائف التي قام بها عدد من الصحابة .
وقد ذكروا من هؤلاء عمار بن ياسر ، وعبد الله بن مسعود ، وقرظة بن كعب الأنصاري ، وعثمان بن حنيف ، وحذيفة بن اليمان ، وسليمان بن كعب ، وسلمان بن ربيعة ، والبرّاء بن عازب ، وسهل بن حنيف ، وخبّاب بن الأرت ، وغير هؤلاء ممّن كانوا أمراء أو قادة منهم ، وكان مجلس هؤلاء – في كلّ ذلك – المسجد كما هو الأمر في الصدر الأول .
وحين حلّ الإمام علي عليه السلام فيها سنة 36هـ ، واتخذها عاصمة لخلافته ، حلّ فيها معه عدد كبير من الصحابة الذين رافقوه ، وأصبح المسجد الجامعة العلمية الإسلامية الأولى دون منازع . فشهد المسجد دروس الإمام عليّ عليه السلام – وهو باب مدينة علم النبي صلّى الله عليه وآله – وخطبه ، وحديثه ، وأقضيته مدى سني خلافته .
وشهد أيضاً دروس الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ، وعلماء الصحابة والتابعين بعده في العقيدة الإسلامية ، وفي التفسير ، والقراءات ، والحديث . ثمّ بعد ذلك في العربية (النحو) الذي ألقاه الإمام عليّ عليه السلام لأوّل مرة إلى أبي الأسود الدؤلي فبنى عليه ، ونحا نحوه . وإلى الكوفة ينسب الخط المعروف ، وللإمام عليّ عليه السلام كلمات في طريقة تجويده وتحسينه ، وعلى يد أبي الأسود كان تشكيله ووضع الحركات عليه لأوّل مرّة أيضاً .
وتميّز مسجد الكوفة بأنهّ كان أوّل ، وأوسع مدرسة لقراءة القرآن الكريم ، ففيه جلس أشهر وأوثق القرّاء ، ومن هؤلاء : عبد الرحمن السلمي ، الذي أخذ القراءة عن الإمام عليّ والحسنين عليهم السلام ، وعن عبد الله بن مسعود ، ومنهم عاصم بن أبي النجود الاسدي ، وحمزة بن حبيب المعروف بالزيات ، وعلي بن حمزة الكسائي ، وهؤلاء جميعاً من القرّاء السبعة ، لهذا صارت مدرسة الكوفة أشهر مدرسة للقرّاء في العالم الإسلامي، لمدرستها النحوية منهج وسمات متميزة عن نهج مدرسة البصرة .
وفي الفقه والعلوم الإسلامية نشأت مدرسة الرأي ، ورأسها أبو حنيفة ، وحين جاء الإمام الصادق عليه السلام زمن المنصور إلى الحيرة ، ازدحم عليه المئات من طلاب العلم ، حتّى أنّ محمد بن معروف الهلالي لم يصل إليه لكثرة الناس ، إلاّ في اليوم الرابع وكان منهم أبو حنيفة الذي لازمه مدى سنتين اللتين سكنهما هناك ، وكان يذكرهما فيقول : (( لولا السنتان لهلك النعمان)) ويقول أبو حنيفة أيضاً : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ، لما أقدمه المنصور بعث إليّ ، فقال : إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الشداد ، فهيأت له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر المنصور وهو بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس على يمينه .. فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر .. وذكر أنّه سأله بأمر المنصور أربعين مسألة كان يقول في الجواب على كلّ منها : انتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربما تابعنا وربما تابعهم وربما خالفنا . ثّم قال أبو حنيفة : أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس . ولازمه بعد ذلك رغم محاورات الإمام الحادة معه في شأن القياس .
علماء الكوفة: في الفقه: الامام علي بن أبي طالب ( ع ) (ت سنة 40 هـ ) والامام جعفر الصادق ( ع ) (148 هـ ) ، النعمان بن ثابت ( ابو حنيفة ) ( ت سنة 187 هـ). في الرواية والحديث: البراء بن عازب الانصاري ( ت سنة 72 هـ ) ، قرظة بن كعب الانصاري ، معاذ بن مسلم الهراء ( ت سنة 150 هـ ) وغيرهم. في النحو: أبو الاسود الدؤلي ( ت سنة 67 هـ ) ، علي بن حمزة الكسائي ( ت سنة 189 ) ، ابو جعفر الرواسي ( ت سنة 190 هـ). يعقوب بن اسحاق بن السكيت ( ت سنة 244هـ). في اللغة: حماد بن هرمز ( 2 ) ، المفضل بن محمد الضبي ( ت سنة 168 هـ ) ، محمد بن عبد الاعلى ( ت سنة 207 هـ ) ( 4) في الشعر: الكميت بن زيد ( ت سنة 126 هـ ) ( 1 ) ، محمد بن غالب بن الهذيل ( ت سنة 200 هـ ) ( 3 ) ، الطرماح بن حكيم ( ت سنة 100هـ ) دعبل الخزاعي ( ت سنة 246هـ ) ابو العتاهية ( ت سنة 211هـ ) المكاء بن هميم الربعي ، ابو الطيب المتنبي ( ت سنة 354 هـ). في الكيمياء: جابر بن حيان الكوفي. وفي الكوفة اكثر من 25 بيتا علميا ذكر اكثرها السيد محمد مهدي بحر العلوم في رجاله.
«الكوفة الصغرى» اما «الكوفة الصغرى» و هو مقام «سيدي بو علي» معلم من الحضارة الاسلامية في تونس
عادة ما يتباهى سكّان مدينة نفطة في جنوب غرب تونس، على بعد حوالي 50 كيلومتراً من الحدود مع الجزائر، باسم «الكوفة الصغرى»، وهو الاسم الذي أطلق على مدينتهم منذ مئات السنين، لما أنجبت من علماء وفقهاء وأدباء ومناضلين، فضلاً عن البيئة الصحراوية والواحات المميّزة، ما جعل المدينة التونسية شبيهة بما كانت عليه مدينة الكوفة (الكبرى) العراقية في صدر الإسلام.
وموقع «الكوفة الصغرى» بين واحات النخيل ومنابع المياه الطبيعية، جعل منها مناخاً ملائماً لبروز حركة فكرية وحضارية مثالية، لا سيّما بعد الفتوحات الإسلامية لشمال أفريقيا في القرن السابع الميلادي، إلى جانب بيئتها التي جذبت إليها قبائل عربية مختلفة، نظراً إلى تشابهها مع بيئة شبه الجزيرة العربية عموماً، والكوفة في أرض العراق خاصة، بحسب ما ذكره مؤرخون.
ويمثّل مقام الشيخ «سيدي بوعلي» معلماً ثقافياً وحضارياً صوفياً في وسط واحات نفطة، والذي يقصده آلاف الزائرين سنوياً، سواء من السيّاح أو من المريدين. ويضمّ المقام، الموجود في عمق أعرق واحات المدينة المنتجة لأفخر أنواع التمور التونسية والعالمية، مدرسة لتحفيظ القرآن مجاناً، وعلوم الدين، فضلاً عن محراب يقصده الزاهدون للاعتكاف، وغرف يُستقبل فيها الزوّار وعابرو السبيل. ويشرف على المقام منير بن تابعي معيزة، الذي يجلس في غرفة يستقبل فيها الزوار ممن يطلبون بركة الشيخ. ويقول معيزة، وهو حفيد الشيخ، «ولد سيدي بوعلي في العام 493 هجري، واسمه هو أبو علي الحسيني»، مضيفاً أن «المقام يمثّل شاهداً على العبق العلمي الزاخر للشيخ ومزاراً للتبرّك بعلمه الفاضل بعيداً عن كل أشكال الشعوذة والنوبات والذبح على الأضرحة في كثير من الزاويا الصوفية».
ويعكس مقام «سيدي بوعلي» حركة علمية حضارية بطابع صوفي تجذرت في نفطة على مرّ القرون ما جعلها تضمّ اليوم أكثر من 700 مسجد ومقام، وتنافس الدور العلمي التاريخي للقيراون غرباً، والكوفة شرقاً. فضلاً عن أن «الكوفة الصغرى»، كانت منطلقاً لقادة النضال الجزائري والمغربي ضد الاستعمار الفرنسي. و«الكوفة الصغرى»، ورغم الطابع الصوفي لحركتها الحضارية في عمق صحراء الجنوب الغربي التونسي، مثّلت أحد أشهر الأماكن، التي صوّرت فيها أجزاء من الفيلم العالمي الشهير «حرب النجوم» في منطقة «عنق الجمل».